متابعة: إياد الصالحي
وضعت وزارة الشباب والرياضة كل ترسّبات أشهر الأزمة الماضية مع المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الوطنية، وأقدمت على احتضان الاتحادات الرياضية
بمسؤولية كبيرة أملتها الظروف الراهنة بعدما صوّر أعداء الإصلاح أن الحكومة ممثلة بالوزارة القطاعية المتخصّصة تروم الاستحواذ على مقدرات الرياضة وتجريد صلاحيات مسؤوليها والإطاحة بعمود بيتها تنفيذاً لمآرب شخصية، فشكّلَ الحوار الصريح الذي هيّأت له لجنة الخبراء المنبثقة عن القرار 140 لسنة 2019 بحضور الوزير ورؤساء الاتحادات جسراً آمناً لتبادل نقل الآراء الناضجة بعيداً عن وسائط غير موثوقة وعمدت على زرع ألغام الفتن واختلاق المشاكل لإبقاء العلاقة متوترة في أخيلتهم المريضة.
تنبيه الوزير الدكتور أحمد رياض إلى الوضع المرتبك لواقع الرياضة العراقية كحالة خاصة لم تشهدها طوال السنين المارة ما بعد التغيير في العراق عام 2003، حصل كنتيجة للأزمات المتناسلة بفعل مصالح شخصية صرفت أذهان رؤساء الاتحادات عن الهدف الأكبر من وجودهم على رأس اتحاداتهم، ألا وهو تحقيق الانجازات، ولهذا جاءت دعوة الوزير مباشرة بأن يستقتلوا من أجل دورة انتخابية فاعلة تجود بالنتائج والألقاب والتطوّر النوعي في رياضة الإنجاز بالشكل الذي يحفظ لهم منجزاتهم في تاريخ ألعابهم التي تنتظر منهم عملاً كبيراً في المرحلة القادمة.
وإذا كانت عبارة (أصبروا وتأنّوا) تثير الجزع لدى عامة الرياضيين كونها شمّاعة تمهيدية لفشل مُحقق لا محال خبروا وقعه في قضايا عديدة، فأن العبارة جاءت هذه المرّة "احترازية" من الوزير الى رؤساء الاتحادات لتفادي أية معرقلات ناجمة عن تنفيذ اللجنة الخماسية رسالة الحكومة المستوحاة من قرارها 140 وعدم الاستعجال في الحكم على الإجراءات.
ومن موجبات القيادة بمستوى الوزارة ممارسة المسؤولية من مستوى أدنى لمعايشة واقع الكيانات المستهدفة في عملية الإصلاح دون التدخل في الأساسيات، ووفقاً لهذا الموجب بدت لنا ستراتيجية الوزير غير مقيّدة بتنظيم آليات القرار 140 بمنظور بيروقراطي يمنح عصمة المراقبة وبسط القانون بقوة صلاحية المستوى الأعلى، بل الاستشعار بحاجة رؤساء واعضاء الاتحادات الرياضية والعاملين فيها إلى (دورات في الإدارة الرياضية والتخطيط الستراتيجي وإدارة المال لتطوير قابلياتهم ومهاراتهم) وهي مغذيات ضرورية لتفعيل نشاط الفرد الإداري داخل مؤسسته ولا غنى عنها.
وبرغم عائدية الاتحادات إلى اللجنة الأولمبية الوطنية والارتباط الإداري والمالي الوثيق معها، فإن مصارحة الوزير لرؤسائها بوجوب تطوير قابلياتهم مهما اكتسبوا خبرات كبيرة في حياتهم، يدلل على توجيه سهام النقد المباشر للأولمبية لإهمالها هذا الجانب الحيوي الذي انعكس تأثيره على واقع الرياضة عامة وأبطال الألعاب البارزة وحَدَّ من تطلعاتهم في الوصول الى منصات التتويج.
إن تخمة المواهب في ساحات وقاعات وأحواض وأبسطة الرياضة العراقية لا تُعد ذات قيمة معنوية ومادية واعتبارية في رصيد رياضة الوطن ما لم تتلقفها أيدي الخبراء والكشافين الموثوق من شهاداتهم وقابلياتهم وتخصصاتهم وتاريخهم، وما إشارة الوزير رياض الى الإعداد اللازم لرعاية الموهوب وتهيئة أفضل الخطط الممكنة والمواءمة مع بيئة البطل ولعبته إلا إستدراك مفصلي لأهمية تعزيز الثقة بمن يتولى رعاية الواعدين من أعمار ( 6 – 16) سنة وهذا لا يتحقق إلا بتعشيق دور الدولة مع أكاديميات صناعة البطل الأولمبي بدعم مركزي مشروط بصلاح الأكاديمية إدارياً وفنياً.
