هادي عزيز علي
النظام السياسي هذا ولاّد للأزمات والتي أوصلتنا لما نحن فيه ، وعندما تنشر الأزمة ونقدم التضحيات ويتخلف البلد تشكل اللجان التحقيقية لهذا الغرض حتى صار هاجساً عند العراق
أن تشكيل تلك اللجان يعني الامتناع عن طرح الحلول والأمثلة على هذا الوضع كثيرة نذكر منها على سبيل المثال : جريمة سبايكر ودخول داعش وقتل المحجين من خلال مراهنة السلطة على عامل الوقت لنسيانها ، واستمر هذا الوضع المدمر الى يومنا هذا مع استمرار نزيف الوطن والمعاناة المستمرة للمواطنين .
مجزرة الخلاني والحكومة – التي لا تستحق شرف تصريف الأعمال حتى – فمن أمام مفارزها مرت السيارات بأفرادها المدججين بالسلاح بما فيه المتوسط من دون اعتراض ، ومن قواطعها الحكومية الكهربائية أطفئ النور عن الساحة لكي يتمكن القتلة من قتل وإصابة أكبر عدد من الشباب أولاً ولإخفاء هويتهم ثانياً ، وحسبما يعرف أن القوى الأمنية المكلفة بحماية المحتجين كانوا من دون أسلحة أي أن هذه القوى لا حول لها ولا قوة ولن تستطيع ردع المسلح القادم للقتل ، خاصة وإن بعض الأفراد من القوات الأمنية قد قتلوا فعلاً . ثم يغادر القتلة الساحة باسترخاء ومن دون أن يرف لهم جفن لينكشف الوضع عن مجزرة رهيبة لعدد القتلى والجرحى ، وهنا ينهض وزير الداخلية معلنا عن تشكيل لجنة تحقيقية لمعرفة أسباب الحادث والقائمين به . ولا نعرف كم من الوقت الذي يكفي لهذه اللجنة من أداء عملها والخروج بالنتائج المطلوبة .
هذه المجزرة وقبلها مجزة الناصرية ثم النجف وسواها من الاعتداءات الأخرى في مناطق الوسط والجنوب هزت الضمير العالمي بعنف فكانت الشجب والاحتجاج على هكذا سلوك في اشد لغة كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وانكلترا وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية والسفير الكندي ومنظمة العفو الدولية والبيان المشترك لسفارات بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وسواها من البيانات ونداءات الشجب العديدة التي انطلقت في العديد من ارجاء العالم .
ولقد شكل هذا المنحى الدولي صوتاً معارضاً لكل ما يتعرض له الاحتجاج السلمي من قوة مفرطة لا لشيء إلا لانهم أرادوا الإمساك بالوطن وانتزاعه من شلة الفاسدين والقتلة . فقد توصلت تلك الأطراف الدولية الى قناعة تامة بأن السلطات العراقية عاجزة عن حماية مواطنيها تماماً لا بل إنها تعد ميسرة لحملات القتل والأذى بحق المحتجين . وخالفت أحكام الدستور الذي طالما تبجحت به فقد كانت أداة قمع للشعب العراقي خلافاً لحكم المادة 9 \ أولاً منه وسمحت للمليشيات المسلحة خلافا للفقرة ( ب) منها . وانتهكت حق الحياة الذي كفلته المادة 15 منه . وانتهكت حرمة المساكن باختطاف ساكنيها من الشباب خلافاً للمادة 17 \ ثانياً منه وعلى مرآى ومسمع العالم أجمع .
كل هذه الأفعال المشينة والممارسات القاسية تجعل المجتمع الدولي مطالب بموقف حازم لما تقوم به السلطات من عنف مفرط تجاه الشباب الثائر ولزوم ايقاف المذبحة باسرع وقت ممكن والقصاص العادل من الجناة ، لأن تلك الممارسات اصبحت لا تنسجم ومقاصد الامم المتحدة النازعة نحو السلم والامن الواردة احكامها في المادة الثانية \ رابعاً من ميثاق الأمم المتحدة . وإن من يرى أن التدخل الإنساني مثار جدل قانوني لأن الرافضين له يتمسكون بسيادة الدول ولا يجوز التدخل في الشؤون الداخلية للدول فأن سيادة الدول هذه بمفهومها التقليدي الذي يتمسك به من يقبض على السلطة فاته أن مبدأ السيادة في زمن العولمة يختلف عما كان عليه يوم كتب ميثاق الأمم المتحدة - 1945 - ، فدونهم المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية اللاحقة لصدور الميثاق ، فضلاً عن الفضاء الافتراضي الذي قضم العديد من المفاهيم العتيقة المتعلقة بمفهوم السيادة ، وأزاحت العديد من الحدود حتى أصبح العالم قرية كما يقال.
السلطة مساهمة في الفعل المنسوب للقتلة والسلطة التشريعية مرتبكة من جانب عاجزة عن فعل أي شيء من جانب آخر ، فلجانها الأمنية والخدمية الموزعة بإحكام تحت أجندات القادة السياسين يشوبها عدم الانسجام والتطاحن مما يجعلها غير قادرة على على اتخاذ القرارات المطلوبة أو إيجاد الحلول للمشكلات القائمة . فالمنظومة السياسية المشكلة من الأحزاب السياسية تدافع عن مكاسبها ولو بطريق غير مباشر وتتمسك بالسلطة وبأصرار تام ، مع الانتشار الواسع للعديد من المليشيات المسلحة المنضوية تحت مسميات مختلفة . وامام هذا الوضع فان تضحيات الشباب يومية ولا مناص والحالة هذه ومن اجل توفير الحماية لهم من البطش لا بد من قوة دولية تابعة للامم المتحدة ان تاخذ على عاتقها حماية المحتجين بعد القناعة التامة بانعدام الرجاء من الحكومة والنظام السياسي بشكل عام في توفير الحماية لهم . اوغياب او انعدام الحلول الوطنية التي يمكن أن تأخذ على عاتقها الوصول بالبلد الى بر الأمان .
إن وجود الحماية الدولية للمحتجين لا يعني فرض الوصاية على العراق ولا يجعل البلد تحت حكم الانتداب ولا يمكن وصفه بانه احتلال . بل هو التدويل ، المقصود به قيام الأمم المتحدة بإرسال جنودها الى العراق للوقوف بوجه الممارسات القاسية التي تقوم بها الحكومة أو تسمح للغير بالقيام بها ضد المواطنين بشعاراتهم السلمية ومن خلال حرية التعبير المكفولة لهم بموجب الأحكام الدستورية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي كان العراق ولم يزل طرفاً فيها ومبثوثة في العديد من تشريعاته النافذة . ومعلوم هكذا قوات تتبع للأمم المتحدة ترسل الى بلدان أخرى ضمن وظائف محددة لا يجوز تجاوزه . فعلى سبيل المثال إن قوات الأمم المتحدة الموجودة في جنوبي لبنان جاءت بوظيفة محددة وهي مراقبة الحدود الجنوبية في لبنان مع العدو الصهيوني ولم يطلق على هذه القوات بانها قوات احتلال مطلقا لاختلاف التوصيفين .
لذا فان وقف حمام الدم الذي يتعرض له شبابنا وانفلات المليشيات المسلحة يجعل الضرورة ملحة لدعوة جنود الامم المتحدة لوقف ذلك . وإلا فان نزيف الدم مستمر ضمن الأوضاع الحالية ولا نهاية له في الأيام المنظورة القادمة .
اترك تعليقك