د. مهند البراك
فيما أعادت انتفاضة تشرين/اكتوبر بأيام معدودات و بقوة، الروح العراقية القائمة على الوحدة الصلدة للتنوع العراقي،
بعد أن كسرت حاجز الخوف و الصمت الذي استمر ستة عشر عاماً، التنوع القومي و الديني و المذهبي و الثقافي المتفاعل الذي شكّل الأساس في قدرة الشعب العراقي على التغيير.
داعية الى استلام الكفوئين النزيهين، الحريصين على مصالح البلاد، استلامهم للمهام الحكومية ممن تزخر بهم البلاد، و على أساس المواطنة و الإنتماء للهوية العراقية، بغض النظر عن الانتماء الاثني و الديني و المذهبي و الطائفي و سواء كانوا رجالاً أو نساءً . . داعية الى إلغاء نظام المحاصصة اللادستوري، الذي صار و كأنه هو النظام الحاكم.
في وقت يشير فيه العديد من المتابعين و الوجوه الاجتماعية، الى أن المحاصصة اتُّخِذَت إثر سقوط الدكتاتورية كعُرفٍ لا أكثر، بمعنى مشاركة كل أطياف الشعب العراقي في الحكم للوقوف أمام نزعة احتكار السلطة الدكتاتورية المنهارة، و كبديل لنزوعها الى الاعتماد على (طائفة سنيّة) واحدة حمّلها حينها اسم (الطائفة المنصورة).
و يشير آخرون الى أن اتخاذ ذلك العُرف، جاء للوقوف أمام نزعات الاحتكار و الهيمنة على كل الحكم إثر سقوط الدكتاتورية، الهيمنة من قبل (أحزاب التيار الإسلامي الشيعي المعارض لصدام) باطرافه، مستندة الى تحريض و دعم دوائر حاكمة في الجارة إيران لها، ضاربة عرض الحائط إرادة التيارات المعارضة الأخرى من كل أنواع الطيف العراقي التي نشطت في معارضة صدام، و قدّمت تضحيات فلكية على طريق اسقاط الدكتاتورية.
و بأنواع الخدع و وسائل العنف و الصدامات الطائفية التي هدف القائمون عليها أما للعودة الى نظام الدكتاتورية، و إما الى احتكار السلطة الجديدة لهم وحدهم بتوظيف (مظلومية الشيعة) و (البيت الشيعي) لذلك، فسارت أحزابهم الى إفراغ محتوى مشاركة الجميع، بالدخول خلسة و بالتهديدات و بمواجهة الاحتجاجات الشعبية بالرصاص و بأنواع العنف المفرط، و سيطروا على مختلف مرافق الحكم بعد تطويع كتل المحاصصة لهم، باشراكها معهم و غض نظرهم عن أنواع الفساد الإداري الحكومي و أنواع السرقات و كومشنات العقود الحكومية الفلكية.
حتى صارت المحاصصة و بعبورها للكتل الطائفية، بالتشارك بالفساد و السرقات و بشتى الطرق، و كأنها هي الكتلة الأكبر في البرلمان القائم و في اللجان و الهيئات المستقلة و في الدولة، و كأنها القاعدة الوحيدة للحكم، و صار رؤساء الكتل و الاحزاب الحاكمة بقيادة حزب الدعوة و بالاستناد الى عنف أنواع ميليشيات الحشد الحكومي / الإيراني الطائفية و العائلية العشائرية المتخذة من اسم الحشد الشعبي غطاءً، حتى كوّنت ما دُعي بـ (الدولة العميقة) التي تحكم و تقرر سراً، التي جعلت من مؤسسات الحكم و الانتخابات و كأنها واجهة كرتونية للحكم الفعلي، وفق تصريحات برلمانيين و مسؤولين سابقين، و وفق ماتتناقله وكالات انباء دولية مستقلة.
فادّت الى إفراغ مؤسسات الحكم من جوهر وجودها، و الى عدم قيامها باعمالها لتحقيق ما انتظره الشعب منها (لعدة اسباب على رأسها الفساد و سباق الرشاوي)، حتى ضاعت أنواع الخدمات اليومية من الكهرباء و الماء الصالح للشرب، و الى الحق بالعمل و الصحة، و حقوق أجيال عديدة بالعيش الكريم في وقت تصاعد فيه الفقر الى درجات لم تعشها من قبل البلاد التي تعتبر من أغنى بلدان العالم . . و ضاع الوطن !!
و فيما أدّت انتفاضة تشرين البطولية الى كشف الكثير من مساوئ نظام المحاصصة القائم و الى التأكيد على وجود من يتصدى له، تحدّث و يتحدّث منتفضون في وسائل الإعلام الداخلية و العالمية على ضرورة إلغاء نظام المحاصصة القائم الذي شكّل و يشكّل الإساس القوي للفساد و الطائفية المقيتة . . و يدعون الى الالتزام الدستوري بالسير على طريق التبادل السلمي للسلطة، الذي يؤكد عليه الدستور في عدة ابواب و فقرات.
في وقت ادىّ فيه نظام المحاصصة المقيت، البعيد عن التمثيل الحقيقي للشعب مصدر السلطات، أدىّ الى خسارة النظام الحاكم لثقة الشعب بالانتخابات وفق قوانينها التي اعتُمدت و الذي يعني خسارته للشرعية الدستورية، بل و أن اعتماده على العنف المفرط لمطالب المتظاهرين و مواجهته لهم بأنواع العنف و الاختطاف و التعذيب و الخدع، راح ضحيته اكثر من 500 شهيد و 20 الف جريح و معوّق وفق إحصاءات لايرقى لها شك، في أكثر قليلاً من شهر واحد حتى الآن، نظام لايمكن أن يكون في الواقع الاّ نظاماً دكتاتورياً قد يفوق دكتاتورية صدام البائدة.
اترك تعليقك