هاملت من وجهة نظر تورغينيف

هاملت من وجهة نظر تورغينيف

د. ضياء نافع

إلى روح صديقي المبدع المرحوم غازي العبادي , الذي كتب رسالة التخرّج في الستينيات بجامعة موسكو حول هذا الموضوع .

ض.ن.

تورغينيف كان قريباً من الأفكار السائدة في أوروبا الغربية بشكل عام ومتعاطفاً معها, رغم أنه كان أديباً روسيّاً حقيقياً ومتميّزاً في تاريخ الأدب الروسي , بل و يعدّ – ولحد الآن - أحد أبرز أعلامه , وكان – كما هو معروف - مع النزعة الغربية ( و تسمى بالروسية زابودنيتشستفو, والتي اختلف المترجمون العرب بترجمتها ) في صراعها مع النزعة السلافية أو السلوفيانية ( و تسمى بالروسية سلافيانوفيلستفه , والتي اختلفوا أيضاً حول ترجمتها) , وهو الصراع الذي أصبح واضحاً جداً منذ أواسط القرن التاسع عشر بين المثقفين الروس كافة بما فيهم الأدباء طبعاً , ويقول البعض من النقاد الروس, إن هذا الصراع الفكري بين النزعتين مايزال قائماً و مستمراً في روسيا الاتحادية المعاصرة لحد الآن , وذلك عندما يدور الحديث حول الطرق التي يجب على روسيا أن تسلكها لاحقاً, رغم أننا على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين , ويشيرون الى بعض الوقائع المحددة حول ذلك , و التي تبرهن على صحة هذا الرأي , وهو شيء طريف حقاً ومثير جداً , لكنه خارج إطار مقالتنا بلا شك. 

انطلاقاً من هذا الموقف الفكري الواضح لتورغينيف , ابتدأ الاهتمام لديه بشخصيات بارزة وأبطال متميّزين في الأدب والفكر الأوروبي الغربي , وجاء هاملت (بطل مسرحية شكسبير) في مقدمة تلك الشخصيات . شكسبير كان واسع الانتشار في روسيا طبعاً , وقد ابتدأ الروس بترجمته منذ القرن الثامن عشر , حتى أن بوشكين أسماه في وقته - (أبونا شكسبير) . نجد استخدام تورغينيف لاسم هاملت في كتابه المبكر الشهير ( مذكرات صياد ) , الذي صدر العام 1852, والذي ضمّ قصصاً بدأ الكاتب بنشرها في المجلة الادبية ( سوفريمينك / المعاصر ) منذ عام 1847 , إذ توجد قصة هناك بعنوان ( هاملت منطقة شيغروفسكي) , والتي نشرها في تلك المجلة العام 1848 . لا علاقة مباشرة طبعاً لإحداث تلك القصة بهاملت الشكسبيري, ولكن التحليل المعمق للقصة يشير , الى أن تورغينيف ربما أراد أن يقول , إن بطل القصة هاملتي النزعة والاتجاه والمصير( إن صحّت هذه التعابير) . مضمون تلك القصة بسيط جداً , إذ يروي البطل نفسه سيرة حياته للكاتب , ولا يذكر له اسمه , ويقول للكاتب أثناء هذا السرد, إنه يمكن ان يسميه هاملت , أي أن الأمر يبدو وكأنه صدفة ليس إلا , ولكن سيرة حياة ذلك البطل تبين , أن هناك تشابهاً ما بين البطلين , إذ أن بطل قصة تورغينيف لا يذكر أباه , ويلعب عمّه دوراً في حياته , وبعد مسيرة حافلة عبر أوروبا لا ينجح بالحصول على أي شيء رغم محاولاته العديدة ولفترة ليست بالقصيرة, ثم يعود البطل الى روسيا ويبدأ بالتفاعل من جديد مع وتيرة الحياة فيها وأحداثها , وينتهي به المطاف (في النهاية ايضا) الى انه لم يحصل على نتيجة ايجابية واضحة المعالم في الحياة . لقد اراد تورغينيف أن يقول , إن كل هذا البحث الانفرادي والجهد الكبير , الذي قام به بطل هذه القصة, لم يجعل منه انساناً سعيداً وناجحاً ومفيداً للآخرين من حوله , ولم يصل به الى الهدف الانساني العام , الذي يسعى إليه كل البشر. 

رأي تورغينيف حول هاملت لم يكن واضحا ومتبلورا بشكل نهائي عبر تلك القصة المبكرة في مسيرة نتاجاته , رغم ان عنوان القصة يحمل اسم هاملت (و هذا العنوان بحد ذاته يعني ما يعنيه) , ولكن تورغينيف سيلقي محاضرة في بداية العام 1860 (و سينشرها في مجلة المعاصر / سوفريمينك في نهاية نفس العام) عن هاملت بعنوان – ( هاملت ودون كيخوت ) , ويمكن القول , إن هذه المحاضرة , أو الصورة القلمية التحليلية العميقة التي رسمها الكاتب الروسي للبطلين في مسيرة الآداب الاوروبية قد حدّدت وبصورة دقيقة وحاسمة آراء تورغينيف بهما , ومازالت تلك الآراء حيوية ومهمة في مسيرة النقد الادبي الروسي, وتؤخذ بنظر الاعتبار حتى في الأوساط الغربية نفسها . ونود هنا – التزاماً بعنوان مقالتنا طبعاً وختاماً لها – أن نتحدث عن هاملت قليلا فقط وبايجاز مكثّف جدا من وجهة نظر تورغينيف ( أي دون الحديث عن البطل الآخر دون كيخوت حسب عنوان المحاضرة تلك) . 

يتميّز هاملت - حسب تورغينيف – أولاً, بخاصية التحليل , تحليل كل شيء يجري حوله , ولكنه أناني , يعيش لنفسه فقط , ويهتم بنفسه فقط , ولهذا فانه مشغول دائماً ليس بواجباته , وأنما بوضعيته . هو شديد الذكاء , وعقله متوهج , ولهذا , فأنه يشك في كل شيء , ولأنه ذكي جداً , فإنه يعرف أيضاً نقاط ضعفه ويعترف بها , في الأقل أمام نفسه . وهاملت بشكل عام لا يعرف ماذا يريد ولماذا يعيش , لكنه يتشبث – مع ذلك – بالحياة , يتشبث بقوة هائلة ... 

هاملت قريب من اهتمامات القراء العرب, وتورغينيف أيضاً , لهذا , فإننا نظن, أن طرح اسميهما معاً يجب أيضاً أن يثير اهتمامات هؤلاء القرّاء. 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top