الأحياء السكنية في ذي قار... أسماء بدلالات اجتماعية محبطة

Wednesday 4th of December 2013 09:01:00 PM ,
العدد : 2954
الصفحة : محليات ,

تبدو الحياة في الناصرية بشكلها الطبيعي مثل أي مدينة في العراق ، حياة تكاد ان تكون بائسة بامتياز ، فالناس هنا على الرغم من وجودهم في مدينة مليئة بالموارد الطبيعية فهم يسكنون في مناطق عشوائية ومتجاوزة وأخرى في أحياء أسسها فقراء وأطلقوا عليها أسماء غريب

تبدو الحياة في الناصرية بشكلها الطبيعي مثل أي مدينة في العراق ، حياة تكاد ان تكون بائسة بامتياز ، فالناس هنا على الرغم من وجودهم في مدينة مليئة بالموارد الطبيعية فهم يسكنون في مناطق عشوائية ومتجاوزة وأخرى في أحياء أسسها فقراء وأطلقوا عليها أسماء غريبة وجريئة وأحيانا أخرى متدنية في المعنى ، فهي تعكس حجم الحرمان والألم والمأساة بمختلف جوانب الحياة ، واعتبر مختصون في علم النفس ان الأماكن التي تحمل هكذا تسميات شعبية واحيانا أخرى " نابية" هي انعكاس للمزاج العام لتلك الفئات التي تشعر بالانتقام في اغلب دائما .

*وجوه الجلاب.. وهي منطقة تقع بين مدينة الشطرة وناحية الدواية شمال ذي قار ويقال ان تسمية تلك المنطقة بهذا الاسم بحادثة ارتبطت بها لرجل معروف قدم لفض نزاع عشائري وعندما دخل إلى أبناء هذه القرية نظر أليهم وقال كلمته "شمال وجوهكم جنها وجوه الجلاب"(وجوه الكلاب) تعبيرا عن سخطه وعن ردة فعل الناس هناك ومنذ تلك الحادث ولا يزال الاسم يطلق عليها إلى ألان . 
*أم البزازين.. وتقع هذه المنطقة أيضا بين مدينة الشطرة والدواية شمال ذي قار وسميت بهذه التسمية حول هذه المنطقة بسبب كثرة اهلها بالتنقل من مكان لأخر كناية بحركة وتنقل القطط من مكان الى اخر ، وبحسب الحديث المروي عن هذا الاسم قيل ان الناس تراهم في الصباح وفي الليل تجدهم في مكان اخر ينتقلون هم وأسرهم باستمرار ولا احد يعرف سبب تنقلهم .
*حي التنك . شرق مدينة الناصرية وربما هو الاشهر في كل التسميات المحلية وسبب التسمية كما يردها الساكنين فيها وكما هو واضح بأن كل البيوت من الصفيح المصنوع من الحديد بدل الطابوق ويعكس تماما هذا الحي الحالة المادية المتردية التي يعيشها الناس فيه وإعدادهم كبيرة جدا .
*حي كبابة .. ويقال حسب سكنة هذا الحي بأن رجل كبير اسمه عبد الكريم وهو سائق كان يحب أكلة الكباب الشعبية المعروفة ويأكلها في كل وقت لهذا كان أهالي المنطقة توعدوا بأن الحي عندما يكون مأهولاً بالسكان بشكل كبير سوف يطلقون عليه اسم حي كبابة .
*حي الطناطلة ..ويقع شمال شرق مدينة الناصرية وسمي بهذا الاسم لانه انشئ في مكان مقبرة قديمة وأهالي المنطقة يعتقدون بأن ثمة أشباح "طناطلة" تحيط بهذا الحي وليست لديهم أي إمكانية لمغادرته او الانتقال لمكان آخر.
*أم العظام .وهي منطقة تقع بالقرب من قضاء سوق الشيوخ جنوب مدينة الناصرية وسميت هذه المنطقة لأن الأرض التي فيها سكنوا كانت عبارة عن مقبرة قديمة .
*حي الداوي ..جنوب الناصرية ويأتي اسمه من كلمة شعبية دارجة في الجنوب وهو الفقير الذي لا يملك شيئا من الأرض او المال فيما ان مواطنيه لا يستأجرون سيارة في حال وجود مريض أو أي ظرف خاص لأن سكانه لا يملكون سوى عربة الحمير او "الستوتة" 

