مأزق المشروع الاخواني بعد رحيل مرسي - 1 -

آراء وأفكار 2019/06/18 08:33:14 م

مأزق المشروع الاخواني بعد رحيل مرسي - 1 -

د. حسين الهنداوي

1 - رحيل محمد مرسي: أفول نجم أم نهاية مشروع

الرحيل المباغت للرئيس المصري السابق، الأول والوحيد المنتخب ديمقراطيا في بلاده، الدكتور محمد مرسي إثر نوبة إغماء

خلال مثوله جلسة محاكمة ملتبسة في قضية ملتبسة عنوانها "التخابر مع حماس"، يمثل إدانة للنظام السياسي المصري الراهن مهما تقمص رداء القانون والديمقراطية المهلهل على أكثر من صعيد. كما هو صفعة قاسية للرأي العام المصري والعربي والعالمي على حد سواء الذي أظهر شللاً مفجعاً على الدوام. إلا إنه يمثل بشكل خاص نكبة قاسية جديدة ولطمة على الوجه أيضاً لمشروع جماعة الإخوان المسلمين المصرية برمته رغم البعد التراجيدي لحادثة الوفاة التي داهمت نجم الإسلام السياسي الأخواني المعاصر وربما الأسطع بعد مؤسسه حسن البنا ومنظره سيد قطب الراحلين شنقاً من قبل. 

ولعل أهم أوجه هذه النكبة الجديدة للاخوان إنها لن تثير على الأرجح إلا تعاطفاً بارداً من الشارع المصري الذي قد يواصل لعن "الطغمة العسكرية الانقلابية" و"المؤامرة الصهيونية" أو الدولية" التي أطاحت بمرسي، إلا إنه لن يغفر للأخوان فشلهم المدوي في السير قدماً عند توفرت الفرصة في تحقيق مشروع "دولة مثلى" وعدوا طويلاً بها وبدت أقرب الى الأمر الممكن بعد فوز محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية تشهدها مصر في تاريخها الحديث، وجعلت منه أول وأوحد رئيس مدني في البلاد التي تعاقب على حكمها رؤساء منحدرون من المؤسسة العسكرية منذ ثورة الضباط الأحرار في 23 تموز 1952، لولا إن الاخوان والعسكر، وكل حسب دوره، قلبوا الأمر رأساً على عقب لتغدو أشبه بدولة مستحيلة. محمد مرسي المولود عام 1951 في عائلة كادحة ومن قبل الشعب المصري، لم يستطع بدوره، وهو العالم الحاصل على الماجستير والدكتوراه في الهندسة من جامعة كاليفورنيا والمتخصص في حماية محركات مركبات الفضاء، ان يوظف مواهبه الاجتماعية والسياسية وحتى العلمية في احتواء وأنسنة التطرّف الأصولي لحماية المشروع أو انتشاله من لهب التعصب والحماس الأعمى التي رسمت سلفاً مصيره الانتحاري المحتم لا سيما في بلد ظلت المؤسسة العسكرية فيه صانع الملوك الوحيد والماسك الفعلي بالخيوط والمقاليد مهما تظاهرت بالحياد والسكينة وعشق الثكنات بدلاً من كراسي السلطة.

ولا ريب، فان جماعة الأخوان المصرية دخلت مرحلة المأزق الأخطر بعد وفاة مرسي بعد أن كان انقلاب المؤسسة العسكرية بقيادة عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب آنئذ محمد مرسي، قد زجها في متاهة لا أول ولا آخر لكمائنها عندما فقدت حقاً دستورياً في حكم مصر، بفعل مؤامرة محبكة، مدعومة من رأي عام دولي لم يتردد في مباركة ذلك الانقلاب العسكري ضدها علناً، ولا يغير في الأمر شيء إن انقلاب فريق السيسي، الذي سلبها السلطة وزجها وراء القضبان، تم باحترافية عالية، وبمباركة جاهزة وفورية من مؤسسات الدولة الرسمية الرئيسة، الدينية، والقضائية، والعسكرية، وبـ (تفهم) نفس القوى الرافضة بشدة، عادة وظاهرياً، للانقلابات على الحكومات المنتخبة كالولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وحتى الأمم المتحدة.

وكما اشرنا في مداخلة سابقة نستذكر بعض معطياتها هنا، فان حقيقة سلب "سلطة شرعية" لم ينف أخرى أكبر في نظرنا، وهي أن تجربة سنة واحدة من حكم مرسي وجماعته كانت كافية لإثبات فشل الأخوان المسلمين في قيادة مصر إلى بر العدالة والأمان والازدهار، بعد أن عجزوا عن إقناع أو طمأنة الشعب المصري بأنهم جديرون بثقته وقادرون على تلبية بعض أبسط مطالبه الأساسية، التي ثار من أجلها على نظام حسني مبارك الذي عد موغلا في الفساد والتبعية والفشل.

