تقرير: الـ مان بوكر  العالمية بنكهة عربية نسائية

تقرير: الـ مان بوكر العالمية بنكهة عربية نسائية

علي حسين

بدأت رحلة جائزة مان بوكرهذا العام بمئة وثماني روايات مرشّحة للجائزة، وانتهت كالعادة بستة على اللائحة القصيرة. خمس كاتبات وكاتب وحيد ، قالت رئيسة اللجنة التحكيمية " بيتاني هيوز" لدى إعلان اللائحة القصيرة : " تتجلى الحكمة في كل أشكالها هنا. أرغمتنا الحكايات غير المتوقعة والعصية على التنبؤ على اختيار هذه القائمة القصيرة القوية".
هذه الحكايات غير المتوقعة والتي تنوعت جنسيّات كتابها بين فرنسا وألمانيا وعمان وبولندا وكولومبيا وتشيلي ، دفعت لجنة التحكيم الى اختيار الكاتبة العمانية خوجة الحارثي لتفوز بجائزة بوكر مان العالمية لعام 2019 ، ولتصبح بذلك أول عربية تحصل على الجائزة .
خوجة الحارثي في الواحدة والأربعين من عمرها ، روايتها الفائزة " الأجرام السماوية " – في نسختها العربية بعنوان سيدات القمر - ، وصفتها صحيفة الغارديان بأنها تقدم "لمحة عن ثقافة غير معروفة نسبياً في الغرب" وقالت رئيسة لجنة التحكيم بيتاني هيوز إن الرواية أظهرت "فناً حساساً وجوانب مقلقة من تاريخنا المشترك".وأضافت "من خلال مختلف مراحل حياة الناس وقصص حبهم وهزائمهم ، نتعرف على هذا المجتمع بكل درجاته ، من الأسر الفقيرة التي استعبدت من أجل الحصول على المال ، الى الطبقة الجديدة التي ظهرت بعد ذلك ، تبدً الرواية في غرفة ضيقة وتنتهي في عالم واسع ، لتقدم لنا صوراً وأفكاراً وخبرات ، تتجنب النمطية. " .
علقت مترجمة الرواية مارلين بوث على خبر الفوز بأنها "مسرورة لأن الجائزة ستجلب انتباه القراء في الغرب الى الأدب العُماني وسيمنح الأدب العربي جمهوراً واسعاً " ، وأضافت :" ما يتعلمه المرء حقاً هنا عن العالم العربي ، هو أن هناك خيالاً مدهشاً ، في جميع أنحاء المنطقة ، ليس فقط في مراكز الإبداع الأدبية المعروفة مثل مصر والعراق ولبنان والمغرب والعديد من الأماكن الأخرى ، ولكن في بلد مثل عُمان" ، مؤكدة أن "وأكثر ما يتعلمه المرء هو كيف أن هذه المجتمعات التي قد تبدو مختلفة ، تتشابه في كثير من الوقائع "
بعد انضمامها للقائمة القصيرة للبوكر قالت خوجة الحارثي:" ، إنها تأمل أن تساعد الأجرام السماوية "القرّاء في العالم على اكتشاف أن عُمان لديها نشاط ومجتمع يضم كتّاباً موهوبين يعيشون ويعملون من أجل فنهم ".وأضافت "إنهم يضربون التضحيات والكفاح ويجدون الفرح في الكتابة ، أو في الفن ، مثلما حدث في أي مكان آخر. هذا شيء مشترك بين العالم كله. أدعو الآخرين للنظر الى عمان بعقل مفتوح وقلب. بغض النظر عن مكان وجودك ، فإن الحب والخسارة والصداقة والألم والأمل هي نفس المشاعر ولا يزال أمام الإنسانية الكثير من العمل لتؤمن به في هذه الحقيقة ".
وبعد فوزها بالجائزة علقت الحارثي قائلة :" "طرحت موضوعاً حسّاساً ويعد من المحرّمات" ، وهي تعني بالمحرّمات مناقشة موضوعة العبودية والاستعباد الجنسي، وأضافت "لكنني أعتقد إن الأدب هو أفضل منصة لمناقشة القضايا الحسّاسة. والعبودية ليست حصرية على عُمان - إنها جزء من تاريخ البشرية
كتبت خوجة الحارثي إضافة الى " سيدات القمر " التي تُرجِمت الى " الأجرام السماوية " روايتين هما " منامات " و" نارنجة " التي فازت بجائزة السلطان قابوس للأدب وكتاباً للأطفال ، درست الشعر العربي الكلاسيكي في جامعة إدنبرة باستكلندا، متأثرة بجدها الذي كان :" آخر الشعراء الكلاسيكيين الكبار في عُمان " ، توفي الجد عام عام 1995 دون أن يجمع ديوانه، ففكرت في القيام بهذه المهمة التي لم تكن سهلة".
