قانون العفو العام لا يُعيد الشرف المقضي بإخلاله

آراء وأفكار 2018/02/04 12:01:00 ص

قانون العفو العام لا يُعيد الشرف المقضي بإخلاله

يعرّف فقهاء القانون وشرّاحه العفو العام بأنه: (الغاء الجريمة، وذلك بمحو الصفة الإجرامية عن الفعل وجعله فعلاً مباحاً)، أو هو: (إجراء أو تدبير صفح يُعفى بموجبه المدان عن تطبيق العقوبة التي يتوجب عليه قضاؤها في السجن)، أو هو (مؤسسة تتيح للمجتمع أن يطوي في النسيان الإجراءات ذات الطابع الجزائي والتي لا يرغب أن تبقى في الذاكرة)، أو (هو نزع المخالفة عن الفعل الجرمي)، أي انه طريق استثنائي لانقضاء العقوبة بدلاً من انقضائها بطريق التنفيذ، إذ قد يجد المشرع أن ظروفاً خاصة تملي عليه عدم تنفيذ العقوبة، لأسباب تتعلق بمصلحة المجتمع وأمنه.
تسري احكام قانون العفو العام على الأشخاص ممّن صدرت في حقهم أحكام قضائية ونُفذت لدى المؤسسات العقابية، أو أن قضية المشمولين به ما زالت قيد المرافعة ولم تحسمها المحاكم المختصة بعد، أو أنها لم تزل في طورالتحقيق لدى قضاة التحقيق، أو أنها مجرد طلب شكوى لم يباشرها التحقيق بعد، فكل هؤلاء يتمتعون بأحكام قانون العفو العام .
والمعروف أن العفو جاء نتيجة النزاعات الدينية التي أثارتها حركات الإصلاح في اوربا. وكأثر من آثار تلك النزاعات ظهر التسامح كمبدأ فكري سياسي ينتسب الى النزعة الانسانية، وقد طُور هذا المبدأ واعتبر كخطة سياسية لمعالجة ظروف اجتماعية غير عادية وذلك بإسدال ستار النسيان على الأفعال الجرمية التي ارتكبت في ظروف الاضطراب السياسي لرأب الصدع الحاصل في المجتمع وتهدئة الخواطر من اجل التسامح، واعتمد في العديد من الدول الخارجة من النزاعات والصراعات الداخلية، من اجل محو احقاد الفترة الماضية، وكمثال على ذلك، الإجراءات التشريعية التي اتخذت في جنوب افريقيا بعد تولي نيلسن مانديلا الحكم .
إلا أن الملاحظ، أن بعض الدول – ومنها العراق - وسّعت من نطاق سريان قوانين العفو العام ولم تقتصر احكامها على الجرائم المتعلقة بالاضطرابات السياسية أو الظروف الاجتماعية غير الطبيعية، بل مدت سريانها الى جرائم أخرى ذات طابع جزائي صرف ولأشخاص متأصل لديهم السلوك الإجرامي، ولجرائم توصف بأنها مخلّة بالشرف أو المرتكبة بباعث دنيء والتي تشكّل خطراً على المجتمع وأمنه وتربك خطط الدولة في السياسة الجزائية، الأمر الذي جعل عدد تلك الجرائم يتزايد ويتضخم، وأخرج العفو العام عن الأهداف المرسومة له والنازعة نحو التسامح وبناء دولة المواطنة، خاصة بعد اعادة المشمولين بأحكامه الى المواقع التي كانوا يشغلونها قبل صدور قانون العفو.
ولم يكتف ذلك القانون بهذا الكرم، بل إن أحكامه التي عدّت أفعالهم مباحة، انصرفت الى تبييض سجلات الأدلة الجنائية التابعة لوزارة الداخلية من الأفعال المنسوبة لهم، ونتيجة لذلك، فقد استبعد مبدأ ( العود) عن المشمولين بالعفو، ففي حالة عودتهم لارتكاب الجرائم مجدداً، سيكونون في منأى عن تغليظ العقوبة في حالة العود الواردة أحكامها في قانون العقوبات .
إن العفو العام – كما بيّنا – يمحو الصفة الجرمية عن الفعل المنسوب للفاعل ويعده فعلاً مباحاً، وهذا المحو يشمل الجريمة الاصلية، ويمتد اثره أيضاً الى العقوبات التبعية المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الخامس من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ومنها الغاء مراقبة الشرطة له على سبيل المثال. كما أنه يشمل أيضاً الغاء العقوبات التكميلية بحقّه الواردة في احكام الفصل الثالث من الباب المذكور من قانون العقوبات، فضلاً عن ايقاف التدابير الاحترازية السالبة للحرية أو المقيّدة لها الواردة في الفصل الرابع من الباب ذاته .
وللوقوف على قصد المشرع العراقي من قانون العفو العام ندرج أدناه نصّ المادة (1) منه وهي : (يعفى عفواً عاماً عن العراقي المحكوم بالإعدام أو بإحدى العقوبات أو التدابير السالبة للحرية سواء كان الحكم وجاهياً أم غيابياً، اكتسب درجة البتات أو لم يكتسب ودون الإخلال بالمسؤولية المدنية أو التأديبية أو الانضباطية).
المادة 6 من التعديل تنص على: (لا يترتب على احكام هذا القانون المساس بالإجراءات والعقوبات الانضباطية المفروضة بحق الموظفين المشمولين بها وعودتهم الى وظائفهم وفقاً للقانون) .
