التلازم الموضوعي بين الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي (1)

فخري كريم 2004/01/08 07:13:01 م

التلازم الموضوعي بين الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي (1)

التدخل الخارجي وضرورة التصدي له

من مظاهر الديمقراطية “حديثة النعمة في عراقنا الجديد”، اتساع دائرة الجدل حول مصائر البلاد والقضايا العقدية المرتبطة بها، وتنوع المناهج الفكرية والسياسية للمشاركين فيه.

ولاعتبارات عديدة، تتحول القضية العراقية ووجهة تطور البلاد، إلى قضية داخلية للعديد من البلدان العربية والإقليمية، خصوصاً دول الجوار، بل للولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا وربما لليابان وبولونيا وغيرها من بلدان العالم، تبعاً لعدد قواتها في التحالف المحتل، أو في مشاغل الشركات الكبرى المعنية بإعادة إعمار العراق.

لكن الجدل في ظل الظروف الراهنة، يتراجع إذ يخرج عن سياقه المنطقي، ويتخلى عن طابعه الموضوعي، وتغلب عليه ردود الأفعال الذاتية، وينطوي على خلط للأوراق والحقائق، وتجاهل للسيرورة التأريخية.

وبرز هذا “الاختلاط” بشكل خاص وبأجلى صوره، عندما “تجرأت” المجموعة الكردية على طرح تصورها حول مستقبل العراق السياسي، ومكوناته وأساس وحدته وتحميله ما لاعلاقة له لا بالنص ولا بالنوايا!

والغريب أن زوبعة من الإثارة والاتهام بل والتهديد رافق هذا الجدل، الذي احتل مساحة واسعة في وسائل الإعلام،.. العربية منها على الأخص، وفي تصريحات مسؤولي دول الجوار.

وقد اتخذ النقاش هذا المنحى التشهيري، بالشعب الكردي وقيادته السياسية، واتهامات لها بالرغبة أو التحضير للإنفصال وإقامة الدولة الكردية، ليس بمعزل عن أعضاء في مجلس الحكم.

وليس غريباً أيضاً أن تتحرك طوابير وامتدادات أجنبية مشبوهة، لدق أسفين بين القوى،والتحريض على المواجهة، وإثارة العواطف المكبوتة والدعاوى المغرضة.

*****

و مفهوم لدى الأوساط السياسية العراقية بشكل خاص، أن تركيا تتصدر دائماً القوى التي تتربص ببلدنا للنيل من وحدة شعبنا والتدخل في شؤونه، وبوجه خاص حينما يتعلق الأمر بالحقوق القومية للشعب الكردي، أياً اتخذ شكل هذه الحقوق في كردستان العراق. وهي لا تكتفي بإبداء الرأي كدولة مجاورة، بل تتصرف كما لو انها وصي شرعي على العراق وشعبه، تقبل أو ترفض، تهدد بالتدخل السياسي أو العسكري، وبمعنى ما تحرم على شعبنا اتخاذ أي قرار يتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي يختاره سواء اتخذ هذا القرار في بغداد عبر انتخابات أو استفتاء أو بأي صيغة أخرى.

ولا يكفي تركيا انها كانت تنتهك حدود بلادنا وحرمة سيادته بالتواطؤ مع نظام صدام حسين وبالاستناد إلى معاهدة معه بذريعة ملاحقة أوجلان ومقاتلي حزبه، بل إنها تستمر في انتهاكها هذا عبر احتفاظها حتى الآن بوحدات عسكرية في مناطق متفرقة من كردستان دون اي سند قانوني أو مشروعية دولية.

وهي لا تتورع عن التلويح باستخدام القوة العسكرية بدعوى حماية التركمان، كما لو إنهم مواطنون أتراك، رغم أنهم جميعاً باستثناء اتباع معزولين، يعتزون بانتمائهم العراقي وولائهم لوطنهم، وحرصهم على حل مشاكلهم كعراقيين مع اشقائهم الآخرين كرداً كانوا أم عرباً أو كلدو اشوريين.

ولم يكن لمثل هذا التدخل السافر في شؤوننا الداخلية ان يمر ويتصاعد، لوجوبه برفض وتصدٍ حازمين من كل الأحزاب والقوى الوطنية العراقية، حتى إذا تخالفوا أو اختلفوا فيما بينهم بالنسبة لوجهة تطور بلادهم أو طابع العلاقات التي يتوافقون على اختيارها لصياغة نظامهم السياسي. لان التساهل في مثل هذه الحالة، يغري ويشكل قاعدة سياسية لتدخلات خارجية أخرى تحت أي واجهة أو أطماع أو دعاوى، خصوصاً وان لأكثر من بلد مجاور ادعاءات مزعومة بحق التدخل.

إن طائفة من القضايا والتصورات تندرج في الملفات المطروحة للنقاش سواء في مجلس الحكم أو في الوزارات وفي التشكيلات السياسية التي ستنبثق في المراحل اللاحقة. ولكي لا يخرج الحوار حولها عن سياقه الوطني العراقي، ولتجنب تحولها إلى الغام قابلة للانفجار بوجه الجميع، وعلى الضد من المصالح الوطنية العليا، لابد من رفض وإدانة أي تدخل في شؤوننا الداخلية، أياً كان طابع هذا التدخل أو حيثياته.

ولابد من إلفات نظر المتدخلين إن شعبنا رغم الاحتلال، واستمرار مسلسل العنف والإرهاب الذي يعبث بأمنه واستقراره، لا يحتاج إلى وصاية من أي طرف دخيل.

إن وحدة عمل كل القوى السياسية ووعيها بطبيعة المخاطر المحدقة بها، هي الضمان الأكيد لإفشال مخططات الطامعين والعابثين، ومن تسول لهم نواياهم العدوانية النيل من وحدة شعبنا، ومن تطلعاته لاستعادة سيادته وبناء نظامه الديمقراطي المستقل.

ودون مثل هذا التصدي للتدخل الخارجي أياً كان مصدره، يتعذر الخوض بروح من المسؤولية التضامنية، وبعيداً عن التشنج السياسي في مناقشة قضايانا واستحقاقات مرحلة التحضير لإنهاء الاحتلال ونقل السلطة إلى العراقيين خلال الأشهر القادمة.

وقد دلل على ضرورة مثل هذا التصدي، إثارة القضية الكردية كوجهة نظر للتداول، وهي من بين أكثر القضايا التهاباً واستحقاقاًوارتباطاً بعملية التطور الديمقراطي وتحقيقه وتكريسه،..

(يتبع)

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top