يعقوب يوسف جبر
شهدت منطقة الخليج العربي أحداثاً مثيرة بدأت باستهداف بعض ناقلات النفط ،ثم اسقاط طائرة التجسس الاميركية من قبل القوات الأيرانية بعد خرقها للاجواء السيادية الايرانية ،
وهو تحول خطير في طبيعة المنطقة على الصعيد السياسي والاقتصادي ، ويبدو أن الإدارة الأميركية ارتكبت خطأ كبيراً في تسيير هذه الطائرة واقحامها في لعبة غير مدروسة النتائج ، فماذا كان هدف الولايات المتحدة الاميركية من إرسال هذه الطائرة ؟ هل هي لجس النبض ومعرفة ردود فعل دولة إيران ؟ أم للتجسس على أهداف في العمق الإيراني ؟
مهما كان الهدف فإن اسقاط الطائرة كان نتيجة سلبية مست سمعة الولايات المتحدة ، وصدمتها في الصميم ، وعلى الرغم من التنديد بحادثة اسقاط الطائرة من قبل الولايات المتحدة فإن هذا التنديد ليس في محله ، وأن تذرع الولايات المتحدة بإن الطائرة تم اسقاطها في الفضاء الحر مجرد مبرر كاذب .
إن من حق أية دولة عضو في الأمم المتحدة الدفاع عن سيادتها لو حاولت دولة عضو أخرى المساس بها ، استنادا الى نص المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة ، فلماذا تتجاهل الولايات المتحدة الأميركية هذا الخط الأحمر ؟ في حين لو تجرأت أية دولة على المساس بسيادة الولايات المتحدة الأمريكية او بسيادة أحد حلفائها في العالم فهنا فقط تعد خارقة ومارقة لميثاق الأمم المتحدة ؟ ويتم تفعيل هذه المادة ؟
إن التوازن الدولي في العلاقات الدولية لابد أن يقوم على أساس المعاملة بالمثل وليس على أساس مبدأ آخر كالتفوق التكنولوجي أو العسكري ، وفي غير ذلك لن يكون للأمم المتحدة وميثاقها أية قيمة قانونية .
وستكون سيادة الدول معرضة دائماً للتهديد والانتهاك من قبل دول أخرى ، لذلك لابد من وقفة جادة للأمم المتحدة لإعادة النظر في مواقف وسياسات بعض الدول ومنها الدول الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية
تلك الدولة التي تبحث عن تأمين مصالحها على حساب الدول الأخرى خاصة النامية .
لكن بعد حوادث الخليج العربي الأخيرة ومنها إسقاط الطائرة المنتهكة للسيادة الإيرانية هل انقلب ميزان القوى ؟
ماذا عن طبيعة سياسات دول الخليج العربي تجاه ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من تدخلات في المنطقة ؟
ألم يحن الأوان لهذه الدول لكي توحد موقفها وتنهي تبعيتها للولايات المتحدة الأميركية ؟
أليس من حقها ذلك ؟ حسب ميثاق الأمم المتحدة وبنوده ومواده باعتبارها دولاً أعضاء .
لماذا تقدم هذه الدول التنازلات تلو التنازلات للولايات المتحدة الأميركية ، مقابل وعود كاذبة من قبل الولايات المتحدة بحمايتها من الخطر الخارجي ؟ إن تذرع الولايات المتحدة بهذا الخطر الوشيك هو مجرد دعاية كاذبة لاستنزاف المزيد من ثروات هذه الدول ، وإدامة الهيمنة الأميركية عليها، بعد ان استسلمت تماما للإرادة الأميركية .
إن حدث اسقاط الطائرة الأميركية هي بداية تحول نسبي في طبيعة العلاقات الدولية في منطقة الخليج والشرق الأوسط ، وبداية مؤكدة لتصدع جبروت الولايات المتحدة في المنطقة ؛ لو حاولت الاستمرار في نهجها العدائي أو قررت توجيه ضربات لدولة إيران لا لأنها ستدخل المنطقة والعالم أجمع في أزمة خطيرة ، على كافة الصعد فعلى الصعيد الاقتصادي ستشهد أسعار النفط تصاعداً هائلاً ، مما يضر باقتصاد الولايات المتحدة ودول أخرى ، وستتراجع شعبية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يفكر بانتخابه لولاية ثانية .
لذلك لم يتسرع الرئيس الأميركي في توجيه أية ضربات لدولة إيران بعد حادثة سقوط الطائرة تحسباً للعواقب الوخيمة .
كما أن التوازانات الدولية في العالم اجمع وخاصة في الشرق الأوسط والخليج العربي ستتغير لو بادرت الولايات المتحدة ووجهت أية ضربات لدولة إيران ، إدراكاً منها لضرورة الحفاظ على هذه التوازنات الموروثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، باعتبارها تصب في صالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم ، لكن لو تعرضت هذه التوازنات للتغيير الجذري فإن المصالح الأميركية خاصة الاقتصادية ستذهب في مهب الريح .
اترك تعليقك