مؤتمر قمة برلمانات دول جوار العراق: قراءة تقييمية واقعية للبيان الختامي

آراء وأفكار 2019/04/21 12:00:00 ص

مؤتمر قمة برلمانات دول جوار العراق: قراءة تقييمية واقعية للبيان الختامي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

من صحيح القول بأن الخطوة التي أقدم عليها رئيس البرلمان العراقي السيد محمد الحلبوسي بدعوة كل دول الجوار العربية وغير العربية (ايران وتركيا) للحضور في بغداد في يوم 20 من نيسان 2019 للمشاركة في مؤتمر برلمانات دول الجوار تحت شعار الاستقرار والتنمية بادرة مهمة على الطريق لإنفتاح عراقي مستقبلي يؤمل أن يكون مثمراً مستداماً في نتائجه للعراق ولدول المنطقة على حد سواء وذلك في أطار تبادل وتوازن المصالح للدول الست مع العراق دون أية قيود أو شروط من شأنه في نهاية المطاف تعزيز الاستقرار ، بناء الشراكات والابتعاد عن لغة الاقصاء وصراع المحاور والاستقطابات بين القوى الفاعلة الرئيسة وبشكل خاص بين المملكة العربية السعودية وإيران. فاتحة عهد "جديد" دشنه العراق منذ عهد رئيس الوزراء السابق الدكتور حيدر العبادي ، والآن تستمر على نهجه الرئاسات الثلاث ممثلة بشخوص قياداتها المميزة : رئاسة الجمهورية (الاستاذ برهم صالح) ، رئاسة الوزراء (الاستاذ عادل عبد المهدي ، رئاسة مجلس النواب برئاسة (الاستاذ محمد الحلبوسي). ليس هناك اعتراض أو جدل في ماورد من نقاط مهمة في البيان الختامي للقمة ولكن وددت أن أقدم بعض التعليقات حول كل نقطة ذكرت ليس من باب النقد من أجل النقد ولكن من ضرورة التذكير بإننا أمام خطوة أولى لابد أن تتبعها خطوات أخرى مهمة تعززها خاصة وأن مبدأ الشراكات بين العراق وكل دول الجوار قد أعلن بصورة عملية واضحة على لسان رئيس البرلمان العراقي ولكن كي تستمر لابد من أرضية صلبة تقوم عليها. من هنا أهمية مايلي : اولا : إن مرحلة مابعد الانتصار على داعش تؤكد أهمية ما توصل إليه الفرقاء من أن استقرار العراق والحفاظ على وحدة أراضيه ووحدة نسيجه الاجتماعي مسألة لامناص منها. أن تطبيق ذلك فعلياً من شأنه أن يقودنا لترجمة النظرية إلى واقع جديد من خلاله يفترض أن تتم عودة العراق "بكل ثقله السياسي والاقتصادي وموارده البشرية الخلاقة إلى محيطه العربي والاقليمي ، ليكون نقطة جذب والتقاء..." وليس نقطة خلاف وصراع وتصادم تنتهي بنا إلى مشكلات وأزمات وتداعيات حادة مؤلمة للعراق او لدول المنطقة والجميع في غنى عنها. إن الوقوف على مسافة واحدة وبعيداً عن تدخل كل طرف في شؤون الطرف الآخر مسألة أساسية لأرساء كل مايدعم الأمن الوطني والاقليمي ولكن المشكلة الجوهرية هي إن جميع هذه الدول بصورة وبأخرى تعيش تخبطات وأزمات حادة مرتبطة جزءاً مهماً منها بواقعها المعاش الصعب أو بما له علاقة بطبيعة الدور الجيوسياسي للقوى الخارجية خاصة الولايات المتحدة ، روسيا والصين. ثانياً: من المؤكد أن القضاء على داعش يمثل "أرضية مشتركة لكل شعوب المنطقة لبدء صفحة جديدة من التعاون والبناء ودعم الحوار المجتمعي وصولاً لبناء تفاهمات مشتركة على أسس جديدة في المستقبل تقوم على اساس