لماذا المطالبة بسلمية التظاهرات؟

لماذا المطالبة بسلمية التظاهرات؟

يوسف أبو الفوز

لا نختلف بأن التعرّض للمظاهرات السلمية بأي شكل، وقمعها من قبل أي جهة، رسمية أو "ميليشاوية"، هو مخالفة للدستور والقوانين التي تقر بحق للمواطن بحقه في التظاهر والتعبير عن رأيه.

ولا أقف شخصياً مع أي أعمال حرق وتخريب تقع خلال التظاهرات، حتى لمواقع ومقرات الجماعات المسلحة، فكل هذه الممتلكات يفترض أن تعود للشعب وللدولة ويمكن استثمارها بشكل نافع يوما ما.

ويغيظني جداً البعض، خصوصاً الموجودين على مسافات آلاف الكيلومترات من ساحة التحرير وشوارع التظاهرات، ويشجعون على استخدام العنف ضد القوات الأمنية العراقية. أقول لهؤلاء، في أي مكان كانوا، الذين قرأوا كراسات عن الثورة عن تجارب شعوب أخرى، بأن الثورات لا تستنسخ، وأن ما يصح في أمريكا اللاتينية مثلاً، لا يمكن أن ينجح في الشرق الوسط ومنها العراق، فلكل بلد ظروفه الخاصة الموضوعية والذاتية المطلوبة لقيام الثورة، ناهيك عن الاختلاف في العادات والتقاليد.

إن المطالبة بالحفاظ على سلمية التظاهرات لا يضمن لنا حفظ أرواح أبنائنا وبناتنا فقط، بل ويقطع الطريق على أجهزة الحكومة الحالية، ومعها مليشيات الدولة العميقة، في توفير الحجج لتصعيد قمعها واتخاذ إجراءات ما بحجة حفظ الأمن العام والى آخر الأسطوانة المعروفة والمشروخة. سيقول لي هذا المنظر الثوري، بان الأجهزة الأمنية من أول أيام انطلاق الاحتجاجات وهي تستخدم العنف المفرط حتى من دون قيام المتظاهرين بأي استفزاز لها، وسقط لنا مئات الشهداء وآلاف الجرحى. نعم يا صاحبي، مثلك أتابع وأرى وأشعر بالغضب والحزن، ولكن لماذا تنتظر من حكومة فقدت شرعيتها عملياً، ولا تعير اهتماما لمطاليب شعبها، وتستمر في الاستخفاف بشعبها وتصر على البقاء في مواقع السلطة وتحاول أن تناور لإطالة عمرها بإجراءات ترقيعية؟ إن علينا الالتزام بالسلمية في نشاطنا، رغم كل الخسارات، لفضحها أكثر وتجريدها من أي حجج لتنفيذ إجراءاتها القمعية والعمل لفضح أسلوبها العنيف لتحجيمه من خلال الإدانة الشعبية المتواصلة، وكسب التضامن مع ثورة شعبنا من قبل مختلف الجماعات والشعوب المحبة للحرية والتقدم والمؤسسات الدولية فهذا سيضفي شرعية أكثر على ثورة الشعب.

إن سلمية التظاهرات ستكون الضمانة الكبيرة لاستمرار ونجاح الحراك الشعبي وتحقيق أهدافه في التغيير الشامل، وتوفير الفرصة لفرز قيادات ناضجة للحراك الشعبي، ويساهم في مراجعة وتصحيح الشعارات والتكتيكات لإدامة الاحتجاج. إن سلمية التظاهرات تساهم في تشجيع الكثير من قطاعات الشعب لكسر ترددها والانخراط في الحراك الجماهيري وبالتالي يشجع على انجاز الاعتصام الشعبي ليشل أجهزة الدولة ويدفع لإسقاط الحكومة الحالية وبالتالي المنظومة الطائفية الفاسدة كلها. 

إن مشكلة الشعب العراقي لا تكمن في وجود الحكومة الحالية فقط، فذهاب هذه الحكومة ووجوها المعروفة بفسادها، وبقاء آليات المحاصصة الطائفية والأثنية البغيضة سيجلب لنا حكومة بديلة، وإن كانت الحكومة الحالية تقتل المواطن بالسكين فستأتي الحكومة القادمة بمن يقتل المواطن بخيط من القطن كما يقول المثل. ليس لنا إلا المطالبة والعمل على الحفاظ على سلمية الحراك الجماهيري وتوفير الفرصة للمتظاهرين لتنظيم أنفسهم بشكل افضل، فلو تصاعد العنف من الجانبين ، سيحل التخبط والضياع حين يختلط الحابل بالنابل ، وعند ذلك ستتوفر الفرصة لمن هب ودب لركوب الموجة الثورية، ومحاولة سرقة الحراك الشعبي وثورة الشعب لصالح أهدافه.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top