الانتفاضة الشعبية والمليشيات المسلّحة

آراء وأفكار 2020/06/02 08:00:43 م

الانتفاضة الشعبية والمليشيات المسلّحة

 لطفي حاتم

أشرت الانتفاضة الشعبية المباركة في العراق الى فشل الحركات الإسلامية وقواها الطائفية في قيادة سلطة الدولة العراقية، وترابط الفشل السياسي -الاجتماعي وانعدام المسؤولية السياسية لدى التيارات والقوى الطائفية إزاء مستقبل العراق السياسي.

-- انطلاقاً من استمرارية الانتفاضة الشعبية من جهة وفشل التيارات الإسلامية الطائفية في تلبية مطالب المنتفضين من جهة أخرى نحاول دراسة الترابط السببي بين الظاهرتين عبر أنساق ثلاثة—

أولاً-الديمقراطية السياسية وإرهاب الفصائل المسلحة. 

ثانياً - الانتفاضة الشعبية وآفاق تطورها. 

ثالثاُ -الديمقراطية السياسية وبناء الدولة العراقية.

على أساس تلك العدّة المنهجية نتناول المحور الأول الموسوم بـ

أولاً--- الديمقراطية السياسية وإرهاب الفصائل المسلحة 

- الإرهاب السياسي للقوى اليمينية يتسم بصبغة طبقية تعتمده قوى ومنظمات سياسية سواء كانت متحكمة في سلطة الدولة الوطنية أو منظمات يمينية متطرّفة ناشطة في دول التشكيلة الرأسمالية العالمية. 

-بهذا التوصيف المكثف نرى أن الانتفاضة الشعبية العراقية رافقها ومنذ اندلاعها إرهاب سياسي مارسته وما زالت مليشيات مسلحة تابعة لمنظمات إسلامية أصولية أو أجهزة أمنية رغم اتشاح الدولة العراقية بالديمقراطية السياسية. 

-- اعتماداً على التناقض بين الشرعية الديمقراطية والإرهاب السياسي في العراق نسعى بتكثيف بالغ الى تفكيك التداخل بين الموضوعتين- الديمقراطية – الإرهاب عبر الأفكار التالية --

1 -تتحدد المنظمات السياسية العراقية في الظروف التاريخية المعاصرة بثلاث كتل سياسية (أ) أحزاب الإسلام السياسي الماسكة بسلطة الدولة السياسية. (ب) قوى قومية عربية تعتمد إرهاباً سياسياً هادفاً الى إعادة سيطرتها السياسية المنهارة (ج) قوى يسارية - ديمقراطية رافضة للعنف بكل أشكاله والتأكيد على حل الخلافات السياسية بالطرق السلمية. 

2- الإرهاب السياسي المنتشر في الدولة العراقية يتأتى من طبيعة السلطة السياسية التي تتحكم في مسارها السياسي الحركات الإسلامية السلفية رغم (شرعيتها) الديمقراطية. 

3-- تلوّن الإرهاب السياسي ضد الانتفاضة الشعبية العراقية بأشكال مختلفة منها- 

-إرهاب المليشيات المسلحة ضد الحركة الاحتجاجية الذي اتخذ طابعا موازياً لإرهاب أجهزة الدولة الأمنية بسبب امتلاكه سجون سرية ولجان تحقيقية. وإرهاب ثاني تعتمده أجهزة الدولة الأمنية يتمثل بمداهمة البيوت الآمنة واعتقال المنتفضين واجبارهم على عدم ممارسة أنشطة سياسية مناهضة لسلطة الدولة السياسية.

4-- تغلف إرهاب المليشيات المسلحة بمناهضة الإرهاب اليميني الذي تمارسه بقايا النظام الاستبدادي البائد والقوى السلفية الإسلامية. أما إرهاب أجهزة السلطة السياسية ضد المحتجين السلميين يتعكز على محاربة إرهاب التنظيمات القومية الساعية الى إعادة الحكم الديكتاتوري المتحالفة مع القوى السلفية الإسلامية. 

5 - اندماج اليمين القومي مع السلفية الإسلامية الهادفة الى إقامة الدولة الإسلامية السياسية يتناقض وأهداف الطائفية السياسية العاملة على صيانة مصالح الطبقات الفرعية في سلطة الدولة العراقية.

6-- تهدف قوى الإرهاب السلفية – السنّية الى بناء دولة الخلافة الإسلامية على الرغم من روح الاختلافات الفقهية بين طوائفها الدينية في الدول العربية. 

7 –القوى الطائفية تسعى الى فرض سيادتها السياسية عبر تقسيم الدولة العربية الى أقاليم طائفية وما يفرزه ذلك من إشاعة الإرهاب ضد المعارضين لنهجها التخريبي من الطبقات الاجتماعية الأخرى. 

إن الاختلافات الفقهية وتعدّد المنابع الطبقية بين قوى الدولة الإسلامية السنّية والطائفية السياسية الشيعية تؤدي الى إثارة النزاعات الإرهابية والحروب الأهلية. 

ثانيا - آفاق تطور الانتفاضة الشعبية. 

