الإقالة والاستقالة وأثرها في خلو منصب رئيس مجلس الوزراء في ضوء نصوص الدستور العراقي1-2

آراء وأفكار 2019/12/07 07:51:40 م

الإقالة والاستقالة وأثرها في خلو منصب رئيس مجلس الوزراء في ضوء نصوص الدستور العراقي1-2

القاضي سالم روضان الموسوي

إن حداثة التجربة الديمقراطية في العراق والظروف التي كتب بها الدستور، ألقت بظلالها كثيراً على الحياة العامة ومنها السياسية والاقتصادية في العراق،

حيث ظهرت حالات كان الدستور عاجزاً عن معالجتها مما أدى إلى اللجوء للتفسير والتأويل وتطويع النص تجاه مطلب محدد، وكثرت الاجتهادات التي أدلى بها أهل الاختصاص في الفقه الدستوري، وكذلك الاجتهادات ذات الصبغة السياسية التي أدلى بها السياسيون في الساحة العراقية ومنها ما تم حسمه عبر قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي كان لها الدور المهم والمؤثر في صياغة شكل الدولة في ضوء المعطيات الدستورية عبر قرارات عديدة، وفي هذه الأيام تكررت حالة من حالات الفراغ الدستوري، والمتمثلة باستقالة رئيس مجلس الوزراء، حيث لم يرد نص في الدستور لمعالجتها أو معالجة أثارها، مما دعا الكثير من المختصين في الفقه الدستوري إلى إعطاء آراء وأفكار متباينة في كيفية المعالجة قياساً على متوفر من نصوص دستورية ، وهذه الأفكار جميعاً محل احترام وممن الممكن أن يعتد بها حسب أهواء طالبها، لأن فيها رؤيا مستمدة من النص الدستوري، وأنا مثل سائر من كتبوا للبحث عن سبيل الحل الدستوري، سأعرض الموضوع من جهة تحديد المفاهيم الدستورية التي كانت محل النقاش والمتمثلة (بالإقالة والاستقالة ، وكذلك مفهوم خلو المنصب) لأن الكثير يرى إن من أثار الاستقالة هو خلو المنصب ومن ثم تطبق أحكامه التي وردت في الدستور ، لذلك سيكون العرض على وفق الأتي : 

أولاً: إن طبيعة نظام الحكم في العراق هو نيابي بمعنى أن يتولى مجلس النواب تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء عبر الآليات التي رسمها الدستور العراقي لعام 2005 النافذ، حيث ورد فيه شكل النظام في العراق بأنه برلماني اتحادي وعلى وفق المادة (1) من الدستور التي جاء فيها الآتي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق) وفي المواد التي عالجت تشكيل المؤسسات الدستورية تعود جميعها إلى مجلس النواب بالصلاحية على التعيين أو المصادقة، لذلك فان تسمية رئيس مجلس الوزراء يكون عندما ينال ثقة مجلس النواب، لكن ماذا لو حصل فراغ في منصب رئيس مجلس الوزراء بسبب الاستقالة أو الإقالة، نجد إن الدستور عالج موضوع الإقالة والمقصود بها (سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء) على وفق أحكام المادة (61/ثامناً/ج) التي جاء فيها الآتي (تُعدُ الوزارة مستقيلةً في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء) وفي هذا النص نجد إن الدستور قد أعطى وصف لسحب الثقة بان نتيجته هو اعتبار الوزارة مستقيلة ولم يذكر بأنها مقالة، بمعنى إنها من حيث النتيجة بمثابة الاستقالة.

ثانياً: إن انتهاء عمل رئيس مجلس الوزراء بموجب النظام النيابي يكون في حالتين، إما الإقالة وهي التي تسمى (سحب الثقة) وعلى وفق ما أشرت إليه، وإما الاستقالة التي لم يرد لها ذكر في الدستور العراقي النافذ، ولبيان الفرق بينهما لأن موضوعهما أصبح حساساً لاختلاف الأثر الذي يترتب عن وصف ترك رئيس مجلس الوزراء لعمله، حيث نرى وكما يرى آخرون وجود تباين بين استقالة رئيس الوزراء، وبين إقالته من مجلس النواب، سواء في الأثر الدستوري أو في غيره، لذلك لابد من توضيح المفهومين والفرق بينهما وعلى مقدار حاجة البحث وعلى وفق الآتي : 

