... والجرحُ الوطني ما يزالُ ينزفُ مَنْ يقودُ الإصلاحَ السياسي ؟ (2-2)

آراء وأفكار 2020/01/21 08:27:11 م

... والجرحُ الوطني ما يزالُ ينزفُ  مَنْ يقودُ الإصلاحَ السياسي ؟  (2-2)

 رضا المحمداوي

-وإذا كانت الكتل والأحزاب الإسلامية السياسية الكبيرة التي فازتْ وحجزتْ مقاعدها في مجالس المحافظات ( قبل إصدار أمر ألغائها والابقاء على المحافظ ونوابه )

تُشكّلُ الغالبية السياسية في مجتمعات تلك المحافظات الفقيرة حضارياً وعلى جميع المستويات، فمن أين إنبثقتْ تلك الجماهير الغاضبة التي صبّتْ جامَ غضبها على مباني ودوائر تلك الحكومات المحلية ، وقامت كذلك بحرق وتدمير وتخريب رموز ودلالات تلك الحكومات ومؤسساتها الرسمية وكذلك مكاتب ومقار وعناوين تلك الاحزاب الاسلامية؟

والسؤال الإشكالي الآخر : مَنْ قام بإنتخاب تلك الأحزاب والكتل السياسية وقادها الى مراكز الحكم وصنع القرار في محافظاتها ؟ ومَنْ أنتفض ضدها في مرحلة لاحقة ؟

ثمة إشكالية سياسية كبيرة تعاني منها تلك المحافظات -إضافة الى المركز بغداد- تتجسّدُ لنا في جدلية التزكية وقبول الترشيح للوجوه والشخصيات السياسية المتصدرة لخوض غمار العملية السياسية في بادئ الامر ، ومن ثم وبعد مدة قصيرة تبدأ عملية الرفض والإحتجاج لتلك الشخصيات التي تبوأتْ مناصبها وعناوينها ..

هذه إزدواجية سياسية شائكة لا نعرف سسيولوجياً كيفية تفسيرها والوصول الى أسبابها الحقيقية وجذورها وبيئتها الاجتماعية المنافقة التي تنتجها وتفرزها وتعمل كذلك على بقائها وإعادة إنتاجها .

وإزاء ذلك يمكننا التساؤل هل ستكون تلك الإزدواجية المُعطِّلة للفعل الجماهيري حاضرةً لتحَولَ دونَ إنتاج تلك الجماهير الرافضة والغاضبة لفعلها الذي يدعو لل(تغيير) ويسعى ل(إصلاح) وتصحيح مسارات الأخطاء والعيوب السياسية المتراكمة على مدى سنوات عديدة في الزمن المُتَخثّر لتلك المحافظات الصابرة المُنتظِرَة .

أخطاء متراكمة 

تضغط الأخطاء السياسية المتراكمة طوال السنوات التي أعقبتْ سقوط النظام السابق على أحزاب الإسلام السياسي التي خاضتْ لعبة الانتخابات الديمقراطية وابتكرتْ الأساليب والطرق والقوانين التي تحافظ على كياناتها ووجودها ، لا بل قد ضغطتْ تلك الأخطاء المتراكمة وزحزحتْ مكانتها وهزتْ عناوينها ، وأصابتْ يافطاتها الحكومية بالوهن والتشكيك وبعدها طعنتْ بمشروعية أجنحتها العسكرية التي عملتْ على إنشائها وتواجدها على الساحة العراقية .

وأحسبُ أن إنعدام الثقة بين المواطن العراقي المُسالم الأعزل الباحث عمَّا يوفر له إحتياجاته الخدمية اليومية وحقوقه الاساسية المشروعة بما يسمى ب(الحياة الحرة الكريمة ) وبين الحكومة المركزية والحكومات المحلية قد أدى الى إدارة تلك الحكومات لظهرها لذلك المواطن المسحوق فيما إنشغلتْ هي باليوميات السياسية الروتينة العقيمة غير المنتجة .