بداية لابد من التأكيد على أن الانتفاضة الشعبية في العراق ورغم مطالبها الديمقراطية إلا أنها تفتقد سمتين أساسيتين في نشاطها الاحتجاجي السلمي أولاهما - غياب القيادة السياسية الموحدة القائدة لكفاح القوى المنتفضة فضلاً عن غياب برنامجها السياسي- الاقتصادي. وثانيتهما سعة القاعدة الطبقية الاجتماعية للانتفاضة وما يحمله ذلك من تعدّد الحلول والرؤى السياسية. 

بهذا الإطار نشير الى أن مواجهة الإرهاب السلطوي -- المليشاوي تستند على كثرة من المستلزمات منها --

1 -- بناء القيادة السياسية للانتفاضة الشعبية.

-- بهدف وضوح برنامج الانتفاضة الشعبية الكفاحي يتعين عدم التركيز على شعارات مثالية غير قابلة للتحقيق والتأكيد بدلاً من ذلك على بناء برنامج كفاحي ديمقراطي يهدف الى تحقيق المطالب السياسية-الاجتماعية المشتركة. 

- اتفاق قادة الفصائل المنتفضة على تشكيل قيادة تنظيمية واحدة لغرض قيادة الكفاح الوطني الديمقراطي بالرغم من اعتماد الانتفاضة على قوى من مصادر طبقية مختلفة. 

2 - الانتفاضة الشعبية والمخاطر السياسية –

تواجه الانتفاضة الشعبية المباركة كثرة من المخاطر السياسية يمكن تأشير أهمها --

أ- سعي الخصوم السياسيين الى تفتيت وحدة المنتفضين السياسية عبر إجراءات متعدّدة في محاولة لشق وحدة الحركة الاحتجاجية. 

ب-- استخدام العنف السلطوي عبر الاعتقالات والاغتيالات والمضايقات المتعددة الأشكال التي تعتمدها أجهزة السلطة الأمنية والمجاميع المسلحة (المجهولة). 

ج – ضغوطات إقليمية تعتمدها بعض دول الجوار المناهضة لمطالب المنتفضين وحقوقهم السياسية المشروعة. 

3—الانتفاضة الشعبية والديمقراطية السياسية 

رغم أهمية الديمقراطية السياسية التي تحيط بمنظومة العراق السياسية إلا أنها ديمقراطية ذات أنياب - طائفية إرهابية- وبهذا المعنى فإن الديمقراطية السياسية العراقية تمتاز بسمات عديدة نحاول تأكيد بعضها - 

-- حيازة أحزاب سلطة (الشرعية الانتخابية) مليشيات عسكرية طائفية تعتمد الإرهاب السياسي في علاقتها السياسية مع القوى الاجتماعية في تشكيلة العراق الوطنية. 

- انعدام ضبط المليشيات المسلحة بسبب غياب القيادة السياسية الموحدة وما ينتجه ذلك من مخاطر حروب أهلية في منعطفات البلاد السياسية. 

– تتجلى معاداة أحزاب الطائفية السياسية للتغيرات الاقتصادية -الاجتماعية في إرهاب المليشيات الشعبية ضد القوى الوطنية – الديمقراطية.

استناداً الى ما تمت الإشارة إليه يمكن القول إن التناقض الرئيس في تشكيلة العراق السياسية يكمن بين الشرعية الديمقراطية الناظمة لمسار المنظومة السياسية للدولة العراقية وبين الطائفية السياسية وفصائلها المسلحة. 

ثالثاً -الديمقراطية السياسية وبناء الدولة العراقية.

إن إدامة الحياة السياسية السلمية في الدولة العراقية يعتمد على طبيعة نظامها السياسي وهيمنة أحزابها الديمقراطية على تشكيلتها الاجتماعية وما يعنيه ذلك من بناء دولة ديمقراطية تستند على الموضوعات التالية –

– بناء سلطة الدولة العراقية على الشرعية الديمقراطية الضامنة لمصالح البلاد السياسية وبنائها الديمقراطي - السلمي. 

ثانياً – اعتماد الأحزاب المتنافسة في الدورات الانتخابية على برامج سياسية – اجتماعية لخوض المنافسة الديمقراطية.

ثالثاً- بناء الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية على أساس التوازنات الطبقية وصيانة المصالح الاجتماعية لقواها الطبقية الفاعلة. 

رابعاً – الاعتماد على الطبقات الأساسية في بناء الاقتصاد العراقي ومحاصرة الطبقات الفرعية وفكرها الطائفي ومكافحة ميول التبعية والتهميش في العلاقات الدولية.

خامساً – تطوير الوحدة الوطنية العراقية باعتبارها الضامنة الفكرية – الاجتماعية لسيادة العراق السياسية ونبذ التحالفات السياسية الطائفية. 

سادساً – إقامة علاقات وطنية -دولية على قاعد احترام المصالح الوطنية وعدم التدخل في النزاعات الاجتماعية. 

إن الرؤى والأفكار الواردة في متن المقال تشكل كما أزعم ضوابط لتجنب الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية أخطار الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top