1. الإقالة: إن مفهوم الإقالة ، هو إنهاء عمل رئيس الوزراء بإرادة خارجة عن إرادته ورغماُ عن إرادته الشخصية، وتسمى في بعض القوانين الدستورية والإدارية (الإعفاء) وحتى في اللغة فان عبارة (الإقالة) تأتي بمعنى الإبعاد والإعفاء، أما في الفقه الإسلامي فإنها كانت تسمى (الخلع) أي خلع الحاكم أو الخليفة أو السلطان رغماً عن إرادته إنْ توفرت مصالح المسلمين، وبذلك نخلص إلى أن الإقالة هي التي تؤدي إلى إعفاء أو إنهاء عمل رئيس مجلس الوزراء بوظيفته دون رضاه، ويعتبرها فقهاء القانون الدستوري بأنها عقوبة له من جراء الاستجواب وثبوت تقصيره على وفق ما يراه أعضاء مجلس النواب، لذلك نجد أن الدستور العراقي لم يتطرق إلى مصطلح إقالة رئيس مجلس الوزراء بشكل صريح ، إلا انه أشار إليها ضمناً عند عرضه لموضوع سحب الثقة التي عرفها الفقه الدستوري بأنها الآلية التي يمكن فيها للناخبيـن أو من يقوم مقامهم (أعضاء البرلمان) إنهاء فترة إشـغال المسؤول المنتخب لمنصبه قبل انتهاء المدة الدستورية وعلى وفق ما ذكره أوليفيه دوهاميل و ايف ميني في كتابهم الموسوم (المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الأولى عام 1996 ـ ص 93) وفي الدستور العراقي نجد إن إقالة رئيس مجلس الوزراء تكون عن طريق سحب الثقة عنه عبر الآليات التي رسمتها المادة (61) من الدستور، والأثر المترتب عنها يكون باعتبارها (حكومة مستقيلة)، واقف عند هذه العبارة عندما ورد باعتبارها (مستقيلة) وليس (مقالة) لأن علم الصياغة التشريعية اهتم كثيراً في اللغة التي يكتب بها النص القانوني أو الدستوري وصيغة النص يقصد بها التعبير بالألفاظ عن الصور الذهنية وهي المعاني، فاللفظ هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله، ومن أهم الوسائل الرئيسة المباشرة لاستخراج الحكم من النص هو الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية ، وهو ما يسمى بدلالة المنطوق ويرى بعض الكتاب بأن المشرع عندما يستعمل ألفاظاً معينة، إنما يستعملها في معناها الخاص لا في معناها الدارج هذا ما أشار إليه الدكتور محمد شريف أحمد بكتابه الموسوم (نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1980ـ ص64) لذلك لابد من مراعاة التسمية الواردة في نص البند (ج) من الفقرة (تاسعاً) من المادة (61) التي جاء فيها الآتي (تُعدُ الوزارة مستقيلةً في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء) وهذا يقودنا إلى أن أثر سحب الثقة وهو (الإقالة) ذات الأثر (للاستقالة) التي سيرد شرحها لاحقاً ويرى أحد الكتاب بان الإقالة تكاد تكون سمة الأنظمة المستبدة حيث يقول (الإقالة فلا أرى لها إلا معنى واحدا تلخصه كلمة “الاستبداد” وتتفرع عنه معاني الإقصاء والتهميش و الحِجْــر والاحتقار والإهانة والظلم، ويشعر المستبد –عندنا- بالزهو والنشوة عندما “يزف” خبر الإقالة الى بعض أعوانه ، وقد يكبر غروره واعتزازه بقوته ونفوذه ، فيتخير للحدث ،حدث الإقالة ، أوقات تضع المُقال في موقف الذليل المهان) بينما يرى (بان الاستقالة في أعراف الدول الديمقراطية عنوان عريض يختزل وعي أمة وضميرها فهي تعني ،الحرية أولا وقبل كل شيء ، حرية اتخاذ القرار الذي يراه الفاعل مناسباً .. وتعني الإرادة النابعة من قناعات مقدسة وتعني التعقل المبني على رزانة وروية وتعني الشجاعة في اتخاذ قرار والاستعداد لتحمل مسؤولياته وتعني أيضاً التسليم والاعتراف بالفشل أو عدم القدرة على تحمل مسؤولية وهذا ما يسمى في العرف : الشجاعة الأدبية ( 

2. الاستقالة : تعرف الاستقالة بأنها طريق لإنهاء صلة المستقيل بعمله الوظيفي بصورة إرادية وفي معاجم اللغة العربية نجد أن معنى الاستقالة هو (طَلَبُ الإِعْفاءِ مِنَ الْمَنْصِبِ ، تَرْكُهُ ، اِعْتِزالُهُ ، او التَّنازُلُ عَنْهُ) ، ويلزم أن تكون الاستقالة خالية من أي قيد أو شرط وينصرف معناها إلى إبداء الرغبة التحريرية بترك العمل بشكل نهائي، ويذكر إن مفردة (الاستقالة) وردت في الدستور العراقي لمرتين فقط الأولى تتعلق بأعضاء مجلس النواب على وفق ما جاء في المادة (49/خامساً) التي جاء فيها الآتي (يقوم مجلس النواب بسنِ قانونٍ يعالج حالات استبدال أعضائه عند الاستقالة أو الإقالة أو الوفاة) والثانية تتعلق برئيس الجمهورية على وفق أحكام المادة (75/أولاً) التي جاء فيها الأتي (لرئيس الجمهورية تقديم استقالته تحريرياً إلى رئيس مجلس النواب، وتُعد نافذةً بعد مضي سبعة أيام من تاريخ إيداعها لدى مجلس النواب) بينما لم يتطرق الدستور إلى استقالة رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، وهذا الأمر خلق نوع من الإرباك الدستوري عندما قدم رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته، وحصل الخلاف في عدة نقاط منها (1- إلى من تقدم الاستقالة وهل يشترط لها القبول 2- ومن هي الجهة التي تقبلها 3- وماهية الأثر تجاه الحكومة) وهذا فتح الباب على مصراعيه للتأويل والتفسير والاجتهاد لكل كاتب وحسب اختصاصه ومشربه العلمي والفكري والأيدلوجي أحياناً، وتعتبر هذه من المآخذ على الدستور حيث وضعنا أمام فراغ دستوري بكل ما للمعنى من كلمة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top