بداهة، كان من الأفضل لانتصار الديمقراطية والقانون في مصر ألا يتدخل الجيشُ ودباباته في أي تغيير سياسي، ولا سيما في إسقاط رئيس منتخب كمحمد مرسي. ولا يغير من الأمر أن الجيش (سلّم) السلطة إلى المدنيين، وشكّل حكومة تكنوقراط، ووعد بإجراء انتخابات كانت معروفة النتائج سلفاً. بيد أن ذلك السقوط كان، وقبل حصوله بأسابيع، متوقعاً، أكثر فأكثر، حتى من القيادة العليا لجماعة الأخوان المصرية التي، رغم دهائها التعبوي المشهود ومهاراتها التكتيكية المجربة في اختطاف الفرص، لم تنجح في تلافي الكارثة قبل وقوعها، ما وضعها، سريعاً، في المفترق الأخطر في كل تأريخها. فالاعتداد المفرط بالنفس، وانعدام الحساسية تجاه حركة الزمن، وفقدان المناعة ضد إغراء التسلط، وإغواء إغفال أو إنكار الآخر، وغيرها من النواقص والأخطاء التي تشترك بها الجماعات الإسلامية السياسية في كل مكان، هي، معاً، الأسباب الممكنة لذلك الفشل، الذي لن يتم الاعتراف به، في الأقل علناً. ومع ذلك، هذه أسباب مساعدة، فالعامل الرئيس، في رأينا، هو عدم امتلاك الجماعة (المدهش) لمشروع بناء دولة مدنية، حديثة، وعادلة، ومتطورة، ولو بنفحة إسلامية معتدلة، تكون وطنا لكل المصريين، بل لم نشهد لدى الجماعة أي سعي، جاد وفعلي، لامتلاكه، قبل أو بعد فوزها بسلطة مصر عبر صناديق الاقتراع. وهكذا، عجزت قيادة الجماعة عن استغلال فرصة تأريخية ثمينة، جاءتها على طبق من ذهب، بفضل نضال، قاس وطويل، للإطاحة بنظام مبارك، لم تكن فيه، على أهميتها، القوة الأساسية، ولا سيما خلال السنوات الخمس الأخيرة، مقارنة بدعاة الدولة المدنية الحديثة والعادلة، الذين قدموا التضحيات الكبرى، إلا إنهم تركوا فرصتهم لبناء دولة المساواة والحقوق تزوغ من بين أصابعهم، بسبب تشتتهم المفجع، خلال انتخابات 2012، مقابل وحدة ودهاء الجماعة، التي كان محمد مرسي مجرد أداة بيدها. هذا العجز، الغالي الثمن على الإخوان، يفسر واقع أن توصيف (المؤامرة) أو (الانقلاب العسكري) عليهم بدا مثيراً للجدل منذ البداية، قبل أن يفقد مضامينه، تدريجياً، نظراً إلى أن الكل، تقريباً، كان في الأسابيع الأخيرة ينتظر حصوله، عاجلاً أو آجلاً، وكأن القضية قضية وقت لا أكثر، بل كان هناك من يتوقع، وهذا ما تحقق بالفعل، أن يصطف إلى جانب الانقلاب معظم فئات الشعب المصري، وفي المقدمة منه الطلاب، والمثقفون، والفنانون، ومنظمات المجتمع المدني، ورجال الأموال والأعمال.

وفي رأينا، لم تفهم جماعة الأخوان أن هناك فارقاً كبيراً بين مصالح وأهداف تنظيم سياسي أو حركة إيديولوجية يمثلونها، ومصالح أمة، بحجم وتنوعية الأمة المصرية، كما لم تجد، حتى بعد وصولها إلى السلطة، ضرورة لإعلان نيتها القيام بمراجعة ونقد ذاتي عميق لفكرها السياسي عن الدولة، ما يستوجب التخلي، جذرياً، عن مفهومها البطريركي عن العلاقة بين الحاكم والرعية، كما عن بنيتها التنظيمية، والهيكلية، والآليات التي تعتمدها لتكون نخبة فوق الدولة وفوق القانون وفوق المجتمع.

بعد ذلك، كان من المرجح أن تعيد الجماعة النظر في كل تلك الأخطاء، إلا إن نجاحها في ذلك ظل يعتمد على قبولها بأمر واقع ما، والاعتراف بأنها أهملت، خلال عام حكم مرسي، استدعاء قيم التسامح، والتعايش، والتشارك، والأمل، والحوار، وطرح الخطط، لتطوير دعائم الحياة الاقتصادية. ما فعلته كان، على العكس، الإصرار على تأكيد صرامتها وسعيها إلى تفعيل نزعات التفرد، والإقصاء، والهيمنة، في ممارستها السلطة، مع طمس عجزها عن طرح المبادرات الناجعة في كل تلك المجالات، ما كلفها الدخول في مواجهة مع مجتمع مدني منهك أصلاً، وتسويق خطاب طائفي ومذهبي، جلب عليها استياء حتى بعض قطاعات السكان المحسوبة لها تقليدياً، والمعتادة على حذر الأخوان الدائم من الخوض فيه من قبل. وهذا يفسر (التفهم) الواسع الذي قوبل به الانقلاب العسكري من معظم قطاعات الرأي العام، فحال إعلان المؤسسة العسكرية عن قرارها بخلع وعزل الرئيس المنتخب والإطاحة بحكومته، أعلنت المؤسسات القضائية، بما فيها المحكمة الدستورية العليا، دعمها للإجراء، وأعلنت المؤسسة الدينية الأزهرية موافقتها عليه، وكذلك فعل معارضو الأخوان، من قبيل التيار السلفي، الممثل بـ (حزب النور)، والحركة المدنية الممثلة بـ (جبهة الإنقاذ)، فيما استقبل الانقلاب على الصعيدين الإقليمي والدولي بتريث مصطنع، هو أقرب إلى الترحيب، ولا سيما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ناهيك بارتياح معظم دول الخليج، بما فيها العراق وإيران، القلقة، لسبب داخلي أو آخر، من وصول الأخوان إلى السلطة، في أكبر بلد عربي، والأهم من جهة عمق الطموحات والتقاليد السياسية المدنية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top