بعثة تنقيب فرنسية تكشف عن مدينة عمرها 4000 عام في كردستان

بعثة تنقيب فرنسية تكشف عن مدينة عمرها 4000 عام في كردستان

 ترجمة المدى 

توصلت أعمال تنقيب أجرتها بعثة آثارية فرنسية في إقليم كردستان الى الكشف عن مدينة تاريخية قديمة في موقع ، كونارا ، الأثري قرب محافظة السليمانية  في اقليم كردستان يعود تاريخيها الى ما يقارب نهاية الالفية الثالثة قبل الميلاد ، حيث كانت تعتبر بمثابة قلب نابض لمملكة تاريخية غير معروفة الى جوار مراكز حضارات وادي الرافدين الاخرى  من مدن آشا ور وبابل و أكد .

تقول الباحثة الآثارية ، ألين تينو ، من بعثة الفريق الفرنسي بان عمليات التنقيب الاولى كانت محيرة ، مشيرة الى أن ما كشفوا عنه خلال حملة تنقيب استمرت لستة مراحل ما بين العام 2012 و 2018 هو الكشف عن معالم مدينة قديمة غير متوقعة في موقع كونارا التاريخي المحاذي لمنطقة زاخروس الجبلية الواقع على تلين صغيرين يطل على الضفة اليمنى لفرع نهر تانجارو على بعد 5 كم تقريباً جنوب غرب مدينة السليمانية.
واضافت الباحثة تينو بقولها " هذه المنطقة القريبة من الحدود العراقية الايرانية لم يتم التنقيب فيها جيداً منذ عقود لحد الآن بسبب الحروب منذ زمن النظام السابق وكذلك بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003 وحصول فراغ أمني وظهور تنظيم داعش بعد ذلك ، الوضع الآن ملائم أكثر ."الاكتشاف الذي حصل في موقع ، كونارا ، يعد اكتشافاً نادراً غير متوقع تمثل بإماطة اللثام عن أسس حجرية تمتد لعشرات الأمتار لمبنى في القسمين الأعلى والأسفل من الموقع . يبدو إن البناء يعود تاريخه لأواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد أي بحدود عام 2200 قبل الميلاد . بعبارة اخرى فان هيكل البناء قد تم إنشاؤه قبل أكثر من 4000 عام مضت . ويقر عالم الآثار ، كيبنسكي ، الذي كان أول من بدأ بعمليات التنقيب ضمن البعثة قبل تسليم المهمة للباحثة ، تينو ، بقوله " لم نكن نتوقع أبداً أن نكتشف مدينة هنا في هذا الموقع."
وتستدرك الباحثة الاثارية ، تينو ، بقولها إنه في أحد صباحات عام 2015 كشفت الأرضية تحت هذا الهيكل ، الذي يعود تاريخه لعدة آلاف من السنين قبل الميلاد ، عن شيء يدعو للدهشة ، مشيرة الى أن أحد أعضاء الفريق صرخ قائلاً " لقد عثرنا على لوح طيني ." وتبع ذلك الحدث الكشف عن عشرات وعشرات من الألواح الطينية الأخرى كانت على شكل لوح طيني مستطيل عرضه عشرة سنتمتر تقريباً ومحشوة بنصوص مكتوبة بأحرف مسمارية . وتقول المنقبة الفرنسية ، تينو ، إنه قبل 4000 آلاف عام كان سكان مدينة موقع كونارا التاريخي هم جزء من حضارة بلاد وادي الرافدين الممتدة في أرجاء أخرى من البلاد في سومر وبابل وأكد.
ما يميز المدن التاريخية القديمة لحضارة بلاد وادي الرافدين هو إنها من اقدم المدن المعروفة في تاريخ البشرية التي حكمتها قوانين وتشريعات ، وحملت جدرانها أول الأحرف اللغوية في التاريخ تضمنت سرد ملاحم مثل أسطورة ملحمة جلجامش.
