في شعر الثوري.. احمد مطر نموذجا

في شعر الثوري.. احمد مطر نموذجا

كرامة حسام الساموك

هو شاعر اثار حوله و حول شعره الكثير من الجدل و النقاش... اخترت له بعض القصائد لأخرج بأفكار في إحدى لافتاته كانت قصيدة (بين الاطلال) وفيها يعزف لحنا حزينا بل و منفردا ، فيقول:

بين الاطلال

اضم في القلب احبائي انا

و القلب اطلال

اخدعني

اقول: لا زالوا

رجع الصدى يصفعني

يقول : لا..... زالوا

مؤلمة حقيقتك ! يا مطر ، عندما يصدق الإنسان نفسه، انه محب و له أحبة عنوان المقطع كان بداية لعرض مأساته؛ ليخبرنا ان قلبه هو مكان الاحبة بل و يؤكد مكانهم و مكانتهم ب ( انا)، و لكن القلب ما هو إلا أطلال، أثار باقية ،يخدع نفسه بنفسه،( لا زالوا) ،اقسى حديث و اصدقه هو حديث النفس ؛ فلا مجاملة و لا نفاق و لا كذب و لا رياء... فيه تجلو الحقيقة و تتضح،  و اي حقيقة ؟

الحقيقة التي يأبى القلب قبولها و التعامل معها ،لكن هيهات للعقل و الضمير ان يقبل غيرها..

لطيفة جملته الفعلية (اخدعُني) لكنها لو كانت هي العنوان لما كان للقصيدة حضور ،بها اتضحت الفكرة و كذا المضمون، وحتى سيل المشاعر في قوله:

(لازالوا) و ( لا ...زالوا)

كانت المفارقة؛ حيث الجناس في ترتيب الحروف و حتى الطباق يمكن أن يصح فيها من حيث اللفظة و ضدها ...

اما في قصيدة ( الله اعلم) فمطر يخاطب الشعب بأن يبتعدوا عن سوء الظن ؛ لأننا _ و كما نعلم _ان سوء الظن حرام شرعا و له عواقب وخيمة ..

مطر يعلمها أكثر منا .. فهو ليس من حسن الفطن و كما أشيع ...

أيها الناس اتقوا نار جهنم

لا تسيئوا الظن بالوالي

فسوء الظن في الشرع محرم

أيها الناس انا في كل أحوالي

 

ليس لي في الدرب سفاح

و لا في البيت مأتم

و دمي غير مباح و فمي غير مكمم

فإذا لم اتكلم

لا تشيعوا أن للوالي يدا في حبس صوتي

بل انا يا ناس... ابكم...

قلت ما أعلمه عن حالتي

.... و الله اعلم !

كلمات ابتداها بنداء (ايها الناس) وكأنه يجيب نزار قباني في قصيدته المسماة (السيرة الذاتية لسياف عربي) عندما تكلم بلسان الحاكم و قدمها بـ (أيها الناس)...

هنا يتحدث مطر بلسان المواطن العربي الذي لا حول له و لا قوة... فينادي بقية الناس بأسلوب بين (أمر: اتقوا) و (نهي: لا تسيئوا) و إلا فقد وقعتم أيها الناس في المحرمات؛ فبعض الظن إثم...

فما الذي يريده هو من الحاكم؟! هو في سعادة غامرة و رفاهية و نعيم دائم...

و ما نقيض ذاك إلا ظن و إثم و محض خيال بل كابوس بعيد كل البعد عن حقيقة عيش الناس و حتى عدل الوالي...

الذي استوقفني في كلماته ،ادوات النفي ما بين فعل و حرف و اسم، و قد احسن استخدامها ، و الدليل لو حذفناها كان واقعنا المتدني...

بل والأدهى من ذلك ،و بعد أن املى علينا كذباته و هي ليست بقليلة، صدمنا بخبر (ابكم)، فقد قال الذي يعلمه ثم صار ابكما...

يختمها بتعجب... و قد يكون تعجبا لحال الناس او حتى لنفسه و ما تقول ...

قارئ القصيدة يشعر أن صاحبها مجنون ؛ خطابه نقيض الواقع تماما،  فالإنسان عندما تعاكسه الحياة و تحمله بما لا طاقة له بها و ترمي بثقلها و حكامها الظالمين عليه، يغدو بين حالين (ينفجر قائلا الحقيقة، أو يهلوس فيذكر عكسها)...

و الدليل (الله أعلم) الله اعلم بما في نفوسنا،  هي ليست الحقيقة التي تعلمها يا إلهي...

خطابه كان موجها الى العامة و أراد اقناعهم فقال: (محرم)...

القصيدة عنوانها (إلحاح) قال فيها:

ما تهمتي؟

تهمتك العروبة

قلت لكم ما تهمتي؟.

قلنا لك العروبة

يا ناس قولوا غيرها

اسالكم عن تهمتي

ليس عن العقوبة ......

إلحاح ، مصدر للفعل الثلاثي (ألح) و هذا المصدر كان عنوان قصيدة لاحمد مطر ، فقد ألح كثيرا لمعرفة التهمة الموجهة اليه...

