المعاني الانسانية بين الخطوط الهندسية ومتغيراتها التعبيرية

المعاني الانسانية بين الخطوط الهندسية ومتغيراتها التعبيرية

 تستفيض الافكار الهندسية من  لوحات الفنان "خليل شعبان" فتتشكل عبر عدة خطوط،  صاغها بأسلوب فني معتمداً على نقاط ذات دلالات عاطفية محصورة في إبراز معاني المفردات التشكيلية،   وعلاقتها بالنسب وتوزيعها وقدرتها في تحقيق التفاعلات اللونية المترابطة زمنياً مع حركة الخط ومعناه ما بين قساوة وليونة الطبع في المكان المادي والحسي. 

والانتقال عبر الفراغات نحو الواقع الانساني المتأزم أو المتصالح مع نفسه، وكأن الفنان "خليل شعبان" يضع فلسفة بين مكانين المادي والاثيري، للبحث عن المعالم الانسانية الجديدة التي تشكلت في الفطرة الانسانية عامة. وفي داخل النفس التي عاشت الحروب والصراعات، والخطوط المختلفة من الدمار والبناء، وقدرة الانسان على متابعة العيش بين عدة خطوط، أبرزها العاطفة المتمثلة في الخط المنحني والاستدارات، وتلك المحصورة في أشكال ذات زوايا تعيد الحياة الى القوالب أو العلب الجامدة الفكرية منها والمادية. بهذا يضع الفنان " خليل شعبان" فلسفة تشكيلية عبر الخطوط وفكرة الحياة والموت أو عبثية الانسان التي يمارسها بين خطوط الحياة متخبطا بين الخطأ والصح أو بين الصراعات والسلام .
يستخرج الفنان "خليل شعبان" مكنوناته الطفولية بخطوط عاطفية ذات عقلانية خاصة يبحث من خلالها عن المعاني الانسانية بين الخطوط الهندسية، ومتغيراتها التعبيرية بجمالية الألوان وشفافيتها المفتوحة على عدة آفاق بحرص تشكيلي تفاعلي في انطلاقة الخطوط من نقاط محسوبة بدقة. لريشة تحسن الخوض في لجج الآلوان المحصورة. وفق تقسيمات الخطوط العامودية والافقية، والمنحنيات والاستدارات اللانهائية على أسس يشدها بقدرات فنية تمكنه من سبر أغوار المقاييس والنسب وتقسيمات زمنية. كأن الكون هو مجموعة عوالم مقسمة بين ماضي وحاضر ومستقبل، ورؤية تقنية تعيد حسابات الزمن وفق الامكنة التي نغادرها أو تلك التي يفارقها الجسد، وتبقى في نظام معقد يتناقض والحلم الطفولي الذي نفتقده في الحياة. لإحداث جزئيات تثير الذهن وتعصف بالحس الرياضي الذي يترجمه في لوحات بين عدة متناقضات. لكل منها تجربة وظيفية جمالية يجعل منها فكرة ينطلق منها نحو فكرة هندسية تلغي القديم، وتنتفض على الجديد وتساعد على الابتكار في البحث عن حقيقة الانسان، وتقلباته عبر الزمن وتحديداً بين فكرة الحياة والموت أو الموت والافتراض في الحياة وما بعده أو المرتبط بعدة تساؤلات ما ورائية ناتجة عن صراعات الخطوط المرتبط بمنطق المكان واللحظة الفاصلة بين الرحيل والبقاء.
يعالج الفنان "خليل شعبان" الخطوط باسلوب ذي شغف تشكيلي له تطلعاته، لتنمية الخيال المتضمن الأسس الهندسية القادرة على تشكيل للقيم الفنية المؤدية الى ترسيخ النسيج التخيلي، والتصورات الهادفة لاعتماد قوة الملاحظة المبنية على شد الخطوط، وإبراز متغيراتها ، والمعطيات الضمونية المتعلقة باسلوبه في المنحنيات وتعاطفها الانساني القائم على الليونة. رغم ارتكازها على النقطة والانطلاقة منها عشوائيا احيانا . إلا انها تمثل الاتجاهات الانسانية بتجسيد يحقق فيه اختراق المألوف، وبناء لأشكال معاصرة أكثر تطورا من الخطوط الحادة ، كالمستقيم والعامود للالتفاف نحو الشعور والحس المنطقي في الحياة، المتجسد بالخط المنحني والاستدارات ، والبيئة وما تشكله للانسان من معطيات تتوسع من خلالها عملية الفهم، والقيمة التناقضية التي تستحضرها الذاكرة من خلال