لن تكتمل مكاشفة بهذه المحاور من ممثل الحكومة، وتُعد الأولى على مستوى العلاقة بين وزارة الرياضة والاتحادات منذ عام 2003 حتى الآن حسب الصراحة التي تعمّقت بين الطرفين، إلا بإشاعة الطمأنينة من خلال تأكيد الوزير (إن إعادة البناء ووضع أسس سليمة لا يعني انتقامنا من مؤسسات أو أشخاص كما صوّر لها البعض) هذه النقطة بحد ذاتها رفعت نسبة الثقة بشكل كبير، فطالما تردد في وسائل الإعلام أن هناك أشخاص يدفعون الوزير رياض لتبنّي مواقفهم المناوئة لرئيس اللجنة الأولمبية رعد حمودي واعضاء مكتبها التنفيذي بعدما احتدم الجدل حول سحب الصلاحيات المالية من أمانتها في مقرها، وما ترتب على ذلك من هيجان غير مبرّر لبعض أعضاء التنفيذي سُخطاً على شخص الوزير وحشّدوا 34 اتحاداً من بين 50 مسجلين رسمياً في اللجنة الأولمبية الوطنية في اجتماع يوم الجمعة 24 أيار2019 مطالبين بمقاضاة الوزير، حيث جاءت إحدى توصياتهم (إن المجتمعين أقرّوا برفع دعوى قضائية ضد وزير الشباب والرياضة لتدخّلاته المستمرّة في استقلالية اللجنة الأولمبية، وتعطيل العمل في المنظومة الرياضية، وخلق حالة من الفوضى غير المبرّرة، وعدم استجابته لأية حالة تنظيمية تتوافق مع الأنظمة والقوانين، وأن الاتحادات الرياضية قرّرت تفويض المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الوطنية بمخاطبة الجهات الحكومية واللجنة الأولمبية الدولية لوقف التدخّلات غير القانونية من قبل وزير الشباب والرياضة) .
ردّة الفعل هذه قابلها هدوء وزاري ظلّ يراقب دون أهمال المسبب الرئيس للفوضى برمتها فجاء الرد بخطوات مدروسة كشفت الاتحادات ذاتها النوايا السيئة في التحشيد وأخذت تتسابق على تقديم مناهجها للجنة الخماسية، وانتقل العمل الى الخارج من خلال ورقة لوزان التي دفعت الأولمبية الدولية إلى تعزيز إجراءات الحكومة المالية ودعمت موقفها بقوة لفرض الاستقرار وتمشية الأنشطة وصولاً الى إنجاز القانون الخاص بالأولمبية في موعد أقصاه أيلول المقبل.
أما موضوعة ميزانيات الاتحادات فكان التشخيص صادماً ويمكن أن يفرز حقائق مثيرة لاحقاً مُدعمة بشهادات تدين الأمانة المالية للجنة الأولمبية إذا ما ثبتت عبارة الوزير رياض عملياً بأدلة دامغة (إن ميزانية الاتحادات تمنح وفق الأهواء الشخصية والمصالح) فالمعلومات الرائجة في الوسط الرياضي تفيد بأن الأمانة المالية قامت بتسليف مبالغ تقرب من 13 مليار دينار لم تسترجع منذ عام 2009 حتى الآن، وأن بعض رؤساء الاتحادات لم يكن حريصاً على الأموال وأهدروها في بطولات وإيفادات لم تنفع الرياضة بقدر حرص رئيس الاتحاد وأعضاء مجلس إدارته على مكاسبهم الشخصية هم وآخرون ظلّت أنشطة ألعابهم خاملة برغم حصولهم على أكثر من 400 مليون دينار سنوياً مع المُنح، وفضّلوا التواري عن الأنظار والإقامة في بلدان مجاورة بمدد متقطّعة مستفيدين من عدم المتابعة والمحاسبة بحكم الصداقة الوثيقة مع رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية واستغلال طيبة قلبه!
إن حديث الوزير عن رؤية جديدة تتبلور في تعديل القانون وجعله موحّداً في المنهج والهدف ما بعد دورة طوكيو عام 2020، لفت الأنظار إلى مساحة الآمال العريضة للتخلّص من حلقات زائدة مثل ممثليات الأولمبية في المحافظات التي يراها الوزير مُجدية لو تم التعامل والتعاون معها بشكل مثالي، فمراجعة مستفيضة عن مدى تفاعل الممثليات مع شؤون الألعاب يدعونا للتأكيد على الوزير ومن يهمه شأنها الى تفعيل دور الاتحادات في المحافظات بتنظيم مدروس للتعامل مع قاعدة البطل وتذليل معوّقات نموّه الذهني والبدني وتوفير البنية التحتية اللازمة لتطوير نتائجه كفيل بتركيز الجهود وعدم التشتيت، وبالتالي تنتفي الحاجة لوجود ممثليات الأولمبية كحلقة إدارية من حلقات العمل في الماضي لم يزل شبحه مسيطر على عقول كتّاب الأنظمة والقوانين الرياضية.
اترك تعليقك