استثناء من أحكام العفو العام
ومن قراءة هذه النصوص يتضح أن نصوص قانون العفو العام لم تكن مطلقة بل إنها مقيّدة بالمسؤولية المدنية والتأديبية والانضباطية، لذا يتوجب الحزم في تطبيق هذا الاستثناء، وأن لا يعود للوظيفة ممن ترتّبت بحقه مسؤولية مدنية أو تأديبية أو انضباطية. نحاول شرح هذا الموضوع في السطور التالية :
أولاً- العفو العام يلغي الصفة الجرمية عن الفعل، ولكنه لا يلغي الفعل ذاته، أي أن الفعل يبقى مادياً وتأتي آثاره ونتائجه متصلة به ما لم تكن ذات طابع جزائي. ومثال على ذلك، أن مرتكب جريمة الزنا المشمول بالعفو العام والذي عُدّ فعله هذا مباحاً بموجب احكام قانون العفو العام، فإن ذلك الفعل يبقى فعلاً مادياً، ويصلح لأن يكون سبباً لطلب الزوجة التفريق من زوجها استناداً لحكم المادة 40 فقرة 2 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل .
ثانياً – قلنا إن العفو العام يُلغي الصفة الجرمية، ولكنه لا يُلغي الفعل ذاته، وتأتي نتائجه وآثاره ما لم تكن ذات طابع جزائي. عليه ولما كان الفعل المادي قائماً بالنسبة للموظفين المشمولين بالعفو العام، ويخضعون لأحكام القانون الاداري الذي يعمل في ساحة مستقلة عن الساحة الجزائية لاختلاف الاختصاص والموضوع، وبهذا يتوجب اعمال الجملة الأخيرة من المادة (1) من قانون العفو العام، إذ لا يجوز اعادتهم الى مؤسساتهم من دون المرور بالإجراءات التأديبية والانضباطية خاصة بالنسبة للجرائم المخلّة بالشرف المنصوص عليها في المادة (21 / 6) من قانون العقوبات، لأن العفو العام لا يعيد الشرف الى سابق عهده بعدما قُضيّ بالجانب المخل فيه، أي أن الفعل المادي المخل بالشرف يبقى قائماً في مواجهة النصوص التأديبية والانضباطية المختلفة وظيفتها ونطاق سريانها عن النصوص الجزائية بأعتباره فعلاً مادياً يوجب المحاسبة، ولا يمكن المرور الى الوظيفة من دون المحاسبة على وفق تلك النصوص لمخالفة الفعل المادي لأحكام القانون الإداري، خاصة وأن الوظيفة العامة لا تقبل في ثناياها ممّن حُكم عليه عن جريمة مخلة بالشرف، فيكون من الواجب على ادارة المؤسسة التصدي لهذا الموضوع بمجرد وصوله إليها، لا أن تعيده اليها متمتعاً بمزاياه السابقة، فترتكب الفعل المخالف للقانون وتضع نفسها تحت طائلة نصوصه الصارمة، فإذا كان العفو العام يعد الفعل الجرمي مباحاً، فإنه لا يستطيع ايقاف تنفيذ الإجراءات التأديبية والانضباطية، لأن الشرف المختل لا يشفع له العفو العام.
ثالثاً- إن العفو العام لا يمسّ الحقوق الشخصية للغير، أي أن العفو العام لا يتصدى لحقوق الغير، لأن هذه القاعدة تهدف الى صيانة حقوق الغير، وهو ما اطلق عليها القانون تسمية المسؤولية المدنية، فإذا كان الحكم الجزائي قد تضمن تعويضاً مادياً للمجني عليه أو أنه احتفظ له بالمطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية، فإن هذا الحق يبقى قائماً ولا علاقة له بالعفو العام الذي شمل الفاعل، أما اذا كانت الدولة هي المجني عليها، فإنها مخولة بالتنفيذ الجبري استناداً لقانون تحصيل الديون الحكومية، علماً بأن المدد المحددة للمطالبة بالتعويض تخضع لأحكام القانون المدني وليس للقانون الجزائي ما دام قانون العفو العام عدّ الفعل المنسوب للفاعل مباحاً.
رابعاً - الاحكام العامة في قوانين العفو العام، تكون ذات أثر رجعي، أي يرجع به الى تاريخ وقوع الفعل الجرمي، وهذه القاعدة قد تؤدي الى نتائج مضرة بخزينة الدولة، فإذا كان الحكم يتعلق بفعل التهرب الضريبي، فإن الأقساط المُستلمة من الفاعل قبل الحكم عليه لا تُعاد استناداً لقانون العفو، لأنها أموال الدولة أعيدت إليها بموجب قانون الضريبة الواجب التطبيق والنافذ عند المباشرة بالاستقطاعات، ولا قيد عليه قبل صدور قانون العفو.

تعليقات الزوار

  • مصطفى سعيد كاظم

    استاذ اني انحكمت ثلاثة أشهر خلصتهن وطلعت وعقوبة تبعية طرد من الخدمة سؤالي في حالة إقرار قانون عفو عام يشملني وارجع الوضيفة المادة ٤٥٩ وتكيفت ٤٥٦

  • استاذ انحكمت ٣اشهر وقضيت المده وصار عندي قيد جنائي يصير اشمل الدعوه بلعفو العام والجريمه حصلت ب٢٠١٤ يصير تنشمل بقانون رقم ٢٧ لسنه ٢٠١٦

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top