د. لؤي خزعل جبر
الدولَة المُستَعارَة والأيديولوجيَّات المستورَدَة
الدولَة في العراق – مُنذُ أُسست – كانَت صنيعَة خارجيَّة، غير منبثقة ومتفاعلة مع الذات المجتمعيَّة، والأيديولوجيَّات اليساريَّة والقوميَّة والدينيَّة فشلَت في تقديم أنموذج فكري ودولتي عراقي،
وكانت ردود فعل على الاستعماريَّة، وقدَّمَت الأممي والعربي والإسلامي على العراقي . فكانَت الحصيلة : الفجوة بين المجتمع والدولَة، وغياب العراقويَّة، وبالنتيجة : اغتراب الذات السياسيَّة العراقيَّة .
قمَّة الإشكاليَّات البنيويَّة برزت في النظام الحالي، حيث بنية مصطَنَعَة، محاصصاتيَّة، فاسِدَة، انتهازيَّة، فارِغَة، تابِعَة، انتجت الدولة الأفشَل والأفسَد في العالَم، مع تفاوتات طبقيَّة كارثيَّة، وانهيارات دولتيَّة مُريعَة، وتهديدات لأعمق وأدق مفاصِل حياة الإنسان العراقي، حيث الفقر والموت والتهجير والبطالَة وتدهور الخدمات الأساسيَّة، وتغلغل الفساد – بشكله الكارثي – في كل المؤسسات، وضياع الثروات الهائلة بطريقة فضائحيَّة، وهيمنة قوى ما قبل الدولة وقوى خارج الدولة على البنية السياسيَّة .
السوسيولوجية العميقة والعقليَّات الجديدة
الذهنيَّة التقليديَّة، السائِدة، الشعبيَّة والأكاديميَّة، لا تنفُذ إلى البنية الاجتماعيَّة العميقة، لا تنظُر إلى ما يعتمِل في القاعِ النفسي الاجتماعي للمجتمع، وكيفيَّة تحول الأنساق المعرفيَّة الثقافيَّة العالميَّة والمحليَّة، وبروز الخطابات العقلانيَّة النقديَّة، إذ يشهد العالم تحولات منهجيَّة، مِن التاريخ السياسي إلى التاريخ الاجتماعي، مِن الأنساق المُعلَنَة إلى الأنساق المضمرة، مِن البَطَل إلى الفرد الاعتيادي، مِن الكُبريات الإعلاميَّة إلى اليوميات الشعبيَّة، مِن السياسة إلى علم النفس الاجتماعي، كما يشهد تحولات ثقافيَّة، الأطر التواصليَّة، والعقليَّة الحداثيَّة، والحركات الاجتماعية الجديدة، تجلَّت في جيل جديد، لا أيديولوجي، لا قداسوي، عفوي، مساواتي، فاعِل، يمكن أن يحقق هيمنة ثقافية عبر تكريس خطاب قيمي خارج السلطات التقليدية .
الاحتجاجات العراقيَّة والخطابات المُتصارِعَة
انبثاق الاحتجاجات العراقيَّة التشرينيَّة يمثِّل وصول الإشكاليَّات البنيويَّة في الدولة والمجتمع والإنسان في العراقِ إلى الذروة، فهي تعبيرٌ عن تراكُم قرنٍ من القطيعة، والتدهور، والصراع . فولدت جملة خطابات متصارعة في تفسيرهِ وتأطيرِهِ والتعامل معه .
(1) السلطوي
الباعِث : المَنفَعَة : التوق تحصيل أقصى مقدار من المتعة / المُمثلون : الحاكِمون : الشخصيات ذات المناصِب، والمنتفعونَ، والساعون / التفكير : أحادي احتيالي : معي أو ضدي، بتقنيات التلاعُب السلطوي / الهويَّة : مصلحيَّة : تقدير الذات المنبثق من الانتماءِ لجماعة مسيطرة نافذة، وما يرافقه من مكانة وامتيازات وقوَّة / القوَّة : الإمكانيَّات الحكوميَّة : المال والسلاح والإعلام والمؤسسات الرسميَّة القانونيَّة والخدميَّة / التصنيف : شخصي تجريمي : خونَة، لصوص، مُندسون، يربكون الحياة الطبيعية، ويخربون الممتلكات والمؤسسات، وينفذون مؤامرات مُغرِضَة / السلوك : العُنف الفعلي : القوات المسلحة، الإجراءات الضابطة، القوانين الصارمة.
(2) الأيديولوجي
الباعِث : الهيمَنَة : التوق لتفادي التهديد والتحرر من الخوف / المُمثلون : العقائِديون : الشخصيات المؤمنة بفكرة أو شخصيَّة معينة / التفكير : أحادي دوغمائي : معي أو ضدي، بمحددات المنظومة العقائديَّة / الهويَّة : عقائديَّة : تقدير الذات المنبثق من الانتماءِ لجماعَة مقدَّسة، وما يرافقه من إمكانيات هيمنة / القوَّة : الرمزيات القداسيَّة : الارتباط بالمتعاليات، والنظم الثقافية والاجتماعية القائمة على ذلك الارتباط / التصنيف : شخصي تكفيري : جَهَلَة، منحرفون، متهتكون، يستهدفون للدينِ والمَذهَب، وضربٌ للقيم الدينيَّة، ويدعون للحرية المنفلتة، والتفكك الاجتماعي / السلوك : العُنف الرمزي: النصوص المقدَّسة، والأُطر الفكريَّة والاجتماعيَّة .
(3) العلمي
الباعِث : المعرِفَة : التوق لتحقيق الاستيعابِ الكامل للعالَم / المُمثلون : الباحثون : المتخصصون في العلوم الاجتماعيَّة / التفكير : دينامي تقني : خارج الثنائيات، بمنهجيات البحث العلمي / الهويَّة : أكاديميَّة : تقدير الذات المنبثق من الانتماء لجماعة معرفية، باحثة عن الحقيقة بطرائِق مضبوطة / القوَّة: الحقيقة العلميَّة : الواقع الموضوعي المنكشف من البحث العلمي بصورة دقيقة / التصنيف : واقعي وصفي : أفراد، جماعات، سياقات، ظاهرة اجتماعيَّة ذات أبعاد وديناميات متعددة وعميقة، تاريخية واقتصادية وسياسية / السلوك : التحليل الاجتماعي : الوصف والتفسير، والكتابة والنشر .
(4) الإنساني
الباعِث : الحُب : التوق للاندماج الإنتاجي بالآخر، عبر الاهتمام والمعرفة والتقدير والرعاية / المُمثلون : المُثقَّفون : المهتمون بالإنسانِ والمجتمع والقيم الجوهريَّة / التفكير : دينامي أخلاقي : خارج الثنائيات، بمحكات القيم الشاملة / الهويَّة : إنسانيَّة – وطنيَّة : تقدير الذات المنبثق من الانتماء للجماعة الانسانيَّة، والاغتناء بالثقافات المتنوعة، والذاكرة المشتركة / القوَّة : الحقيقة الإنسانيَّة : الاصطفافِ مع قيمة الإنسان وسعادته ومعاناته وحريته واستقلالِه / التصنيف : واقعي نقدي : بشر، قيم، مطالبات مُحقة بالعدالة والحريَّة والدولتيَّة، مشوبَةٍ بممارسات سلبية مفهومَةٌ ومرفوضَة / السلوك : التنوير النقدي : تعرية الخطابات السلطوية والإيديولوجية
اترك تعليقك