ترجمة / حامد أحمد
تقول مجلة فورن بوليسي الأميركية إنه منذ استقالة رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، في أواخر شهر تشرين الثاني من العام الماضي والعراق اعتاد في كل مرة تسمية رئيس وزراء مكلف جديد ليخلفه ولكن بدون وجود أمل للنجاح، كان آخرهم وهو المرشح الثالث مصطفى الكاظمي الذي يحاول الآن تشكيل حكومة.
سلفه المرشح الأول محمد توفيق علاوي، لم يتمكن من تشكيل حكومة، ومن ثم جاء عدنان الزرفي، الذي لم يستطع أيضاً الحصول على دعم كافي لتشكيل حكومة، وحكومة تصريف الأعمال ما تزال مستمرة بعد تكليف الكاظمي .
وتشير فورن بوليسي الى أن المقالات التي نشرت في الصحافة الأميركية على مدار السنين منذ 2003 وحتى الآن والمتعلقة بكل مرشح جديد الذي من المتوقع أن يقود حكومة العراق قد اصبحت روتينية بمضمونها بشكل قياسي وتكاد تتشابه بين كل مقالة وسابقتها. وكما هو الحال مع أسلافه، يبدو الكاظمي بأنه يستطيع الموازنة بين الولايات المتحدة وإيران وهو شخص يتميز بالشفافية ويستطيع استقطاب دعم سياسي من مختلف الأحزاب والكتل. ولكن مثل هذه المميزات غالباً ما تتبعها معوقات تتمثل بالعيوب الكبيرة التي يتخللها النظام السياسي للعراق التي من المحتمل أن تجعل المهمة صعبة بالنسبة لرئيس الوزراء المكلف في تشكيل حكومة ويمارس السلطة بعد ذلك. تنتهي هذه المقالات بشكل عام كما اعتاد عليه الصحفيون والمحررون بصيغة مألوفة وهي ربما يوجد هناك أمل بالنجاح .
الشخص المرشح غالباً ما يكون موضوع القصة الرئيسة، ولكن فحوى القضية المتعلقة بهذا الموضوع غالباً ما تُلمح وتُشير الى مؤسسات العراق السياسية.
أكثر المراقبين الذين يتابعون الشأن العراقي يعرفون أن مشاكل البلد كبيرة ومعقدة ويبدو الحل صعباً. لا أحد يعرف كيف يعالجها رغم سنوات من المحاولة، ولهذا السبب فإن كل شخص في واشنطن من كان يهمهم أمر العراق يبدو بأنهم يوصون الولايات المتحدة الآن بالتحرك نحو المغادرة. هذه هي سياسة إدارة ترامب بشكل واضح. مع ذلك فإنه من المحتم على البيت الابيض، عاجلاً أم آجلاً أن يواجه جميع تشعبات إخفاقات العراق .
أصبح من الواضح الآن أن المؤسسات والشخصية لها دور مهم. البلد يمكن أن تكون لديه مؤسسات ديمقراطية، ولكن إذا لم يتبنَ قادة البلد مبادئ الديمقراطية فإن ذلك قد يعرض النظام للشبهة، الشيء نفسه مع السياسي، يمكن أن يكون ذو عقلية فذة ولكن رغم ذلك يعمل ضمن مؤسسات فاسدة تجعل من الصعب التغلب على أمراض متأصلة بالنظام السياسي. يبدو هذا ما سيواجهه المكلف الكاظمي. كلٌ من العراقيين والأميركان يقرون بكفاءته، فهو لا ينتمي الى أي حزب سياسي، وهو مدير لجهاز المخابرات الوطني العراقي عرف بمهنيته بعيداً عن التأثيرات السياسية. هذه جميعها مؤهلات، ولكن من المؤكد على ما يبدو، أن تعمل المؤسسات السياسية في العراق على عرقلة قدرة الكاظمي على تسلم السلطة .
على مدى سنين والولايات المتحدة تدفع وتحث قادة العراق بان يقدموا الشيء الأفضل لشعبهم، ولكن النظام الذي ساعدت أميركا في تشكيله غالباً ما يشجع سياسيين عراقيين في بغداد لفعل ما هو لمصلحتهم الخاصة على حساب الآخرين. الطبيعة الطائفية لنظام الأحزاب السياسية غالباً ما تضعف البلد وتشتته. الخلافات الطائفية والنزاعات المترتبة عليها بين هذه المجاميع والأحزاب تنعكس على الحكومة بكاملها. يمكن أن تكون في وزارة واحدة خمسة مسؤولين، ولهم ولاءات متباينة وكل واحد منهم له أجندة عمل مختلفة .
لقد توصلت إدارة ترامب بوضوح الى الاستنتاج الذي يشير الى أن التدخل بالأمور السياسية العراقية هي مضيعة للنشاط. ووفقاً لذلك فإن موقف الولايات المتحدة من اختيار رئيس وزراء عراقي قد اتجه للتضاؤل، الشخص مقبول طالما أنه "عراقي وطني" يعني إنه شخص ليس محسوب على إيران. الكاظمي اجتاز الاختبار، لكن ذلك لم يغير من مسار السياسة الأميركية الحالية تجاه العراق، التي تدعو بأنه على العراقيين أن يتابعوا وضعهم بأنفسهم. ربما قد يزعج ذلك قسماً منهم، خصوصاً السنّة الذين يريدون أن يبقوا حلفاء للولايات المتحدة، ولكن ليس لهم أي خيار سوى أن يقبلوا واقع حالهم الجديد .
قد يثبت موقف واشنطن من أنه حكيم من الناحية الستراتيجية. لا شك من أن تنظيم داعش سيبقى يشكل تهديد في العراق، ولهذا السبب تريد الولايات المتحدة وحلف الناتو الابقاء على مهمة التدريب في بغداد على مكافحة الارهاب ولو بعدد قليل نسبياً، ولكن عدا ذلك، فإن انتفاء مصلحة اميركا سيجبر قادة العراق لعمل تغيرات جذرية أو يواجهون حنق العراقيين الغاضبين المستمرين بمطالبتهم بتغيير النظام .
إنه وضع صعب بالنسبة للعراقيين، ولكن هناك عدد قليل جداً في الولايات المتحدة من يريد استثمار الوقت والموارد في العراق خصوصاً وأن وباء كورونا قد عاث بصحة الأميركان وانفق الكونغرس الترليونات من الدولارات للمحافظة على بقاء الاقتصاد قائماً. قد يكون الكاظمي كفوءاً كما قيل عنه، ولكنه لن ينقذ العراق. النظام السياسي رديء وفاسد جداً، الأميركان متحيرين جداً، وإيران تحب أن يبقى العراق على ما هو عليه .
عن: فورن بوليسي
اترك تعليقك