ومضت الباحثة ، تينو ، بقولها " مدينة ، كونارا ، توفر لنا عناصر جديدة لأناس غير معروفين لحد الآن بقوا ضمن دراسات حضارة بلاد وادي الرافدين . حيث كانت المدينة تقع في الجانب الغربي من حدود مملكة بابل وآشور والإمبراطورية الأكدية التي وحدت كل مدن البلاد . وقد حكمها أعظم ملوك بلاد وادي الرافدين الذين كان يطلق عليهم لقب ملوك الاتجاهات الأربع مثل الحاكم ، نارامسين ." وتشير الباحثة الى أن القطع الاثرية المكتشفة تدل على ان اهالي المدينة كانوا يعيشون حياة مزدهرة وذلك عبر الادوات التي كانوا يستخدمونها في بيوتهم والمصنوعة من احجار نادرة كريمة مما يدل على إنهم كانوا جزءاً من العهد البرونزي الذي كان قد بدأ بقرون قليلة سبقت في مدن حضارة وادي الرافدين الاخرى المجاورة .
من ناحية أخرى بينت الألواح الطينية التي تم العثور عليها في المدينة وكذلك بقايا من عظام ماعز وخراف ومواشي وخنازير على إنها كانت مزدهرة من الناحية الزراعية وتربية الدواجن والمواشي . وكذلك وجود شبكة قنوات ري جنوبي المدينة يذكر بما حققه أهالي تلك المنطقة من زراعة محاصيل حبوب حنطة وشعير. وتقول الباحثة ، تينو ، إن الالواح الطينية المكتشفة في المدينة أوضحت عن وجود نظام اقتصادي زراعي في تسويق المنتجات الزراعية من حبوب وطحين حيث وجد ذلك مثبت في عشرات الألواح الطينية المكتوبة بلغة مسمارية سومرية وآكدية . وبينت إنه تم العثور على ألواح في بناية جنوب المدينة مدون فيها ما تم تسويقه وشراؤه من طحين وحبوب وكان يمثل هذا المكان بمثابة مكتب بيع وشراء الطحين.
المجموعة الثانية من الألواح الطينية المكتشفة في العام 2018 مرة أخرى في الجزء الجنوبي من المدينة ولكن في منطقة مختلفة أوضحت عن طريق الصدفة عن لغة وأسلوب كتابة خاصة بالمدينة يتعدى ما يتعلق بالمحاصيل الزراعية وتسويق الحبوب فهي تتحدث عن محاصيل أكثر ثمناً . فقد كشفت الألواح الطينية عن معلومات تتعلق بأدوات منزلية ثمينة وجرار فخارية البعض منها يسع لما يقارب من 2000 لتر . هذه الأشياء تفصح عن وجود نشاط زراعي مستديم وسياسة تخزين على نطاق كبير تديره مدينة كبيرة ضخمة تسعى للاكتفاء الذاتي.
يؤكد الباحث الآثاري ، كلانسير ، إنه رغم كتابة النصوص في الالواح الطينية بأحرف مسمارية ، فان لهجة سكان مدينة كونارا ، ولكنتهم كانت تختلف عن بقية سكان المناطق الآشورية الأخرى ، فهي لها لهجتها ولغتها الخاصة بها وكذلك المناطق المحيطة بها . ولكن ليس هناك لوح طيني مكتشف يفصح عن اسم المدينة الحقيقي والأصلي. وتقول الباحثة ، تينو ، والسعادة تبدو في عينها : " سنستمر في تنقيباتنا لنتوصل الى ذلك عبر حملة التنقيب القادمة التي من المقرر المباشرة بها في خريف عام 2019 . الاكتشافات الجديدة قد تساعدنا في ايجاد حل لتساؤلات لم نتوصل الى إجابات عنها ، على سبيل المثال من هم السكان الاصليين لمدينة كونارا ؟ ولماذا لم ترجع للحياة مرة أخرى بعد الحريق العنيف الذي دمرها قبل 4000 آلاف عام ؟ نأمل أن نتوصل بالنهاية لاجابات عن هذه التساؤلات."

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top