الامكنة والتنقل عبر الزمن الحسي الناسخ لبعضه البعض ضمن سرعة الضوء التي يتركها مع الألوان المشبعة بالمغزى الفني ، وجمالية المزج وفق تدرجات تساعد على استدعاء الفكر الهندسي وخيوطه المتشكلة من التناقضات والمحاكاة، والتدرجات في النسب المختلفة لكل لون وقدرته على التمازج والتنافر، لمواجهة قضايا الذاكرة الراسخة منذ الطفولة وحتى الكهولة في مراحل حياتية مختلفة ذات ابعاد يجمع فيها من الهواجس من يزيل عنها الخوف، ويبث الأمان عبر الانتقال من الخط المستقيم والخط العامودي الى الخط المنحني وقدرته على الاشباع العاطفي. لإبراز خطوط الحياة بكافة تطلعاتها الانسانية.
تثمر انعكاسات الخطوط في لوحات الفنان" خليل شعبان" عن معاني فنية لعناصر محددة بنقاط حادة رغم الانحناءات، كرفض لفكرة زمنية تستدرجنا من الطفولة الى الشيخوخة. فالموت واسراره فوق الطبيعية، والتسلسل الهرمي للاشياء منتقلا من الصلابة الى الليونة دون الاستغناء عنها، مستخدما الخطوط الرئيسية لتسليط الضوء على الحالة اللينة او الانسانية القادرة على لملمة الخيوط ووضعها في نسيج اكثر ايجابية. لبث فكرة الاستقرار والهدوء الزمني بديناميكية تثير الحركة، وتتركها بعيدة عن الانحدارات او الخسارات المادية، بمعنى اوسع في الاجساد عن الموت التي يتركها بين زوايا خطوطه، ربما! في ما يشبه الصناديق وزواياها، وربما هي نوع من الاستثمارات غير المباشرة عبر نظرية التكامل للخط الذي يتخذه الانسان منذ ولادته حتى رحيله. إن لم نقل موته الذي وضع لها الكثير من الاشارات التعبيرية التي تبقيه على قيد الحياة، وإن أظهر باطن القدم لا شعوريا في رسوماته الفنية التي تميل الى رفض الماضي واستكمال الحاضر. ليعطي صورة مستقبلية عن واقع العمران المتخيل فيما بعد .
تقارب فني تشكيلي تميز بالتعبير عن أفكار مختلفة تتصارع مع بعضها، مستخدماً الخطوط المتفاوتة بين عدة نقاط. ليتحدى بصرياً الابعاد وقدرتها على خلق نوعٍ من السراب المؤسس لحقائق نراها حسياً بشكل غير ملموس تؤدي الى نقطة التقارب أو فكرة الحرب والموت، ورحيل الانسان عن امكنة مادية في تشكيلاتها المنحنية المثيرة للحس الانساني برقته ووجوده وعاطفته واطمئنانه. ليزيل السلبيات عبر الفن التشكيلي والمزيج المدروس جيداً ، ليعطي شعوراً بقوة الانسان وجديته في خلق الشعور بالراحة والتجدد بعد كل مرحلة من اللاوعي يقطعها من خلال العودة الى الدائرة والقوة والطبيعة. وفق الابداع والخيال الملهم المتمثل باللانهاية والفضائل المرتبطة بالالوان والضوء والاستحضار المثالي للانسان وديناميكية الرؤى البانورامية في الشكل الهندسي ، المعتمد على ابراز الاتجاههات ووضعها ضمن تشكيلات جدلية تجسد البناء البشري او الانساني بشكل عام وقوة البقاء.
تمثل الأشكال الهندسية في أعمال الفنان" خليل شعبان " الاشكال الانسانية المختلفة لحماية فكرة البقاء من الاندثار ، وفق اضطرابات وصراعات مرت بها الحقبة البشرية منذ بداية الخلق حتى الان. فالمفاهيم الاساسية التي ترتكز عليها لوحاته هي التنافر بين الشكل ومادية جوهر الاشياء المحركه له أو تلك المحافظة على البقاء، وفق نماذج تشكيلية يتركها بصرياً مفنوحة لشتى الجدليات، وبسمات يقترب فيها من الامكنة ويبتعد في نفي لعبثية الوجود او عبثية الانسان ، والفناء المعتمد على فكرة باطن القدمين الى الاعلى او الوجود وجماليته بنسبية كللها بالبعد الثالث والمكعبات والصندوق المتجسد بالبقاء والرحيل.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top