رحيل المعلم

علي حسين

تعرفت على المعلم سامي عبد الحميد في نهاية السبعينيات، يومها ارسلني استاذي الراحل صلاح خالص لكتابة موضوع عن مسرح يوسف العاني.. في ذلك الوقت كان سامي عبد الحميد يعرض مسرحية بيت برنارد البا على قاعة مسرح بغداد، حيث حول منتصف قاعة المسرح الى قفص حديدي كانت النسوة"ناهده الرماح، فوزية عارف، مي شوقي، إقبال محمد علي، عواطف نعيم، سميرة الورد، باهرة رفعت"اشبة بسبايا يحرسهن سوط العمة المتجبرة والتي ادت دورها باتقان فنانة الشعب زينب..

هذه المسرحية التي يمكن ان يكتب عنها دون تحفظ، بانها صنعت المسرح التجربيي العربي، والتي اثبت فيها سامي عبد الحميد، انه الأستاذ و المعلم، والمستقبلي وصاحب الرؤية الفنية الواضحة.. وقد كانت هذه المسرحية بوابة دخولي الى عالم النقد المسرحي، حيث كتبت عنها مقالا نقديا نشر في جريدة طريق الشعب، وهو اول موضوع ينشر لي

بعدها كتبت عشرات الموضوعات والدراسات، وكان سامي عبد الحميد ايضا محورا مهما فيها، فقد نشرت عام 1980 اول كتاب لي وهو دراسة عن اساليب الاخراج المسرحي في العراق، واتخذت من تجربة سامي عبد الحميد أنموذجا ليصدر الكتاب واحصل من خلاله على اول مكافئة"دسمة"في حياتي

سامي عبد الحميد، ولد ليكون رجل مسرح ولكن على نحو عاصف. وملحاح ومثابر، عام 1994 كاد الحظ ان يقف الى جانبي حين اختار سامي عبد الحميد نص مسرحي كتبته بعنوان دون كيشوت في بغداد، ليقدمه للفرقة القومية للتمثيل، وقد وقع الاختيار على محمود ابو العباس ليؤدي دور دون كيشوت وناصر طه ليؤدي دور سانشو وحكيم جاسم ليؤدي دور الملك واياد راضي ليؤدي دور المؤلف سيرفانتيس وسها سالم لاداء شخصية دولسينا، كان هؤلاء السحرة يشكلون ظاهرة لن تتكرر في المسرح العراقي، ولان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد وقفت ظروف عدة ضد تقديم العمل . .

ذكريات كثيرة جمعتني مع المعلم خلال اكثر ما يقارب الـ 40 عاما توزعت بين كلية الفنون الجميلة ومسرح بغداد وعملنا في لجنة المسرح العراقي سوية، وكان اخرها اداءه لشخصية غائب طعمة فرمان في مسرحية " عودة غائب " التي كتبتها عام 2007 واخرجها حيدر منعثر وكانت من انتاج مؤسسة المدى .

كان تشيخوف يقول لصديقه غوركي وهما يغادران مزرعة إيسيانا بوليانا : لماذا تعتقد ان تولستوي يمتدح ما نكتب؟ يضحك غوركي وهو يقول: لانه ينظر الينا كأطفال، كل ما كتبناه لعب اطفال بالنسبة اليه " ..في كل مرة اذهب فيها الى بيت سامي عبد الحميد، اسال نفسي لماذا يعاملني هذا العملاق كزميل له، لاكتشف ان الكبار دائما ما يعطفون على مقلديهم في الحياة.

برحيل المعلم سامي عبد الحميد تخسر الثقافة العراقية الوطنية علما من اعلامها اضاء ايامها بالحب والفن والابداع.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top