عندما قررت كتابة الرواية وجدت إنها ستضع نفسها أمام مهمة صعبة ، في مجتمع يحب الشعر ويحفظ كبار السن فيه الشعر الكلاسيكي عن ظهر قلب :" تخيل كروائي ، كان عليك التنافس مع المتنبي أو المعري. "
تحكي رواية "سيدات القمر" قصة ثلاث شقيقات يواجهن تغييرات تحدث في المجتمع العُماني وكيف تتعامل عائلاتهن مع هذه التغييرات .
تدور الأحداث في قرية "العوافي" إحدى قرى سلطنة عُمان، حيث تواجه ثلاث شقيقات: مايا، التي تزوجت من عبد الله بعد مشاكل كثيرة، وأسماء، التي تزوجت فقط كواجب اجتماعي، وخولة، التي تنتظر حبيبها الذي هاجر إلى كندا.تعكس قصص الشقيقات الثلاث تطور عُمان من مجتمع تقليدي يمتلك العبيد إلى حداثة معقدة.
تخبرنا خوجة الحارثي بأنها اكتشفت منذ الصغر أن للكلمات سحراً :" كنت صغيرة وكان سحر الكلمات أعظم من أي سحر آخر.. حلمت في النوم واليقظة أني أطير، واكتشفت بعد سنوات كثيرة إن الكلمات تجعلني أطير".
تعتبر نفسها محظوظة لأنها نشأت في عائلة أدبية ، كانت تسمع أمها وهي في المطبخ تردّد بصوت عال أشعار المتنبي ونزار قباني والخنساء ، وتراقبها وهي تقرأ في كتب التراث ، أثار اهتمامها منذ الصغر كتاب العقد الفريد ، لكنها كانت تتحين الفرص بين الحين والآخر لتقرأ في مجلدات الأغاني لابو الفرج الاصفهاني ، هذه النشأة جعلتها ترى العالم يتشكل من الكلمات ، هذه الكلمات هي :" التي تعطينا هذه القدرة وفيها قوة سحرية ونوع من السحر الذي نجد أنفسنا منجذبين إليه باستمرار " .
في سيدات القمر وقبلها " منامات " و " نارنجة " يلاحظ القارئ الحضور المكثف للنساء ، تُعلِق الحارثي على ذلك بأنها :" نشأت وسط حشدٍ من النساء الأسطوريات، وكل امرأة منهن كنز من الحكايا " ،شكّلت النسوة ، من جدتها المرأة التي لم تمسك كتاباً بيديها ، إلى الشابات اللواتي يدرسن في أرقى جامعات العالم ، عالما مكتظاً بالأشياء الغريبة والعجيبة ، وبالنساء اللواتي تنوعت منزلتهن ، أميرات ، وخادمات ، عاشقات ، ومقهورات :" لقد رأيت المرأة وهي تصنع كل شيء: الحياة، والحب، والكره، والثياب، والمنسوجات، والطعام، والأشعار. عرفتها صابرة وجازعة، محبوبة ومهجورة، راغبة ومرغوبة، قوية وخانعة، تخلق المعجزات ولا تؤمن بها. " تسعى لأن يكون التاريخ الذي سمعت حكاياته تتردد في مجالس جدها ، خلفية لرواياتها " كتبت روايتها سيدات القمر – الاجرام السماوية - أثناء إقامتها في بريطانيا للدراسة، وجدت الكثير من الوثائق الخاصة بعُمان وزنجبار، وقرأت مراجع عدة عن موضوع تجارة الرقيق كتبها مؤرخون ورحّالة. وهذا ما ساعدها في تخيل رحلة على مركب العبيد من أفريقيا إلى عمان، وعلى وصف تفاصيل بيعهم واستعبادهم :" أتاحت لي الوثائق فهم الآلية التي تحكم تجارة الرقيق ودور الدول الاستعمارية فيها. " .
نشرت "سيدات القمر" عام 2010 ، وتمت ترجمتها الى الإنكليزية عام 2013 واستغرق الأمر خمس سنوات لتظهر النسخة الإنكليزية عام 2018 بعنوان " الأجرام السماوية " بترجمة مارلين بوث ، تنظر خوجة الحارثي لغلاف روايتها الإنكليزية وتقول :" من الغريب أن نتحدث مرة أخرى عن رواية كتبتها منذ وقت ، فالكاتب "يتغير بمرور الوقت ، لذلك لن أتمكن من كتابة سيدات القمر بنفس الطريقة اليوم، لكنني ما زلت فخورة بالرواية وحياتها الدولية الجديدة."

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top