هل العجز في الميزانية العمومية حتمية إقتصادية؟!

آراء وأفكار 2019/05/28 12:00:00 ص

هل العجز في الميزانية العمومية حتمية إقتصادية؟!

محمد حميد رشيد

2-2

تمويل العجز وتقليصه :
لذا لابد من العمل بشتى الوسائل على تقليص العجز عند وضع الميزانية العمومية وإعتبار ذلك من محدداتها وعبر تقليص الإنفاقات وزيادة الموارد والإعتماد بالدرجة الأساس على الإستثمار المنتج من أجل خلق موارد إضافية للدولة وليس من الضروري دائماً أن تتحمل وزارة المالية والميزانيات العامة سداد هذا العجز المترتب عن الديون والديون المتراكبة وفوائدها (الطريقة التقليدية) بل لابد من أن تتحمل جزءاً من ذلك العجز مؤسسات الدولة التي تسببت في ظهور هذا العجز.
فالشركات الصناعية المنتجة التي تحتاج إلى دعم مالي لتشغيلها أو تطوير عملها أو إضافة خطوط إنتاجية جديدة وحتى الشركات الإنتاجية الجديدة (على سبيل المثال) يجب أن تتعامل مع وزارة المالية التي تحملت مشاكل العجز المالي وسلبياته كمدينة لها وعليها تسديد ما يترتب عليها من أموال (إستثمارية) تم تخصيصها لتلك المؤسسات في الميزانيات العامة اللاحقة للتخفيف من أعباء العجز المالي وتوابعه وفوائده ؛ وذات الشيء (على سبيل المثال) بالنسبة للشركات التجارية التابعة لوزارة التجارة (بما أنها ليست وزارة "تموين" وليست وزارة خدمية) كما صبغتها خطأً (البطاقة التموينية) وهذا يستوجب (من الدولة) إعادة النظر بسياسة الدعم بشكل عام ؛ وذات الشيء ينسحب على كل الوزارات غير الخدمية ؛ وكذلك إعادة النظر في الناحية الإستثمارية للوزارات الخدمية أيضاً .
ومن المهم جداً دراسة أوضاع الإستثمار على مستوى (العراق) بصفته وحدة إقتصادية واحدة وكسر قيود المحاصصة المعرقلة للإستثمار ؛ وإستثمار البيئة الصالحة والجاذبة للإستثمار المحلي والأجنبي وعزل تأثيرات الدولة والأحزاب والتاثيرات السياسية السلبية عن سياسة تشجيع الإستثمار .
ومن وسائل خفض الأعباء المالية على الدولة وتقليص العجز وتقليص المصروفات هي مساهمة الإستثمار المحلي والأجنبي والدولي في مشاريع الدولة الكبرى وبناء قاعدة صناعية منتجة (تقلص الإستيرادات) وتساهم بشكل كبير في تقليص العجز والتحوّل إلى الفائض المالي وخصوصاً في الصناعات البتروكيمائية وصناعة الطاقة وشبكات المواصلات من موانئ ومطارات وطرق برية مختلفة وفي النواحي الزراعية والإنتاج الحيواني وهي بالضرورة تعود على البلد بفائض إقتصادي أفضل من السياسة الإستيرادية المفتوحة بلا تخطيط وأهداف واضحة !, ويساهم في تقليص البطالة وتقليص حجم الدعم المالي الذي يكلف الدولة كثير وبالتالي تقليص العجز المالي .
ولابد من محاربة الفساد الذي يساهم بشكل أوبآخر في الهدر المالي وبالتالي زيادة العجز المالي.
من كل ذلك نخلص إلى وجوب التعامل مع عجز الميزانية بمنظور علمي وحضاري جديد وهناك حقيقة إقتصادية ومالية مهمة جداً هي [إن الغاية من جميع إنفاقات الدولة الإستثمارية وحتى الإستهلاكية هي زيادة وتطوير (الثروة القومية أو المحافظة عليها في أسوأ الإحتمالات) وإن الميزانية التشغيلية غايتها تقوية الدولة وتمكينها من أداء واجباتها وتعزيز إستثماراتها المالية والخدمية وليست مجرد إنفاقات عبثية غير هادفة وغير منضبطة ] ؛ وأن لا يكون إقتصاد البلد أداة لخدمة الإقتصادات الأجنبية وسبباً في تعميق وزيادة العجز المالي وما يترتب عليه من مساوئ وسلبيات وتهديد مباشر للإحتياطي النقدي الوطني خصوصاً فيما يتعلق بالدين القومي والقروض الأجنبية (التي يعول عليها في سداد العجز المالي) وفوائد تلك القروض المتراكبة لذا لابد من مراجعة كل الإنفاقات الكمالية والإستغناء عن بعضها وتقليص البعض الأخر عند وجود إحتمالية ظهور عجز لذا لابد من ضبط الميزانية لتقليص العجز إلى أقل ما يمكن وأن يكون ذلك من أهم [محددات واضعي الميزانية] ؛
وتقليص العجز ليس من مسؤولية واضعي الميزانية العمومية فقط ولابد من حث بعض الوزارات على إعادة النظر بشأن تخفيض ميزانيتها إلى أدنى حد ممكن و زيادة وتعظيم مواردها عبر الإستثمار الأمثل لإمكانياتها والتوسع في سياسة الإستثمار وتعديل أنظمتها الداخلية لتحقيق هذا الغرض إضافة إلى مراجعة الإستثمارات الحالية؟. وتشغيل وإستثمار جميع منشأتها وإمكانياتها الفنية والبشرية وإعادة النظر في أنظمة العمل الخاصة بها وتقليص مصاريفها وتعظيم مواردها . ولابد من التفكير أولاً بتعظيم الإيرادات الإستثمارية للدولة وتحميلها جزءاً من العجز المتوقع عن طريق التمويل الذاتي والإستثماري لمؤسساتها وأخيراً تقليص النفقات ومراجعة المصاريف التشغيلية بغرض حذف وتقليص بعض فقراتها . وعدم إعتبار العجز حالة متوقعة ومقبولة والتسليم له مهما كان ثقيلاً ! .