مختصون : رؤية نفسية واجتماعية
اغلب هذه المناطق والأحياء يعيش سكانها تحت خط الفقر ومهمشة وأبنائها بعيدين عن التعلم واغلبهم كسبة لا يفكرون ألا بيوم واحد أي انهم يفكرون كيف يمكنهم الاستمرار خلال هذا اليوم وبعض من هذه المناطق متجاوزة كما أن اغلبها اتخذ من أماكن لا تصلح للعيش منطقة سكن مأهولة بالسكان ،ولذلك هم يعتبرون انفسهم في كل الأحوال مواطنين من الدرجة الثانية .
رئيس قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة الدكتور كمال المراياتي قال " ان الأسماء التي تطلق على هذه الإحياء العشوائية مرتبطة بمشاعر الإحباط النفسي لدى المواطن ، اي ان المواطن الذي يطلق هذه التسمية يدل على أنه وصل الى مرحلة من الانهيار ألامني يتوجه فيها الى شرب الخمر مثلا هروبا عن هذا الإحباط .
ويقول أمير عبد الكريم مختص في علم النفس "ان المناطق العشوائية تلك وتبعا لما وجدت عليها أسماءها تنذر بكارثة حقيقية .أبناء تلك المناطق بالتأكيد لهم احلام وطموحات كبيرة حالهم حال اي مواطن ينعم بحياة كريمة ، متوفرله كل شيء .الامر هنا يختلف مع هولاء فالحرمان والكبت والعنف الذي يتعرضون لها بفعل الواقع وصدمته جعلت منهم يميلون الى القسوة والعنف بشكل كبير ،العوز المادي يمثل مشكلة حقيقية لهم وقد يتخذ اشكالاً متعددة في التأثير على حياة هولاء ويضيف عبد الكريم لو نرجع قليلا للتأمل بهذه الاحياء والمناطق لوجدنا ان اغلب الناس فيها بسطاء يميلون الى العمل البسيط ".
وتابع "طبعا هم ليسوا موظفين ويمثلون شريحة واسعة من ابناء المحافظة لكن الشيء الاخطر من ذلك عندما يبقى الاهمال الحكومي تجاههم مستمر يخلق منهم اعداء ومن الخط الاول ، الارهاب اليوم في العراق يبحث عن حواضن له والحواضن تبدأ من خلال عدة مراسلات او لقاءات وهولاء يمكن ان يصبحوا مشروع موت مؤجل في البلاد ، هنا تحولت القسوة والحرمان الى كراهية لهذا لا نستغرب حدوث إي جريمة بشعة ضد إي مواطن فهذا الأمر الغريزي واضح جدا في سلوكه" .
ويتابع عبد الكريم ليس لدينا مراكز تأهيل يمكن من خلالها مواجهة الخطر الذي يحدق في البلاد ، مراكز متخصصة واهتمام حكومي بتلك الاحياء وايجاد عدة مشاريع استثمارية لها وتحسين المستوى المعيشي لها ويمكن للعوائل هناك إدخالهم في مراكز التأهيل كما هو شأن كل بلدان العالم ويمكن ان نخرج بصورة وشكل افضل .
ولا توجد إحصائية دقيقة حول الجرائم التي ترتكب في المحافظة فيما لو كان مرتكبوها من سكنة المناطق العشوائية او المتجاوزة . 
وقال الناشط في مجال حقوق الانسان محمد العبودي " بالنسبة لهذه الاحياء السكنية العشوائية تمثل مشكلة كبيرة في المحافظة ، خلال عشر سنوات لم تجد الحكومات المحلية المتعاقبة في ذي قار أي حل لتلك العشوائيات ، فالمشكلة لاتزال قائمة في ظل فساد كبير يجتاح اغلب عمل الشركات ، مضيفا بأن هناك مطالبات مستمرة من قبل بعض الناشطين في مجال حقوق الانسان الى ضرورة الاهتمام بتلك الاحياء فمستوى الخدمات المقدمة لهم تكاد ان تكون صفراً بالمئة وهذا مؤشر خطير تشهده المحافظة ، يجب ان تراعي المحافظة كل الفئات وبدون تمييز ، عليها ان توفر تجمعات سكنية لهم للتخلص من المشكلة بدل ان تكبر كل يوم وتكون عقبة كبيرة تظل ذي قار تعاني منها باستمرار .
وكانت وزارة التخطيط قد أعلنت في بداية العام الحالي (2013) بأن محافظة ذي قار تعتبر المحافظة الأفقر بعد محافظة المثنى وبمعدل 37% وتعتبر هذا النسبة كبيرة جدا بما تمتلكه ذي قار من موارد طبيعية تؤهلها ان تكون مدينة كبيرة .
وتسعى ذي قار خلال العالم الجاري بفتح باب الاستثمارات بإنشاء مجمعات سكنية كبيرة في أماكن متعددة من المحافظة والتعاقد مع شركات عالمية كبيرة 
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد أعلن قبل ايام قليلة عن توزيع قطع اراض الى الشرائح الفقيرة والمستحقة في العراق . 
وبالنسبة لمحافظة ذي قار لا توجد أي إحصائية دقيقة معلنة من قبل الحكومة المحلية بحجم التجاوزات في المحافظة وكانت ذي قار خلال العام الماضي قامت بتمليك مايقارب250 عائلة متجاوزة في مدينة الشطرة ضمن خطة تقنين المتجاوزين واعطائهم قطع أراض في أماكن تخططها لهم الحكومة .
وقال المختص النفسي عبد الكريم في نهاية الامر "يمكن للحكومة العراقية ان تحل ازمة السكن بمرور السنوات لكن نحن بحاجة إلى أمر ضروري ومهم وهو وجود مركز تأهيل نفسي واجتماعي يمكن من خلاله متابعة الحالات التي نجدها بحاجة إلى علاج ومتابعة حتى لو كانت في السجن كي نضمن معرفة الدوافع وراء كل جريمة او وراء كل ردة فعل سلبية للتخلص منها بشكل نهائي".