فورن بولسي: مخيمات عوائل داعش تشكل خطراً أمنياً على العراق

فورن بولسي: مخيمات عوائل داعش تشكل خطراً أمنياً على العراق

 ترجمة: حامد أحمد

موت ابو بكر البغدادي مثل نهاية لمرحلة تدميرية من مراحل تنظيم داعش. كان البغدادي زعيم دولة خلافة مزعومة ممتدة لمساحة بقدر مساحة بريطانيا العظمى من اراضي تمت السيطرة عليها بين العراق وسوريا.

وأمر البغدادي خلال فترة حكمه القصيرة باعدام الآلاف وترويع الملايين الآخرين من الناس، ولكن مقتله لم يقدم شيئا لإيقاف أزمة متراكمة تشكل على أقل تقدير تهديدا جديا لاستقرار العراق.

عقب انهيار تنظيم داعش تُرك نصف مليون شخص او اكثر من رجال ونساء واطفال في معسكرات للنازحين في العراق. يشير مسؤولون عراقيون إليهم على انهم "عوائل داعش" حتى ان هؤلاء المسؤولين انفسهم يقرون طوعيا بان اغلب هؤلاء النازحين ربما ليست لهم صلة أو حتى صلة قليلة بتنظيم داعش. وإلى أن يتم بت الأمر بشأنهم وفقا للنظام القضائي العراقي فانهم يشكلون تهديدا متناميا لأمن وادارة واستقرار العراق، وخصوصا في المناطق التي ما يزال داعش يحظى فيها بدعم ويثير فيها الرعب. كلما طال وقت بقائهم في المخيمات وسط اجراءات قانونية بطيئة كلما ازدادت احتمالية فرصة انبعاث داعش من جديد.

ولسوء الحظ فانه دائما ما تكون للحكومة العراقية حالة طارئة تنشغل بمعالجتها. حيث تدور في الوقت الراهن حركة احتجاجات شعبية تطالب بتشكيل حكومة جديدة في بغداد ووضع نهاية لفساد مستشر بالبلد. العام الماضي ادى غضب شعبي ازاء تسمم مياه الشرب الى اثارة اضطراب في البصرة. وقبل ذلك كانت هناك حاجة ملحة لالحاق الهزيمة بداعش. ومع وجود مشاكل أخرى كثيرة، فليس لبغداد حافز للتعامل مع مئات الآلاف من المهجرين ما لم يتحولوا الى حالة طارئة ايضا.

خلال المعارك وما ترتب عليها ساقت الحكومة العراقية المشتبه بهم من مسلحي داعش والمجرمين الى النظام القضائي أو الى مراكز اعتقال والتي يُدار قسم منها بشكل سري. خلال تلك الفترة تم اصدار حكم اعدام بآلاف من مسلحي داعش ومن المشتبه بهم.

قسم من المسؤولين العراقيين يرغبون من ان يتمكنوا من البدء باجراءات اعادة النازحين وذلك ليتسنى لهم ارسال الابرياء منهم الى بيوتهم ومحاكمة الباقين من المشتبه بارتباطهم بداعش. مع ذلك فان هؤلاء المسؤولين يفتقرون حتى الى القدرة على تقديم اي اقرار سطحي يفرز من هؤلاء المهجرين يشكل تهديدا امنيا. رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي دفع بنجاح للسماح لاكثر من 10,000 عائلة مهجرة للعودة الى بيوتها بدءا من شهر آب، ولكن التدقيق كان في احسن احواله سطحيا. ووصف الحلبوسي عملية اعادة دمج المهجرين بالمجتمع على انها "سباق مع الزمن" وكنقطة ضعف بالنسبة للعراق في صراعه الطويل ضد التطرف.

ولكن اغلب المسؤولين العراقيين غير مهتمين بالتعامل مع عوائل داعش. هؤلاء المسؤولين يركزون على عملية بقائهم في السلطة، ويقولون انهم يريدون ان تكون الاولوية لمساعدة الذين حاربوا ضد داعش او الذين عاشوا تحت حكمه الوحشي ولكنهم مايزالون يفتقرون الى خدمات اساسية وحقوق. ببساطة انهم لايريدون انفاق اية موارد لاشخاص يعتبروهم مشتبه بهم ويفضلون تركهم معلقين. اغلب عوائل تنظيم داعش، الذين يشكلون ما يقارب من ثلث عدد المهجرين في العراق البالغ عددهم 1.5 مليون شخص، يعيشون في مخيمات صحراوية ممتدة على شكل قوس من الفلوجة الى الموصل. هذه المخيمات ليست فيها مدارس او عيادات وسكانها ليس لديهم اوراق تثبت هويتهم. من الناحية الفنية فان المهجرين ليسوا بمعتقلين ولكنهم ممنوعين من العمل ولا يمكنهم التنقل ذهابا وايابا كما يريدون. الحكومة العراقية لم تتهمهم باية جريمة ولم تقل من ناحية اخرى بانهم ابرياء. عضو المفوضية العراقية العليا لحقوق الانسان، علي أكرم البياتي، يخمن ان 90% من المهجرين المشتبه بانتمائهم لداعش لا يشكلون تهديدا لأي شخص. واشار بقوله "انه امر غير عملي ان تعزل مثل هكذا عدد او ترسلهم الى سجن. نحن فقط نؤجل الحل".

في معسكر للنازحين خارج الفلوجة قال مسؤول محلي سابق في منطقة جرف الصخر التي كانت تحت سيطرة داعش بانه يعيش هنا في المخيم بمثابة سجن، مشيرا الى ان فصائل مسلحة اختطفت ابنه قبل اربعة اعوام ولم يعرف عنه شيئا منذ ذلك الحين. ويقول انه تم اعتقاله ايضا ولم توجه اليه اية تهمة وفي شهر آب تم الافراج عنه وسمح له بالالتحاق بعائلته في المخيم الصحراوي الذي بقوا ماكثين فيه قرابة خمس سنوات. واضاف متسائلا "أي امل بقي لدينا؟ هل قدر علينا البقاء هنا الى الابد؟".

اغلب المهجرين من عوائل داعش يشكلون تهديدا ضئيلا اليوم، ولكن استمرار احتجازهم في العزل قد يحولهم بسهولة الى تهديد مستقبلي كبير. حجزهم بكثافة وقطعهم عن المجتمع من شأنه ان يحول هذه المخيمات الى ارض خصبة لفكر داعش المتطرف من جديد مما يشكل تحديا للحكومة.

الحكومة العراقية بحاجة الى محامين ومحققين وخبراء آخرين الذين بمقدورهم المساعدة في تقييم وتوثيق وضع محتجزي المنطقة الرمادية. وعبر دعم مالي وفني من المجتمع الدولي سيكون بامكان العراقيين حسم قضايا غالبية عوائل داعش خلال فترة سنة. ويمكن ان تظهر تعقيدات ايضا في حال مواجهة شخص مهجر خطورة تعرضه للعنف حال عودته لبيته بسبب خلفيته المتعلقة باشتباه علاقته بداعش .

عن: فورن بولسي

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top