إنَّ ظاهرة إنعدام الثقة وإتساع مساحة الفراغ الفاصل بين الشعب والسلطة التشريعية والتنفيذية المُنتَخَبة من قبل الشعب نفسه ، إدتْ الى نشوء تلك الحركات الاحتجاجية التي لم تكنْ نزهة ً بريئة أو حدثاً عابراً في حياة المجتمع ، بل راح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى والمعتقلين ، وألحقتْ كذلك الخراب والتدمير والأضرار الجسيمة بممتلكات الدولة والبنى التحتية التي تعاني اصلاً من تدهور وأندثار مستمر .

والنتيجة النهائية التي نخلصُ اليها من تلك التجربة وبالوقائع والادلة والبراهين، وبلغة الواقع نفسه، ونسب الانجاز المتحقق على الأرض وعلى مدى سنوات عديدة ، هي الفشل، والإحباط ، وخيبة الأمل حيث ما زالتْ هذه الصفات هي سيدة المشهد العراقي المأزوم دائماً رغم الطابع الديمقراطي وغطاء الإنتخابات التي يوفر الشرعية الدستورية والقانونية بشكل تام.

فرضية المُكوِّن 

لقد ثَبُتَ بالتجربة والبرهان القاطع فشل نظرية أو فرضية إعتماد ما يسمى ب (المُكوِّنات الأساسية) للشعب العراقي في تأسيس وبناء النظام السياسي الجديد للدولة العراقية بعد 2003 والقائم أساساً على تقاسم السلطة بين المُكوِّنين الرئيسين ( العرب والاكراد) ومن ثم إنقسام العرب بين ما يسمى بلغة السياسة ب(المُكوِّن الشيعي) و(المُكوِّن السُّني)وإنقسم كذلك ( الاكراد) انفسهم الى حزبين رئيسين ، وإثر الخلاف التاريخي بين هذين الحزبين إنبثقتْ أحزاب أخرى تطالب بحصتها من السلطة والمناصب والنفوذ، وإنتقلتْ لغة المُكوِّنات، بعد ذلك، إلى ما هو أبعد عند إبتداع نظام المُحاصصة داخل المُكوِّن الواحد حيث التسميات والتقسيمات والانقسامات بين الأحزاب والكتل السياسية التي لا تنتهي وتجدد صورها وأشكالها بين فترة وأخرى ، هذا إذا أغفلنا لغة الاقليّات الأخرى التي بدأتْ تفرض نفسها في إطار نظام المكونات والمحاصصة .

وفي إطار نظرية (المُكوِّن) بجذورها القومية والدينية والطائفية بدتْ مؤسسات الدولة العراقية الرئيسة المُتمثّلة بالبرلمان الذي ينتخب الحكومة ووزارتها وجهازها التنفيذي ،وكأنها تعمل في فريق حكومي واحد من حيث المناصب والمكاسب والامتيازات والمغانم دون أن يكون لمفهوم( المعارضة) أيّ حضور أو تمثيل نيابي أو تشكيل سياسي ، وبالمقابل فإن تلك الكابينة الحكومية لا تتحمل مسؤولية ما حدثَ أو ما سوف يحدثُ نتيجة ً سوء الإدارة الحكومية لمستوى الحياة العراقية بكافة ملفاتها المتأزمة والمشكلات المزمنة وخاصةً سرطان الفساد الذي يعاني منه جسد الدولة العراقية المريض .

تلك الملفات والأمراض المُزمِنَة سرعان ما تطفو نتائجها على سطح الواقع العراقي وحركة المجتمع فيه لتبدأ الخلافات وتبادل التُهَم والتباين في درجة تحمل المسوؤلية إزاء ما يحدث بين الكتل السياسية وفريقها الحكومي إذ أن المتصدين والمتصدرين للواجهة الحكومية سرعان ما يتَّبعون مبدأ النأي بالنفس عن مسؤولية ما حدث لتبدأ مرحلة التسقيط السياسي والاستجوابات والاستضافات تحت قبة البرلمان التي يحتمي الجميع بظلها حيث تعود (العملية السياسية) وأحزاب السلطة الداخلة فيها الى لغة المكونات والمحاصصة ذاتها وهي بمثابة الحضن الدافيء الذي نشأ وترعرعَ الجميع فيه ولا يريد أحدٌ أن يتخلّى عنهُ أو يغادرهُ !

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top