هادي عزيز علي
ابتداءً فأن الفقه الدستوري يقول : ( إن ما يميز النظام الرئاسي هو وجود رئيس منتخب يساعده عدد من الوزراء يعينهم هو ويكونون مسؤولين أمامه ، مع مجلس منتخب يمارس كلاهما السلطة ولا يستطيع المجلس أن يمنع الرئيس ووزراءه من ممارسة السلطة وذلك عن طريق التصويت بعدم الثقة ) .
ونرى إن هناك جهات عديدة تطلب النظام الرئاسي ، إلا أن الاسباب لكل واحدة من تلك الجهات تختلف عن الاخرى بسبب اختلاف النوايا والمصالح ، نحاول بيانها في الحالات المدرجة أدناه وعلى الوجه الاتي :
فالملفت للنظر حالياً أن هناك العديد من الأحزاب ذات الخطاب السياسي الديني الممثلة والفاعلة حالياً في تشكيلات سلطات الدولة المختلفة والتي تمتد أذرعها في كل مفاصل الدولة وخارجها ، تطالب هي الأخرى بالنظام الرئاسي خلافاً للنظام البرلماني الذي نص عليه الدستور والذي مكنهم من احتلال مواقعهم الحالية بامتيازاتها ومكاسبها ومغانمها . وهذا ليس مجرد مطلب سياسي اعتيادي يندرج تحت أحكام حسن النية ، بل له أسباب عدة ، لعل أهمها هوالتغطية والتستر على عيوبهم من خلال تعليق فشلهم في إدارة الدولة على شماعة النصوص الدستورية النازعة نحو النظام البرلماني مدعين أن هذا النظام هو السبب الذي أوصل البلد لما هو فيه ، عليه فإن البحث عن نظام سياسي آخر أصبح ملحاً لديهم لإدارة الدولة . ولعل أقرب نظام يعتقدون إنه يمكنهم من الديمومة في مواقعهم أولاً . ويحقق لهم المزيد من المغانم والمكاسب هو النظام الرئاسي ، وهكذا كانت الدعوة إليه .
وقد تسهل ثقافة مجتمع ما الرغبة في تبني النظام الرئاسي دون غيره . ففي الغالب من دول أميركا اللاتينية وضمن ثقافة هذه البلدان التي مرّت بنشاطات الكفاح المسلح وتضحياته ابتداءً من المكسيك الى أقصى موقع في جنوب البرازيل أفرزت أشخاصاً يتمتعون بصفات القيادة بكافة أشكالها حازت على تبجيل واحترام مواطنيهم . هذا الوضع الذي أفرز الولاء لشخص القائد ورسخ القناعة لصورته لدى شعوب المنطقة باعتبار الرئيس قائداً . لذا نجد أن الغالب من دول أميركا اللاتينية تميل نحو النظام الرئاسي الذي تضمنته دساتيرها والمعبر عنه من خلال انتخابه الرئيس مباشرة من قبل الناخبين ليكون رئيساً للدولة ، فضلاً عن انتخاب مجلس نيابي مهمته التشريع . مع وجوب فصل واضح بين سلطات الرئيس وسلطات والمجلس التمثيلي ، وضمن صلاحيات تكون الغلبة للرئيس من خلال الصلاحيات العديدة الممنوحة وعلى حساب المجلس التمثيلي ويكون الأخير عادة خاضعاً لتأثير وهيمنته ، ويسمى هذا النظام في أدبيات الفقه الدستوري بـ ( الرئاسية ) . ولكن الهيمنة تلك لا تعني تجريد مجلس النواب من صلاحياته اذ قد يحتفظ بصلاحيات تكون أحياناً معوقة أو مقيدة لعمل الرئيس . هذا كله لا يعني إن الرئيس في هذه البلدان الذي يتم انتخابه من دون أن تكون له برامج وخطط وفلسفة في قيادة الدولة ، فلا يقدم أي شخص للترشح للرئاسة من دون الافصاح عن برامجه وخططه وفلسفته لحكم البلد .
