فيروس كورونا والوصمة الاجتماعية

آراء وأفكار 2020/03/28 05:22:28 م

فيروس كورونا والوصمة الاجتماعية

 علي كريم السيد

تابعنا خلال الأيام الماضية تصريحات رسمية عن وجود حالات هروب من المستشفى لمصابين بمرض كورونا (كوفيد 19) كما ذكر وكيل وزارة الصحة جاسم الفلاحي في لقاء مع قناة العراقية. في حين أشار عدد من الأطباء الى تعرضهم لتهديدات باللجوء للقوانين العشائرية من قبل مرضى رفضوا الحجر الصحي، إضافة لذلك لاحظنا وجود عدد غير قليل من الناس تسخر وتنفي وجود المرض وتستمر بممارسة التجمعات الدينية أو العشائرية كالأعراس والمآتم. 

فلماذا تتصرف فئة من العراقيين بهذه الطريقة مع الوباء المستجد؟! يخبرنا علماء الاجتماع من منظري مدرسة التفاعلية الرمزية وتحديدا[كوفمان وبيكر] ان هؤلاء يخافون من الوصمة الاجتماعية social stigma وهي كما يعرفونها " تشير الى علاقة التدني التي تجرد الفرد من أهلية القبول الاجتماعي الكامل، والوصمة هي العمليّة التي تنسب الأخطاء والآثام الدالة على الانحطاط الخلقي إلى أشخاص في المجتمع، فتصفهم بصفات بغيضة أو سمات تجلب لهم العار أو تُثير الشائعات. وتشير الوصمة إلى أكثر من مجرد الفعل الرسمي من جانب المُجتمع تجاه العضو، الذي أساء التصرف أو كشف عن أي اختلاف ملحوظ عن بقيّة الأعضاء.

أثر الوصمة على الموصوم :

لاتكمن اثار الوصمة فقط في قدرتها على زرع الاكتئاب والقلق في قلب الموصوم، بالإضافة إلى أنها تعمل على انهيار الضابط الأخلاقي والثقة بالنفس، ومن ثَمَّ الإصابة بالوهن والجمود وعدم القدرة على الإبداع أو حتى العمل، وإنما خطورة الوصمة أنها تُؤثر على عقل الموصوم ومشاعره وسلوكه وتجعله يتصرف على النحو الذي يتوقعه منه المُجتمع الواصم، وهذا ما نستطيعُ أن نطلق عليه “تـشـــرب الوصمـة”. ويعتقد علماء الاجتماع (بلومر انموذجا) إن المبالغة في تطبيق الجزاءات قد تُثير الحقد والعداوة عند الموصوم . كما يؤدي الاتجاه العدائي من جانب المجتمع إلى مزيد من الانحراف عن القواعد والقوانين. 

شاهدت قبل يومين مقطع فيديو لعائلة كان لديها مصاب متوفي بسبب المرض وقد فرض عليهم الحجز المنزلي، تقول هذه العائلة انهم اكملوا فترة العزل ويريدون حريتهم، كما هددوا بالانتحار في حال استمرت المعاملة السيئة من قبل المؤسسة الرسمية والمجتمع المحلي.هذه العائلة تشكل انموذجا هاما لمعرفة سلبيات الوصم، وكيف يساهم المجتمع المحلي بإيذاءالموصوم( المريض) عبر المقاطعة والنبذ والاجتماعي، وهنا ننصح بالتواصل الهاتفي مع المرضى لكي لا يشعروا بالوحدة وهم يواجهون هذا العدو الشرس. 

كما نقترح تغيير خطاب التوعية والتوجه الى الجماعة وليس الأفراد، لكي يغيروا أنماط تفكيرهم وطريقة تعاملهم مع المرضى لان هذا سوف يسهل للفرد عملية التكيف والتعامل مع المرض دون ان يشعر بالعار والخزي. 

قوة الوصمة واستمراريتها: 

في حال استمرار حالة الوصم الاجتماعي للمرضى، فانها ستصبح "معوقا وظيفيا" بمنظور علم الاجتماع، بمعنى أنها تعيق الجهود الرامية لمحاصرة الوباء. سابقا كانت تعاني المرأة المطلقة في المجتمع العراقي من اثار الوصمة الاجتماعية والنظرة السلبية من قبل المجتمع المحلي، ولكن بعد ازدياد حالات الطلاق بشكل كبير في البلد ضعفت وخفت هذه الوصمة وصار الموضوع نوعا ما "طبيعيا". لذلك نعتقد ان ازدياد الحالات وخصوصا بعد إصابة المشاهير و زعماء الدول واخرهم رئيس الوزراء البريطاني (بوريس جونسون) قد يشعر الفرد وخصوصا المصاب بنوع من العزاء، وقد يفهم بأن المرض لا يفرق بين احد ولا يستهدفه كنوع من البلاء أو اللعنة. وهذا ما قد يهون عليه اثار الصدمة. وكما يقول المثل الشعبي "من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top