حوار فيه من الشد و الجذب و العصبية و التوتر الشيء الكثير، هو يريد معرفة تهمته و هم عندهم إجابة واحدة (العروبة) فيعود مكررا سؤاله فيكون الجواب نفسه...

وعند استيعابه الحالة، كان مطر أشد قسوة منهم حيث قرن العروبة بالعقوبة؛ العروبة عقوبة مفروضة عليه منذ أن اقبل الى الحياة و رغم ذاك فهو تقبلها و تعايش معها؛ هو لم يستطع الفرار منها إلا اليها...

هذا هو مفهوم العروبة عند احمد مطر بل و عن قناعة تامة ، كلمات فيها استهزاء و كأننا في غرفة تحقيق؛ فقد عشنا معه اللحظة...

اما في قصيدة (تفاهم) فقد قال:

علاقتي بحاكمي

ليس لها نظير

تبدأ ثم تنتهي

براحة الضمير

متفقان دائما

لكننا

لو وقع الخلاف فيما بيننا

نحسمه في جدل قصير

أنا أقول كلمة

و هو يقول كلمة

و إنه من بعد أن يقولها

يسير

وانني من بعد أن أقولها

أسير...

العنوان لا يليق بلغة و لا حتى بطريقة نظم احمد مطر؛ فهو موجود في هذه الفانية لكيلا يتفاهم...

فيها لخص علاقته بالحاكم فلا شبيه و لا قرين لها...

و الأكثر أهمية إن الضمير مرتاح لكليهما، لكن كيف ذاك يا مطر ؟!

أنتما متفقان في كل شيء و دائما؟ ماذا دهاك؟

أسحر هذا للوالي حتى يتفق معك؟ أم انت قد أكلك التعب و الجزع بل و الرضوخ؟!

لكنه يستدرك فلا يترك لنا مجالا للتأويل و التحليل لأسباب التوفيق و دوامه...

حين يقع الخلاف و الاختلاف و التنافر الذي يفسد كل الود في القضية، فيقول ما يريد ثم يجيبه الوالي بما يحب و بما يجب أن يريده احمد مطر و حتى و لو لم يرد و رغما عن انفه... لكن النهاية ليست كالبداية...

النهاية تكون بان يسير كل منهما في طريق، الوالي يسير و ينسى أمر مطر _ أصلا_ و مطر يصير أسيرا للوالي ذليلا مهانا... خاضعا له و لزمرته...

الجناس في (يسير_ أسير) جاء سهلا جميلا سلسا و لكننا لم نتوقع أن تكون النهاية كما موجود...

أحمد مطر ينتهي أسيرا ...؟!

لا ،يا مطر قد اقلقتنا كثيرا ؛بدأتها بتفاهم و تنهيها ب (أسيرا) !

في ساعة يقظة قال أحمد مطر في قصيدة (يقظة)

صباح هذا اليوم

أيقظني منبه الساعة

و قال لي: يا أبن العرب

قد حان وقت النوم ...

كان احمد مطر في نوم الى أن طلع وقت الصباح حيث كان الحدث الأكثر وضوحا، الساعة دقت ،ازعاجها أيقظه و لم تكتف بفعل الإيقاظ بل أخبرته بإمر لا يقبل التأجيل، نم إنه وقت النوم...

قد يبدو لأول وهلة أن مطر لم يأت بخبر جديد ...

لكن قد حدد من هم الذين عليهم النوم؛ فقد حان وقته و جعل (ابنهم) هو المنادى الذي يراد منه تحقيق طلب النوم...

حدث بسيط مكثف، بكلمات قليلة أوجزت المطلوب من العرب (اليقظة لأجل النوم)

أما اخر قراءاتي فهي لقصيدة (طبيعة صامتة) قال فيها:

رأيت جثة لها ملامح الأعراب

تجمعت من حولها (النسور) و (الدباب)

و فوقها علامة

تقول: هذي جيفة

كانت تسمى سابقا... كرامة !

العنوان يوحي إلى أنه سوف يتحدث فيها عن جمال و رياض و عيون و خرير ماء و زقزقة عصافير...

فيرتقي الشاعر بالذائقة الفنية و الأدبية للمتلقي، و يجود بأبرع الأوصاف و أرقى التشبيهات و بقية فنون البلاغة من كناية و تورية...

لكن محال ذاك أن يحصل مع مطر و تحت أي ظرف حتى لو كان سهوا أو للمتعة أو من باب التغيير...

الطبيعة الصامتة عند أحمد مطر ما هي إلا قمامة...

فيها تدرجت أعلى قيم الإنسان بل و قد تكون سبب أكثر الحروب و الصراعات بين البشر هي الكرامة ...

الكرامة عند العرب آلت إلى جيفة، لا بل و معلن عنها و لا استيحاء...

أحمد مطر حدد صفة و جنسية تلك الكرامة، هي إعرابية، و قد يكون قد تقصد ب (ملامح الإعراب)... ليذكرنا بالبدو و قساوة بيئة البداوة، _  و الله أعلم _ على حد قول أحمد مطر ...

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top