العجز في ميزانية 2019م بالأرقام :ــ
يبلغ إجمالي العجز في ميزانية 2019م ( 27,537,929,542,000) ديناراً (سبعة وعشرون ترليوناً وخمسمائة وسبعة وثلاثون ملياراً وتسعمائة وتسعة وعشرون مليوناً وخمسمائة واثنان وأربعون ألف دينار) بما يعادل (23297740729) ديناراً (ثلاثة وعشرون ملياراً ومئتان وسبعة وتسعون مليون دينار) كون سعر التصريف المعتمد في الميزانية هو 1182 ديناراً .
وتحدد الميزانية طرق تمويل هذا العجز (ويغطى هذا العجز من الوفرة المتحققة من زيادة أسعار بيع النفط الخام المصدر أو زيادة صادرات النفط الخام أو الاقتراض الداخلي والخارجي بأستثناء القروض الممولة من جهات أجنبية للمشاريع المدرجة ضمن جدول الفجوة. ومن مبالغ النقد المدورة في حساب وزارة المالية الاتحادية). كما خولت الميزانية وزير المالية الاتحادي أو من يخوله سد العجز الفعلي في الموازنة وحسب المبالغ المبينة في جدول تمويل العجز أعلاه ومن المصادر المذكورة ادناه:
١ - إصدار حوالات خزينة .
٢ - إصدار سندات وطنية للجمهور.
٣ - إصدار سندات وحوالات للمصارف الحكومية تخصم لدى البنك المركزي العراقي.
٤ - قروض من المصارف التجارية.
ويتضح من ذلك أن سياسة تمويل العجز تعتمد بجانب كبير منها على توقع غيبي بزيادة أسعار النفط (دون توقع مقابل بإنخفاض أسعار النفط أو إنخفاض الطلب ولا تضع الميزانية الفكرالتحوطي لذلك!) أو تعتمد على زيادة صادرات النفط ومن الواضح الآن أن تصدير النفط العراقي مهدد أصلاً خصوصاً إذا نفذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز أو في حال إندلاع حرب (أميركية إيرانية) وهو إحتمال وارد ايضاً.
إضافة إلى الأقتراض الداخلي والخارجي بالدرجة الأساسية (وزيادة حجم المديونية الذي يرهق الإقتصاد العراقي الحالي ويرتب نتائج سيئة جداً على الميزانيات المستقبلية !) بإستسلام كامل للعجز ودون التفكير أوالتشجيع على الإستثماروتطوير الموارد ومراجعة تقليص الإنفاق الحكومي أو إيقاف الهدر الذي يزيد من حجم العجز المالي!.أو إستحداث وزيادة الموارد .
وبمقارنة إجمالي الإنفاقات المطلوبة من الميزانية والبالغة (133,107,616,412) مع إجمالي العجز المتحقق فيها (27,537,929,542,000) (23297740729 دولاراً) تكون نسبة العجز في الميزانية 20.69% وهي نسبة كبيرة قياساً إلى العجز المالي في ميزانيات الدول المجاورة للعراق على الأقل فلقد بلغ العجز في ميزانية عام 2019م المملكة العربية السعودية على سبيل المثال (4.1%) مقابل (4.6%) ، من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018م . و بلغ العجز في جمهورية مصر العربية عام 2019م ( 7.2 %) وفي تركيا (2%) إجمالي العجز في الميزانية وكذلك في المملكة الأردنية الهاشمية فأن نسبة العجز في الميزانية (2% ) (بلغت ميزانية المملكة الإردنية الهاشمية 13 مليار دولار فقط!) بل أن العجزليس أمراً محتوماً في الميزانية فميزانية إيران لعام 2018م كانت (خالية من العجز) بل حتى في ميزانية هذا العام 2019م فإن (العجز فيها لا يكاد يذكر) رغم العقوبات الأميركية !.
وبأختصار شديد فإن الميزانية لا تبنى على طلبات الدولة والحكومة إنما تبنى على إمكانيات الدولة وخططها وأهدافها الإقتصادية وعلى الدولة أن تسعى جاهدة لخدمة وتنفيذ الميزانية العمومية للدولة وليس العكس لذا لابد من إخضاع كل بنود الميزانية لكل وزارة أو مرفق من مرافق الدولة ومؤسساتها للدراسة والتمحيص والمراجعة والمناقشة بموجب الإمكانيات الحقيقة والعملية للدولة وقد يقتضي ذلك إسقاط كل المصروفات الكمالية والترفيهية والغاء أو تقليص كل المخصصات (السيادية) أو المناصبية التي ترهق الميزانية ولا يؤثر حجبها على عمل الدولة!. وتغيير سياسة الدولة إلى التقشف في الرفاهية وشد الأحزمة وإن لا يكون العجز في الميزانية ممولاً للفساد! بل إلى سيادة النمو الإقتصادي وتجنب العجز أو تقليصه بكل السبل الممكنة .

تعليقات الزوار

  • Ibrahim abdellah ibrahim

    التحليل الاقتصادي للموازنة اصاب كبد الحقيقة

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top