دعم التنمية والاستثمار وبناء شبكة من العلاقات التكاملية بين شعوبها" ولكن السؤال المنطقي هل لدى هذه الدول جميعا رؤية استراتيجية وطنية واضحة ومرضية لشعوبها تلبي إحتياجاتها المادية والمعنوية أم أن الآمال شيء والواقع المعاش المليء بالمشكلات والازمات الحياتية منها مثلا البطالة الواسعة الكبيرة بين الخريجيين والفقر المدقع للكثير من سكان بلادنا (أطفالاً وشباباً وكهولاً) مسألة لم تصل بعد لمستوى مقبول دع عنك مستوى الطموح الذي ينتظر علماً بإن دول الجوار تتباين في مسارات تقدمها السياسي - الاجتماعي – الاقتصادي والبيئي. ثالثاً: إن ضحايا التطرّف هم الشعوب وهذا صحيح تماما وبالتالي فإن تأكيد دول الجوار على دعم الاعتدال ومحاربة التطرف على مختلف اشكاله مسألة حيوية يجب أن تتم بصورة مستدامة وليست وقتية في الطرح والمعالجات . السؤال المنطقي مسؤولية الاجابة عنه بكل صدق وصراحة من قبل كل دولة : ما الذي ينعش التطرّف ويبعد الاعتدال في دولنا وبين شعوبنا إذ من المفترض أن يكون الاعتدال السمة الطبيعية السائدة في مجتمعاتنا؟ إن الاجابة على هذا التساؤل ليست لغزاً لايمكن فكه أوحله ولكنها معقدة نسبيا تحتاج للمصارحة وللحوار الحقيقي والأمر يرجع في الأساس لإفتقاد "الحكم الرشيد" المعني بحسن وجودة إدارة الدولة بكافة مؤسساتها الحقيقية وتلبية إحتياجات السكان الاساسية بصورة عادلة ومناسبة وفقاً لمبادئ العدل الاجتماعي وفي ظل دولة القانون "نصاً وروحا". رابعاً: إن تأكيد المجتمعين على "عملية البناء والاعمار والتنمية في العراق ، وتشجيع فرص الاستثمار فيه بمختلف المجالات التعليمية والصحية والصناعية وتكنلوجيا المعلومات والثقافة وحركة التجارة والمال والمناطق الحرة ومرافق الحياة الاخرى سواء منها في القطاع العام أم الخاص، ودعم إعادة إعمار المدن المحررة من تنظيم داعش الارهابي ، وتأهيل البنى التحتية بما يؤمن توفير فرص عمل لإعادة النازحين لمدنهم" مسألة لايختلف عليها اثنان ، ولكن مع تقديرنا لأهمية النص نقر بأن هذه التوصية شمولية في عناصرها وابعادها دون تمحيص لمفرداتها ولعلاقة بعضها بالبعض الآخر ، ولكنها مع ذلك ليست مانعة قاطعة ايضا بمعنى من المعاني إغفالها لأهمية القطاع الزراعي الذي لازال يستقطب نسبة سكانية كبيرة نسبياً من المزارعين الذي يعد عماداً للتنمية الاقتصادية في العراق هذا من جهة ، إضافة لعدم توضيح اين يكمن الدور العراقي في تنمية جميع هذه القطاعات والمجالات ومنها الضرورة العاجلة والاستثنائية لإعادة بناء المدن المحررة من جهة أخرى ؟ كذلك لم يتم توضيح كيفية بناء شراكات مستمرة مستدامة مع دول الجوار (الأليات والطرق والأدوات ؟) للمساعدة في بناء المدن المحررة من دنس داعش. علما بما ما توفر للعراق من إمكانات بشرية ومالية ـ مادية مسألة لايستهان بها في كل الاحوال بل حتى في حالة عدم توفر الدعم الاقليمي المطلوب او المرتجى. خامساً: أكد المجتمعون أيضاً على " دعم العملية السياسية والديمقراطية في العراق بكل مساراتها، والتي اسفرت عن إجراء الانتخابات وأستكمال أختيار الرئاسات الثلاث