الملاحظ أن هناك أصوات نسمعها من ساحات الاحتجاج تطالب بالنظام الرئاسي أيضاً ، ولقناعتنا بنبل الأصوات تلك ، وإن الغاية المبتغاة منها هو بناء الدولة المدنية خالية من الفاسدين فإني أضع بعض الملاحظات حول هذا الموضوع :
1 – العراق دولة ريعية لاعتماد اقتصادها أولاً وأخيراً على النفط ، لذا فأن قوانين الموازنات المالية السنوية التشغيلة والاستثمارية تغطى من الايرادات النفطية ، أي أن أموال الميزانيات تلك لم تأتي من الجهد المبذول لخلق الثروة ، لذا فإن ثقافة الريع تتناقض مع العمل والجهد الخلاق لتلك الثروة . وحيث إن الثروة جاءت بالطريقة تلك فأن النظام الرئاسي يخول رئيس الجمهورية الامساك بهذا المرفق من كافة جوانبه ، ومن هنا تنمو وتعشعش الصفقات من خلال البطانة المقربة من الرئيس لتخلق فئات السماسرة والوكلاء ووكلائهم ، وهنا تبرز – حسبما مثبت من معطيات في العديد من الدول – الاستغلال التام للوظيفة العامة .
2 – الرئيس وحلقة الجهاز الحكومي القريبة منه وحلقة المريدين والسماسرة والوكلاء ومهما بلغ حجمها ، يشكلون الأقلية قياساً الى أكثرية السكان الصامتين بما يصلهم من المال الريعي ، هذا الوضع يؤثر على طبيعة العلاقة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة . إذ تدل الشواهد في العديد من دول العالم على ترجيح المصلحة الخاصة على المصلحة العامة . ومن هذه النقطة المفصلية بالذات في هذا الموضوع يشرع البناء المؤسسي للفساد الذي يستنزف إيرادات الدولة ، وهذا ما يفسر أيضاً تهافت الأحزاب ذات الخطاب الديني الفاسدة لتبني هذا الموضوع والإصرار على المطالبة به .
3 – إذا كان النظام الرئاسي ناجحاً في الولايات المتحدة الاميركية فلأنها دولة مؤسسات بدأت مناقشات الدستور فيها منذ 1784م ومنذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا فهم في عملية بناء متواصلة ، أما بالنسبة لنا فأن الكثير من مؤسساتنا لا زالت في مرحلة ما قبل الدولة وترسخ هذا الوضع عن طريق الحكام الذين امتطوا السلطة منذ 2003 م ولحد الآن , لذا فإن الدعوة للنظام الرئاسي وفي ظروفنا هذه يعني الدعوة الى تبني النظام الدكتاتوري ، لكون النظام الريعي في مثل حالتنا يفضي الى الدكتاتورية ، ودليلنا على ذلك هو أن الدول التي تعيش في ظروف مقاربة لظروفنا والتي تحولت الى النظام الرئاسي تحولت الى دول دكتاتورية بأمتياز ، ومنها على سبيل المثال : غانا التي تحولت الى النظام الرئاسي 1960 ولا يغيب عن البال صورة رئيس وزرائها ( نكروما ) . او زمبابوي التي تحولت الى النظام الرئاسي 1987 و ( روبرت موغابي ) الذي مسك بتلابيب السلطة حتى الوصول الى الطريقة التي طرد بها 2017 والتي تمت تغطيتها الواسعة بكافة وسائل النشر العالمية . وملاوي التي ذهبت الى النظام الرئاسي 1966 م ولم تتخلص من دكتاتورها إلا سنة 1994 ، واثيوبيا 1995 ولم تتخلص منه إلا بوفاته .
ورغم أن تركيا لا تشبه الدول الافريقية تلك ولها مؤسساتها التي بدأ العمل به منذ مؤسس الدولة التركية كمال اتاتورك ، إلا أن أردوغان حولها الى نظام رئاسي ، ولا يخفى على أحد الطريقة التي تعامل بها أردوغان مع خصومه السياسين والوضع السياسي الذي هو عليه الآن بعد أن غادرت تركيا إرثها السياسي الذي بناه الرجل المؤسس .
هذه بعض الوقائع نضعها أمام أعين ابنائنا البررة وهم في ساحات الاعتصام ، من أجل أن نشترك جميعاً في التفكير في النظام السياسي الذي يلبي طموحات الشباب المحتج أولاً ويكون وفياً لأرواح الشهداء في ساحات الاحتجاج ثانياً .
اترك تعليقك