علي رياح
تحت صفيح ساخن يتلوّى تحت شمس محرقة بدرجة حرارة بلغت الخمسين مئوية ، وجدت فاطمة عباس وهي تبذل كل ما في وسعها
من أجل أن تخطو خطوة ثانية على طريق الوصول إلى تذكرة تمثيل العراق في أولمبياد طوكيو 2020!
كل ما يحيط بها كان يوحي بنيران تتلظى فيها مهارات اللاعبين واللاعبات .. فلقد أقنع هؤلاء أنفسهم بأن (البنكـلة) الصغيرة التي يتدربون فيها هي البديل لميدان الرماية الذي يفترض أن يتوافر لاتحاد تأسس قبل ثلاث وأربعين سنة وله الكثير من النجاحات العربية والآسيوية!
ولقد رأيت لدى الجميع همة عجيبة في أن يثبتوا مكانتهم بين الألعاب التي يمكن أن تحقق الإنجاز للعراق في ظل أزمتنا الرياضية التي يتصاعد فيها صراع الرؤوس الكبيرة على حساب رياضيين في أعمار الورود حقاً ولا همّ ، ولا مطمع ، وطموح لهم ، إلا التعبير عن قدراتهم ، وإلا الذهاب بمواهبهم إلى الفضاءات العالمية ، وهذا ما فعلته بالذات الرامية فاطمة عباس ابنة التاسعة عشرة والتي تضطر في كل مرة إلى القدوم من مدينة العمارة الى بغداد لتقطع مسافة 600 كيلومتراً هو مجموع مسافة الذهاب والإياب ، وكل ما تبحث عنه أن تجد فسحة للتدريب في مكان هو أشبه بالميدان ولا يملك الاتحاد سواه!
كنت أقرأ الكثير من ردود الفعل لدى الرامية الصاعدة ، لكنها أبت تماماً أن تعبر بلسان المعاناة عن هذا (المناخ) الذي يفترض أنها تتهيأ فيه للمتبقي من فرص الحصول على التذكرة الأولمبية ، فهي كانت مطالبة بخوض خمسة تحديات كبرى بدأت في الهند عبر بطولة العالم للمتقدمين وأحرزت المركز الخامس عشر ، ثم حالت أزمتنا الرياضية الطاحنة دون اشتراكها في بطولتين لاحقتين في الصين وألمانيا ، ولم يبق أمامها إلا اللحاق ببطولتين ستجريان خلال العام الحالي في البرازيل وقطر ، وعندها ستكون الأرقام المتحققة حداً فاصلاً بين ذهابها إلى الدورة الأولمبية أو العودة إلى نفسها المنكسرة بسبب التخبط الشديد في حساب فرصنا الحقيقية المنطقية المتعلقة بالرياضيين المؤهلين للذهاب إلى الأولمبياد!
كنت أشدّ من عزم فاطمة عباس وقد أحاطت بها أسرة اتحاد الرماية من كل صوب كي تؤمن لها ما يمكن تأمينه من جو لتتدرب في هذا الصيف القائظ .. مشهد أعادني إلى العام الماضي حين حرصتُ على متابعة منافسات الرماية في أولمبياد الشباب في الأرجنتين ، والذي ختمته الرامية الشابة بالحصول على المركز الرابع من دون أن تلقى أي دعم أو مؤازرة وهي تخوض منافساتها الصعبة ، إذ كان مدربها ليث هاشم السند الوحيد لها وهي تواجه راميات من اثنتين وخمسين دولة ، وقد كان في إمكانها الوصول إلى الوسام البرونزي على أقل تقدير!
كنتُ أدهش حقاً حين أجد رامية لا خبرة طويلة لها في الميادين الدولية ، وقد تفوقت على البطلات المعروفات في سلسلة من النتائج المميزة التي أوصلتها إلى الدور شبه النهائي ، وقد كنت أتساءل وقتها وأنا أشاهد أداءها الرائع عمّا يمكن أن تحققه إذا حظيت بمقدار ضئيل مما نالته بطلات عربيات أخريات لم يجتزن حتى عتبة الدور الأول من الدورة الأولمبية للشباب!
إذا كنا حريصين على الدفع بأفضل المواهب لدينا إلى الملتقيات العالمية الكبرى ، فليس أمامنا إلا دعهما بكل الوسائل المتاحة ، وأنا هنا اتحدث عن (فاطمة الرماية) مثلما أتحدث عن (فاطمة القوس والسهم) والنظيرات من المواهب الشحيحة التي وصلت بجدارة وفي عمر مبكر إلى العالمية ..
أظنه كلاما يقتضيه المنطق والعقل الفكر السليم الذي يكرّس الدعم والاهتمام لأصحاب الفرص المتاحة للنجاح العالمي ، بدلاً من هذا الضياع الذي نشهده منذ أمد طويل ، والذي يذهب فيه الدعم والاهتمام والرعاية إلى ما لا يستحق .. ومن لا يستحق!
اترك تعليقك