وفق الاستحقاقات الدستورية، بما يضمن مشاركة جميع مكوناته وقواها السياسية، لتحقيق مستقبل زاهر للشعب العراقي" مسألة هي الاخرى غاية في الاهمية ولكنها اضحت أمراً واقعاً منذ مدة ليست بالقصيرة ومع ذلك فإن التساؤلات عنها غير متيسرة الاجابة بعد كونها ترتبط بأمور كثيرة منها مثلاً مدى ماحققه النظام السياسي العراقي من أنجازات على مدى 16 عاماً خلال عملية سياسية لازالت تشوبها الكثير من الشؤائب والاختلالات بل والانقسامات التي يمكن وصفها بالمؤسفة والمحزنة حقا ، علما بإن الحكومة العراقية الحالية لازالت لم تستكمل وزارات أربع غاية في الاهمية (الدفاع ، الداخلية ، العدل والتربية)؟. عدا أن البرنامج الحكومي الطموح لازال في طور التطبيق وقد يأخذ وقتاً أطول مما هو متوقع . هذا وأن مجرد التأكيد على احترام مسار العراق الديمقراطي مثلاً من قبل دول الجوار مسألة غير ذات بال إن لم تنشئ وفقاً لنهج حقيقي مقترن بالافعال او بالسياسات الواضحة المبنية على الاحترام المتبادل والنيئ عن التدخل غير المحمود الذي لايعود بالنفع على العراق ودول الجوار بشيء ملموس . إن القضاء على داعش عسكرياً وأمنياً تقدم لنا ولاشك أنموذجا عراقياً مهماً في الدفاع عن سيادتنا وحماية لكل مواطن من أهلنا بل والدفاع عن دول الجوار ولكن القضاء المبرم على الفكر الداعشي المعشش في عقول كل من ينتمي لداعش أو لغيره من التنظيمات الفكرية المماثلة التي تنهج نهجاً إقصائياً ولاتعمد للتعايش السلمي مسألة تستدعي منا جميعاً أن نقف منها موقفاً حازماً من خلال تعبئة كل الخبرات والإمكانات الفكرية في التصدي لها وعدم السماح بانتشارها في مجتمعاتنا التي ترنو للتقدم والتنمية الانسانية بكل أبعادها وتداعياتها. هذا ويجب أن لاننسى أهمية استخدام العراق ودول الجوار لكل الوسائل الاعلامية بصورة تؤسس لنقل الصورة الحقيقية لدولنا ومجتمعاتنا بكل ما لها وماعليها دون مجاملات بعيدة عن واقع لازال مآساويا ولكنه قابل للعلاج فقط إن توافرت الإرادات السياسية والقناعات الشعبية بضرورة تجاوز العقبات ومواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية حفاظاً للمصالح الاستراتيجية لمنطقتنا اولا وللعالم الخارجي ثانيا. أخيراً يجب أن تعيش برلماناتنا هموم شعوبنا وتنجز ما عليها من مسؤوليات تشريعية ورقابية وتمثيلية حقيقية وإلا لن تستحق أن تعد برلمانات شعوب قدر كونها برلمانات رمزية أو هامشية في تأثيراتها وإنجازاتها على أرض الواقع. مسؤولية يجب أن يسهم بها كل فرد أو مواطن من خلال وعي ويقظة وطنية بل وبصورة واضحة أيضاً لمنظمات المجتمع المدني دورحيوي من خلاله تراقب عن كثب المسار الديمقراطي للعملية السياسية بهدف تصحيح اية إختلالات و القيام بأصلاحات حقيقية للنظام السياسي في إطار رؤية للدولة المدنية بعيدة عن كل شكل من أشكال المحاصصة المجتمعية طائفياً –قبلياً – دينياً – عرقياً –جهوياً إلى غير ذلك من الانقسامات والتشرذمات المعرقلة لخطط التنمية الانسانية وفقاً للمديات زمنية مقبولة مجتمعياً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top