عبد الحليم الرهيمي
لعل الوصف الأكثر تعبيراً عن الواقع وتماهياً مع تطوراته هو القول بوصول الوضع السياسي والأمني الراهن إلى مأزق حاد ، إنْ لم نقل وصوله الى طريق مسدود كما يرى كثيرون .
أما هذا المأزق فيتجلى في المواجهة القائمة بين حركة الاحتجاج الشعبي السلمية ومطاليبها وأهدافها المعلنة، وبين الطبقة السياسية المتنفذة والحكومة التي تتحمل مسؤولية توليها السلطة التنفيذية. أما التعبير الأبرز لهذا المأزق فيتمثل في رفع حركة الاحتجاج السلمية العديد من الأهداف والمطالب التي يتقدم عليها مطلب استقالة أو إقالة الحكومة الحالية التي ترفض بدورها الاستجابة لهذا الطلب والتمسك بموقفها لسببين رئيسين كما يرشح عنها وهما: الخشية من الفراغ والفوضى اللذان قد يعقبان الاستقالة أولاً، ثم تقديمها (سلسلة) من حزم الإصلاحات (العاجلة، والشاملة) كما تردّد دائماً، ثانياً.
وهكذا يبدو مشهد المأزق الراهن للوضع معقداً بأصرار الحكومة على موقفها من جهة وتمسك المحتجين بمطلبهم الرئيس راهناً وهو استقالة الحكومة من الجهة الثانية باعتبار ذلك أحد مفاتيح التفاهم والحلول المفترضة لاحقاً. ولأن ما يعيق ويعرقل ذلك هو انعدام الثقة بين المحتجين والطبقة السياسية وحكومتها فأن تبديد ذلك أو الحد منه بالاستقالة سيمهد الطريق لإجراء الحوار بين ممثلين عن حركة الإحتجاج الذين ينبغي عليهم تسميتهم، وبين الحكومة الجديدة البديلة عن الحكومة الحالية حول السبل والمضامين الحقيقية للتغيير والإصلاح الحقيقيين اللذين يتطلع الجميع لتحقيقهما.
لقد اقترحت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة السيدة هينيس بلاسخارت، بعد زيارتها ساحة التحرير لمشاهدة حشود المتظاهرين وركوبها عجلة (التك – تك) كتعبير رمزي عن التعاطف مع المحتجين "إجراء حوار وطني لإيجاد استجابات سريعة وفاعلة باعتبار هذا الحوار يمثل حاجة ماسة لينهي الحلقة المفرغة من العنف باعتبار العنف ليس هو الحل أبداً ، وإن حماية أرواح الناس هي الضرورة الحتمية..." .
وفي ضوء ذلك يتحتم على حركة الاحتجاجات السلمية أن تفرز قيادة ممثلة لها وتمنحها صلاحية الحوار والتفاوض مع حكومة جديدة تحظى بقدر كبير أو مقبول من الثقة، على طبيعة التغيير والإصلاح المنشودين لإنقاذ العراق وشعبه من المخاطر التي تحيط بهما من جهة، فإنه ، من جهة ثانية، يتحتم على الطبقة السياسية والحكومة توفير أجواء الثقة المطلوبة للحوار بالرعاية الأممية وتبدأ باستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة يكون ممثلو الحراك الشعبي طرفاً رئيساً في إبداء الرأي بتشكيلها.
إن عبور وتجاوز احتمالات الذهاب الى الفراغ الدستوري والفوضى بعد استقالة الحكومة الحالية هي احتمالات ضعيفة جداً أو معدومة، ذلك لأن المادة (81) من الدستور لعام 2005 تنص على التالي (أولاً: يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان.. ويقوم ثانياً بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد عن خمسة عشر يوماً وفقاً لأحكام المادة (76) من الدستور.
وخلال هذه الفترة، التي يمكن تمديدها للضرورة، كما جرت العادة في قضايا أخرى، يدعو رئيس الجمهورية الى اجتماع يحضره ممثل عن الأمم المتحدة على غرار مساهمة الأخضر الابراهيمي في تأسيس مجلس الحكم عام 2003 – ورؤساء الكتل البرلمانية، وممثلي عن حركة الاحتجاج وعن القيادات الدينية الشيعة والسنة والمسيحية وعدد من أساتذة الجامعة المعروفين بالأهلية والنزاهة والاستقلالية، فضلاً عن عدد من النقابات المعنية أما المهمة الرئيسة لهذا الاجتماع فهي تقييم الوضع ومأزقه وتطوراته، ثم تسمية رئيس مجلس الوزراء الجديد وكذلك تسمية عدد من الوزراء الذين يشكلون حكومة تكنوقراط مصغرة يمكن تسميتها بالمؤقتة او الانتقالية، او حتى حكومة طوارئ، وتحدد مدة ولايتها ستة أشهر أو سنة وتكون إحدى مهامها الأساسية هي الحوار والتفاوض مع ممثلي حركة الاحتجاجات حول الإجراءات الإصلاحية التي ينبغي اتخاذها وهي: تشكيل لجنة لتعديل الدستور وتحديد المواد والفقرات التي يراد تعديلها لطرحها على الاستفتاء العام، إحالة المهمتين بقنص وقتل المتظاهرين الى القضاء، إلغاء مفوضية الانتخابات وتشكيل أخرى جديدة، إعداد قانون عادل للانتخابات وآخر للأحزاب على أسس وطنية غير طائفية وغير عنصرية.. إحالة عدد، كوجبة أولى، من حيتان الفساد الحقيقيين باسمائهم الى القضاء واسترداد الأموال التي حصلوا عليها بأساليب غير شرعية، سواء داخل العراق أو خارجه الى خزينة الدولة.
إن تجاوز المأزق الحاد الرهان يتطلب وعياً استثنائياً من جميع المعنيين بتجاوزه ، وإن مفتاح ذلك راهنٌ كما يرى المحتجون.. وكثيرون غيرهم هو باستقالة الحكومة، فهل يمكن تحقيق ذلك، هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة..
اترك تعليقك