الحسين..!

فخري كريم 2004/02/03 07:39:39 م

الحسين..!

فاضت مشاعري وذكريات طفولتي وأنا أتابع بغضب ومرارة مشاهد القتلى والجرحى ضحايا تفجيرات واقعة الطف في مرقد موسى الكاظم وكربلاء الحسين.

مثل كل أقراني، كنت أشارك بكل مشاعري دون أن أدرك عمق مغزاها في ليالي التعزيات الحسينية، ومعي زملائي وأصدقائي. وأكاد أصعق اليوم حينما استذكر أصولهم المذهبية والدينية.. فقد كانوا سنة دون أن يغير ذلك من واقع مشاركتهم أو يميزهم إزاء الطقوس.

كنا ندرك معاً ربما بلا وعينا، إن الحسين وصحبه كانوا في كل واحد منا، وهم لم يفرقوا بيننا بل كان الحسين يرانا مثله ضحايا عبر مختلف الأزمان والعهود للمستبدين وطلاب السلطة والمال والجاه.

ويا لعيب هذا الزمن الظلامي، ها أنا أتذكر أن أقراننا المسيحيين والصابئة كانوا معنا أيضاً في الأمسيات الحزينة وفي مواكب الحسين التي كانت تتقاطر من كل صوب وحدب إلى كربلاء....

كان الجميع يهدرون بصوت واحد وهم يستقدمون ذكرى الحسين وهم يعيشون تحت كوابيس الاضطهاد ليزدادوا قناعة بعدالة قضيتهم وشجاعة وجسارة في مواجهة تحديات السلطات الظالمة المتعاقبة.

لماذا كنت أتذكر فيما بعد كلما ترآى أمامي مشاهد واقعة الطف، سبارتكوس، وأبا ذر الغفاري، وسلام عادل، والخضري، والصدر، وباقر الحكيم، وباتريس لومومبا، وإليندي، وكل مواكب شهداء الدفاع عن إنسانية الإنسان وحقه في أن يحافظ على آدميته ويميزها عن الكائنات المتوحشة أكلة لحوم البشر!

ألأن الحسين كان داعية سلطة أم شهيد عقيدة ومثال وبسالة في التضحية!؟

أكان حقاً شيعياً وهو يقاتل جيش المستبدين، أعزلاً سوى من إيمانه، أم إنساناً نموذجياً لا يفكر لحظة دفاعه عن عقيدته واستشهاده في سبيل تكريس قيمها سوى ككائن إنساني رأى في الإنسان وحقه في التفكير وفي العقيدة أرقى تجل لمثله الأعلى ومصدر إلهامه.

ألم يكن يقرأ في سره وهو يرى بقناعة إيمانه مصيره المأساوي تلك السورة المجيدة التي جسدت عمق الإيمان بعقل الإنسان وإرادته (وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).

ألم يكن أبو ذر الغفاري وهو يهيم في صحراء الربذة وحيداً إلا من إيمانه أباً آخر للمثل الإنساني الذي قدمه الحسين وهو القائل عجبت لمن لا يرى الخبز في بيته لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه!

وأما كان سبارتكوس وهو يتدلى فوق عمود شهادته ينظر بحزن وأمل إلى أقرانه العبيد المعلقين مثله فوق مئات الأعمدة ينزفون دماً يرى ببصيرته الآلاف من واقعة الطف ويبكي الحسين الذي لم يحزنه مصيره، وهو يودع النساء والأطفال العطشى وهم يتعرضون لسبي الجلاد أكثر من مشهد قتلته وهم يشهرون بوجهه القرآن ويرفعون راية الإسلام!

أليس من حقنا نحن الذين عشنا طفولتنا معاً مسلمين ومسيحيين وصابئة، مؤمنين ومغيبين عن الإيمان شهداء أحياء ومشاريع شهداء سنة وشيعة أن نستذكر كشهود وضحايا تلك الأيام الخوالي التي شدتنا جميعاً إلى الحسين الإنسان دون أن نسأل عن أصولنا الملفقة عبر التاريخ.... لماذا تعود تلك البهائم البشرية أحفاد يزيد والحجاج بسلاح التفرقة وأفخاخ المنتحرين الكفرة دون أن يحفزنا ذلك لكي نتحرك كلنا معاً ونحن نستصرخ ذكرى الحسين وكل أمثولة في التاريخ جسدها لنفضحهم ونعزلهم،... ولنعيد صياغة ذكرى الحسين في الحاضر،.... إنساناً يحب الحياة لكنه يضحي بها لكي نحيا نحن على مثل وقيم جديرة بإنسانيتنا....

أليس جديراً بنا أن تعود ذكرى الحسين اليوم كمثال وحافز لوحدة مصيرنا كبشر!.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top