هل لدينا مفضَّلة في الصحافة الثقافية العربية

شاكر لعيبي 2014/12/05 09:01:00 م

هل لدينا  مفضَّلة  في الصحافة الثقافية العربية

لا أعرف هل قرّاء الصفحات الثقافية يعاودون مثلي تغيير (المُفضَّلة) دورياً، على رأس قوائم المواقع الثقافية في أجهزة حواسيبهم. لأعترف: منذ أكثر منذ عشر سنوات وأنا أغيّر دورياً الجرائد والمجلات والمواقع (المُفضَّلات)، بحيث تصعد في بعض الأوقات جرائد بعينها أعلى السلم، وتهبط غيرها إلى أدنى السلّم. كان الأمر يحدث، بادئ الأمر، لا شعوريا، حتى أدركتُ أخيراً أنني أعاود، في الحقيقة، ترتيب أولوياتي الثقافية، وأُجاري معتقداتي بشأن الفعل الثقافي النافع والعميق، وأتابع خياراً جمالياً متعلقاً بطريقة إخراج هذه الصفحة الثقافية وتلك.
ويخيّل لي أن ثمة اختلاطاً اليوم بين الورقيّ والإلكترونيّ، على المستوى التقني والثقافيّ، وأن هناك اختلاطاً مماثلاً بين استهدافات ووظائف وروح الورقيّ ومثيله الأنترنيتيّ، بحيث صارت المُمتع والمتعة، والخفيف السريع من بين ما يضعه المحررون الثقافيون في حسبانهم، وليس دائماً لصالح الثقافة في بعض الصفحات.
ثمة جرائد عربية ذات تاريخ عريق لم تتنازل عن هيبة الثقافة، وثمة خيارات ثقافية صافية لدى أخريات دون التنازل عن حرفية الصحافة وحيويتها (المدى من بينها)، وثمة تيّار صار طاغياً يُدمج الثقافة بالمنوّعات تحت تسميات مراوغة، من أجل استجلاب القراء خفية نحو الفضاء الثقافي كما يُزْعَم، وهو هدف ذو نوايا نبيلة ومشروعة. لكن إقران (الثقافة) بـ (الناس) و(المجتمع) و(أصناف الطعام) تُحوِّلها إلى رديف للمنوعات في بعض الثقافة العربية، فالمجتمعات ليس رديفاً لعلم الاجتماع، ومنوعات ليست رديفاً للتسلية الشعبية بقضّها وقضيضها، وأبازير المطبخ ليست مرادفاً للأصناف الفاخرة. لعل السبب في هذا الخلط يقع في أن المنظومة العامة التي تشتغل فيها تلك الصفحات تُفضِّل بالأحرى، عبر قنواتها الأخرى المرئية والمسموعة، ثقافة من نمط خاص، ثقافة المنوعات يقيناُ. في حالتي الشخصية غابت هذه الصفحات عن "مفضلتي" التي تميل إلى فهم آخر للمنوعات والمجتمعات كليهما.
طبيعة التغيُّر الرقميّ الشامل، أصاب بعض الصحافة العربية إجبارياً، فصارت تكرّس مواد أساسية لفحص وتحليل المرئيّ، المتلفز والمسموع، والأنواع الفنية والجمالية التي لم تُمنح عادةً حصتها الكافية، كما مُنح الأدب بجميع ضروبه، كالغناء والمسرح والموسيقى. بل تهتم مباشرة بالمكتوب على وسائط التواصل الاجتماعيّ. عندما يتخذ هذا الاهتمام طابعاً نقدياً، وليس ترويجياً أو إخبارياً محايداً أو مسانداً، فإن الثقافة تصير فعلاً شاملاً واعياً، وممتعاً في الوقت نفسه. في حالتي ارتقت هذه الصفحات في "المفضلة" أول السلّم، رغم أنها صارت تكفّ عن نشر الشعر القريب إلى نفسي.
ثم أني لاحظتُ، أثناء ترتيب مفضلتي العتيدة، وجود نمطين إضافيين من (الثقافية)، الأول يدْمج الأنواع الإبداعية كلها تحت تسمية (فنون) والآخر يكتفي بتغييب الثقافة نهائياً. في المخيلة العربية المعاصرة لا تحيل مفردة فنون إلا إلى الفن، وهذا لا يحيل اليوم إلى الأنواع الأدبية كما كان يفعل بالأمس. ليس ذلك فحسب بل إن هذا الإدماج يُقلّل في حالات كثيرة من الأنواع الأدبية، ولا يمنحها الفضاء الصحفيّ المماثل للأنواع المرئية والمسموعة. ثمة بخس لها، أكاد أقول متعمداً، كأنه يُعبّر عن يأس عميق من الكلام المكتوب.
إزاء اليأس من المكتوب، ثمة رفض مستتر لما قد يًعتبر شروراً صادرة عن فحواه، وتكاليفه المادية التي لا مردود مباشراً لها، عبر الإلغاء التام والبسيط للصفحة الثقافية. وهو إلغاءان في الحقيقة، الصريح الموصوف، والمُضْمر الذي يقوم على مبدأ اعتبار الصفحة الثقافية خلطة سهلة وسريعة ولا قيمة لها، فيصار إلى تحريرها عبر تجميع الأخبار أو (سرقة المقالات) أو تكليف المتدرّبين بإدارتها.
اختفى اليأس من الثقافة من "مفضلتي" أيضاً، رغم يأس الثقافة في سنواتنا العجاف.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top