أسبريسو: مشقّة العيش معهم

علي وجيه 2020/02/25 08:44:42 م

أسبريسو: مشقّة العيش معهم

 علي وجيه

سابقاً كنتُ أشفقُ على الأغبياء، وغادرتُ هذا الشعور منذ فترة ليست بالقصيرة، فلا عذرَ لغبيّ في زمن الأنترنيت، ولا عذر لجاهل، إلاّ إذا كان جهلُهُ طبيعةً، وهو مصرٌّ على البقاء غبياً، يكتفي بالأكل والنوم والتغوّط كأيّ حيوان.

البشرُ متساوون إنسانياً، لكنهم حين يبدأون النطق والتعلم، هنا لا يعودون متساوين، لأن الأمر يعبر المستوى الإنساني ليصل إلى المستوى الثقافي، وهذه الأمور تنطبق على التصرفات والسلوكيات، والمنطوقات، وما يتم فهمه وقراءته وغيرها، وما نتحدثُ عنه هو أنّ هذا الفرد، "الكوروني"، الفايروسي، لا يكتفي بتخريب حياته، وإنما تخريب فضاءات الآخرين ومساحاتهم.

ما الذي يقدّمه لنا النظام التعليمي؟ وطرائق التعليم؟ دعونا من زمن الديكتاتورية، ما الذي قدّمه التعليم العراقي للتلميذ، ثم للطالب، وللجامعيّ؟! أنت محظوظ إن لم تبقَ على العَوَق الدراسي، وبدأت تبحث عن مصادر ثقافة أخرى، لكن الأغلب لا يفعلون، يصل حتى صورة التخرج من الجامعة وهو لا يُجيد الإملاء، ولا اللغة، ولم يطّلع على أيّ كتاب عدا الكتب المدرسية التي يحشرها في رأسها حشراً لينجح.

النظام التعليمي، يسلّم هؤلاء، وليس جميعهم طبعاً، إلى الشارع، بكلّ عقائده وانفلاتاته، طائفيّته وسلاحه، وهو يأتي محاولاً بأيّة طريقة اختراق المجتمع ليتميّز به، مع كبتٍ جنسي ليست له نهاية، وعكس نشأة جميع شباب العالم المتطوّر، ينمو مشوّهاً، ويصبح جزءاً من السمّ الموجود في الشارع، فرداً من رعاع أخذوا البلاد الى هاوية لا تنتهي.

من المتحكم بالشارع؟ حذّر سقراط من حكم الرعاع، وكان سبباً من أسباب انتحاره، والرعاع يتناسلون، موسيقاهم نفايات الإيقاع، لغتهم الشتيمة، وتفكيرهم الجنس، أعداء الحمّامات العامة، وجدران المدارس، والمتنزهات، وهؤلاء هم نفسهم الذين يختارون قيادات البلد، فلا يختارون إلاّ أشباههم من السياسيين، أكثرهم لؤماً وتفرقةً ودماً.

وبعد أن تنتقل من محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تكون ذلك الصوت الصغير أمامهم، وهم يسيّرون ما يشاءون كما يشاءون، ليس الرعاع مَن لم يتعلم فحسب، بينهم أكاديميون، وكتّاب، وشعراء حتى، وأطبّاء، ومهندسون، لكنهم مصرّون على أن يكونوا الدرك الأسفل من المجتمع.

"كذي جرَبٍ يلتذُّ بالحكِّ جلدُهُ"، كما يقول الباروديّ، يستمرئون كلّ الأوضاع الحيوانية التي نمرّ بها، كل الموت الذي يحيط بنا يتحوّل إلى قيمةٍ عليا، السرقات هي "إثبات وجود"، والنفايات، وعدم وجود الماء الصالح للشرب، والأمن، هو واقعٌ عليك أن تتعايش به.

في الفترات القليلة التي نمدّ فيها رؤوسنا خارج بالوعة الرعاع، نجد بلدان الدنيا وقد عاشت بطريقةٍ طبيعية، المفارقة أن الرعاع نفسهم هؤلاء يأتون ليلعنوا البلاد لأنها لا تشبه البلدان الأخرى، وهو مستمرٌّ بتحطيم البلاد وما عليها، بل ولا يسمح لك حتى بالاعتراض.

هؤلاء الرعاع، سَقط المتاع، ومراحيض الكراهية، هم المستولون على كلّ شيء، وعليك أن تحدد، خصوصاً إن كنتَ في مقتبل عمرك: التأقلم، والتحوّل إلى فردٍ مجبول على الكراهية، والغباء، وعدم الاطلاع، أو جمع ما تيسّر من أموالك وأن تحتفظ بصورة العراق التي في بالك، صورة العراق التي لم يحطّمها الرعاع حتى الآن، العراق الفكرة الذي لم يتطبق يوماً على أرض الواقع!

ما يحدثُ الآن، من تحطيم لكل أناقة، والقضاء على آخر أنساق التحضّر، لا طريقةَ لإنهائه أو الوقوف ضدّه سوى البدء من الأطفال، عسى أن يكبروا يوماً ويُنشئوا بلاداً أنيقة، بلاد مؤسسات من شأنها أن تفتحَ بابكَ صباحاً باتجاه شارع بشريّ، وسلوكٍ بشريّ، دون أن تكتشف أن الساكن بقربك على اليمين ما زال يعيش في القرون الوسطى، والساكن على اليسار هو جزء من محميّة عشائرية قبلية لا تقدّم إلاّ العنف! 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top