قناطر: الحياة قرب الأرخبيل

طالب عبد العزيز 2019/11/26 06:39:02 م

قناطر: الحياة قرب الأرخبيل

طالب عبد العزيز

ليس الشعر عندي ما أكتبه على وجه الورقة، وليست الألوان ما أعاينه في لوحة معلقة على حائط، أو ما يبوح به ضمير الزيت، كذلك تكون الموسيقى عندي، أبداً، ما هي بالنغم، الذي يأتيني من آلة في قاعة مغلقة.

أنا أذهب الى أرخبيل الماء، الى الفاو، هناك، حيث لا يعرف بي أحد، وحيث أعيش الشعر وأتنفس الالوان وأصغي للموسيقى.

منعنا الاولاد السمرُ من عبور النقطة التي عند بناية مدرسة الصنايع، على الجادة التي بين الفاو وابي الخصيب، بقرية باب سليمان، أوقفوا سيارتهم القديمة، وسدّوا الجادة بالاطارات المحترقة، فصعد الدخان الكثيف عاياً، فعاد موظفو النفط وعمال الأسمدة وشركة الغاز الموصوفة بالبعد الى منازلهم، أما نحن فقد اهتدينا الى طريقٍ عتيقةٍ، مَتْربةٍ، هلك نخلها، وجرفتها مكائن المقاولين، طريق قاداتنا الى البرية، التي أخدتنا السيارة منها الى الشارع العام، ذاك الذي يتوجب علينا اجتيازه بأناة، فهي بمجاز ذهاب ضيق واحد، حيث لم تكمل البلدية مجاز الاياب بعد، على الرغم من الحوادث الكثيرة.

لا تشوّه صورةُ الجواميس النافقة على الطريق المشهد كله، ولا يتوقف سائقو الشاحنات الخارجة من الميناء في الليل امامها، الحيوانات الضخمة السوداء المسكينة، تدهسها المركبات وتمضي مسرعة، فهي كثيراً ما تُشاهد خارجة من الوحول، ذاهبة اليه، يتركها بيد الله والظلام أهلها المعدان، الذين استوطنوا الأرض هنا ، فهي تقضم العشب آمنة وتنزل المخاضات فرحة، تقطع طريق النهار لكنها لا تقطعة في الليل، ساعة أوبتها إذا ضلت طريقاً الى زرائبها، حيث يبحث عنها أصحابها خلف الأكمات، وبين الشواطئ التي ينخرها الماء دائماً.

لم يعد معظم سكان الفاو بعد نهاية الحرب، التي التهمت عقد الثمانينيات كله، الفقراء الفلاحون منهم جاءوا حسب، أولئك الذي لم يجدوا مأوى لهم في المدينة المزدحمة، فهم الغالبية التي عادت، غرسوا النخل، واعادوا سقوف منازلهم، كوّفوها بالطين والجذوع، وبالحديد الذي خلفته الحرب أقاموا الخشب والقصب والجريد عليه، ليصبح زرائب حيوانات مرة ومساكن لهم مرة ثانية، في مناوبة بيئية، يشترك فيها الانسان مع الحيوان مع الخنازير الوحشية، ومع الوشق(القط البري) مع الغريب من الطير، المفترس منه، الذي غالباً ما يهبط من شاهق، فيلتقط معزى حديثة الولادة، أو فرخ إوز، أو حتى ثوب امراة أخضر على حبل غسيل.

قد لا أحصل على بغيتي كاملة في الصيد، ساعة أرمي صنارتي في النهر، فالماء مختلف عنه في ابي الخصيب، هو يأتي بغالبه من الكارون، في مدٍّ سريع وينسرح في جزر أسرع، وبذلك، لا يمنحني الفرصة كيما أملأ سلال روحي بالسمك الذي أحب، لذا، اكتفي بالجلوس لساعات وساعات، على الشطآن التي يلتهمها الماء، وتحت الاشجار الشحيحة، إذا دهمتني الشمس في الصيف، أو لحقني المطرفي الشتاء، أصغي لوجيب روحي، أردد أبياتاً من شعر لا أنسبه لأحد، اتلمس لوحات بألوان لا تحصى، لكنني لا أعرف أصحابها، اسمع موسيقى، لكنني لا أرى آلات كثيرة. في أرخبيل الماء الجميل هذا، في الفاو، حيث لا يعرف بي أحد، ثمة حياة لا أبارحها طويلاً، فانا ذاهب وعائد ما حييت.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top