الثقافة والإرهاب

الثقافة والإرهاب

ناجح المعموري

الثقافة أكثر المفردات تردداً بين الأفراد والجماعات وهي التي حتى اللحظة لم يتم الاتفاق حول المفهوم الاجرائي حولها ،

فظلت مصطلحاً متحركاً قابلاً بما تفرضه التحولات الاجتماعية والاقتصادية ، بحيث حازت سيرورة مستمرة . لكني بالإمكان وضع حدود متوافق عليها ، لا تغادر المتعارف عليه والمرتبط بالحياة اليومية والمألوف الخاص بالحاجات ، والمتطلبات الخاصة بالفرد والجماعات ، كي تتمكن من تأمين حياة مقبولة ، تتوفر فيها حدود ارتضاها الإنسان آنذاك ، كي يحمي نفسه وعائلته من تغيرات الطبيعة ، ومقاومة الظواهر القاسية . أنا اعتقد بأهمية هذه العتبات لأنها تهيكلت عليها تمظهرات ثقافية ، أسست مرحلة حضارية جديدة ، لها علاقة باللغة / العلامات / الرسم ، الغناء / الرقص ولعبت مثل هذه التمظهرات في رسم حدود مبكرة للدين والطقوس والمعتقدات ، وتحولت معاً مجالات ثقافية متنوعة ساهمت بردم الفجوات الناشئة بسبب العنف وانعكاساته على السلوك اليومي ، بمعنى وجود إمكانات في إعادة اليومي وتوظيفة بروح مغايرة ، بعد وجود توافق بين الافراد .

ومن أجل منح الثقافة حضوراً مساهماً بصياغة العناصر الوطنية للهوية الكبرى ، لابد من جهود مضاعفة للالتقاط الثقافي المشترك ، في ظل ارتباك الأمن واختلال السلم الاجتماعي والأمن الأهلي ، حتى نتمكن من صياغة برامج خاصة للمشاريع الصيانية . ويسمح هذا الجهد بانتاج ثقافة مشتركة بشروط وظيفية مسبقة ، تساعد الفعاليات الانتاجية الخاصة بالأفراد والجماعات . ومثل هذا المشروع يستدعي الانتباه للدور الجوهري الذي لعبته الطبقة المتوسطة بانتاج الثقافة ، وساهمت بدور بارز في فكر النهضة الذي تميزت به الأربعينيات وما بعدها ، ولابد من المساعدة على توفير العناصر الاقتصادية الفاعلة في تكوين الطبقة الوسطى من أجل المصلحة الحقيقية المقترنة بالثقافة . ومنح العقل فرصته لتوسيع فضاء التنوير وتفعيل الحوار بين الجماعات المختلفة واتاحة الفرص الواسعة من أجل تغذية القبول بالآخر الوطني ، المتباين ، وهذا التمظهر الضروري فاعل في تنمية الفرص التي تحتاجها الثقافة ، التي دائماً ما تكون مؤهلة لأداء دورها التنويري / والفاعل . لكن لابد من التذكير بأن هذا الحلم بالتشكيل الطبقي يحتاج فواعل اقتصادية وبرامج اجتماعية حتى تنمو الجماعات ذات الملامح الاجتماعية / القافية / والسياسية لترسم ملامح الطبقة الوسطى ، التي ستكون صمام أمان لحاضر مزدهر الثقافة ، مع ضمان لمستقبل محمي بتنوعات الثقافة / مثل الأدب / الفن / الفكر / العلوم الإنسانية .... الخ 

الإرهاب هو الذي استدعي الورشة الخاصة بالثقافة ، بوصفها السلاح الكفيل بالقضاء على الإرهاب ومظاهره المتمثلة بالعنف ووسائله الضاغطة على المواطن .

لم يولد العنف في المدن المظلمة أو الكهوف ، والمغاور ، بل شهدت المدن الكبرى ولادته وتجاوزه لمرحلة طفولة التكون ، هذا يعني تسلحه بكل ما توفره الحضارة الحديثة والعولمة من تقنيات ووسائل اتصال . ومعروف بأن العنف ، يستولد العنف ويدمر التجارب الديمقراطية الناشئة تواً ، وتصير الحاجة للجماعات المسلحة ضرورة قصوى ، ولعل أشهر توظيفات الارهاب لكسب معاركه الكبرى ، هي الصورة ولعل قفص السكاسنة سيظل بالذاكرة الجمعية ، مع تصويتات والبيارق السوداء وهي تدخل الموصل . إذن لا يكفينا السلاح للقضاء النهائي على الإرهاب ، بل نحن نحتاج الثقافة والفن ووسائل الاتصال الحديثة حتى تنجح تجارب الشعوب المغزوة بدحر الجماعات الإرهابية . الحل الوحيد هو رقي الإنسان وتطور وعيه وقدره عقله على معاينة ما يجري ، والتشارك مع الآخر الوطني من أجل نجاح الوظائف المطلوبة . هذا ولابد من التذكير بأهمية الوسائل التي تتوفر للجماعات الإرهابية من امكانات خيالية في مجال الصورة والشريط الفيلمي والقدرة الفنية الاخراجية التي تجعل من الصورة / والشريط سلاحاً جباراً : ظاهرة داعش ثقافية . ودحرها بالالية الثقافية وعلينا ان نذهب لذلك .

الانتهاك الذي حصل ويحصل باستمرار بسبب العنف يخلخل الخصوصية المميزة للجماعات ، وهذا يحتاج تحصيناً للأفراد من تأثير أكبر من 500 قمر صناعي ، تبث كلها تمثيلات للسياسات الاعلامية المرسومة من قبل الآخر ، كي يقدم الشرق أو البلدان المغزوة بداعش بالصورة النمطية التي يريدها . ويتطلب مثل هذا المشروع الغربي الاستفادة من العقول الإعلامية ذات الخبرة الحديثة ، القادرة على تكوين مجال مضاد للاخر وتحصين المواطن . للتربية والتعليم دور بارز في ثقافة الحاضر وامتدادها نحو المستقبل ، انهما يلعبان ما يساعد على انتاج ثقافة تتحول بالتتالي الى ملاذ ثقافي ، صياني ، يتوفر على قدرات وطاقات حماية وأمن ثقافي ، مع ترصين للعقل . واعتقد بأن العناية ودور النهضة الذي لعبته مصر خلال فترة محمد علي باشا ، التي مثلت في الدرس السوسيو ــ سياسي فترة نهوض كبيرة في حياة ، وضع عتبها رجل الدين التنويري رفاعة الطهطاوي الذي يمثل حتى هذه اللحظة رمز تنويري وملاذ ثقافي ومعرفي ، نجح في تحقيق نهضة كبرى في مصر ، ما زالت حاضرة وهي التي فجرت الثورة الشعبية التي اسقطت حركة الإخوان الإرهابية . 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top