بغداد/المدى
استند قرار مفوضية الاتحاد الأوروبي بإدراج العراق ضمن قائمة الدول عالية المخاطر بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على مجموعة من المؤشرات والملاحظات تقف في مقدمتها بحسب خبراء في مجال مكافحة الفساد أن حجم السلع التي يستوردها العراق سنويا تقدر قيمتها بحوالي (60) مليار دولار، حصة تركيا وإيران منها حوالي 37 مليار دولار سنويا.
كما اعتبرت المفوضية أن السلاح المنفلت وعمليات الفساد التي تدور بشأن إبرام عقود تسليح الدفاع وجودة السلاح وعدم قدرة مؤسسات الدولة على تأمين الحماية للمواطن والشركات الاستثمارية مؤشرات للسلبية.
ويقول سعيد ياسين موسى، الخبير في مجال مكافحة الفساد في تصريح لـ(المدى) إن "البنك المركزي حصل على مؤشر من الاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات يؤكد على وجود تراجع في التزام العراق بمكافحة تهريب وغسيل الأموال"، متسائلا "أين تذهب هذه الأموال، ومن الجهة المستفيدة منها؟".
وكان المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي أعاد هيكلته رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي (المعطل حاليا) كشف لـ(المدى) العام الماضي عن ان السلطات القضائية أصدرت قائمة جديدة من مذكرات القبض لملاحقة عدد من المسؤولين في الدولة العراقية متهمين ومدانين بعمليات فساد مالي وغسيل أموال.
ويستعرض موسى "أهم المؤشرات التي وضعتها مفوضية الاتحاد الأوروبي على السياسة المالية في العراق بمجال تهريب وغسيل الأموال إلى الخارج الذي يضع الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات"، مبينا أن "هذه المؤشرات تؤكد على وجود أموال ضائعة، لا احد يعرف أين تذهب، وهناك تهرب ضريبي".
وأدرجت المفوضية الأوروبية، العراق إلى جانب دول أخرى مثل أفغانستان، وباكستان، وسوريا، واليمن، وإيران، وكوريا الشمالية، ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد الأوروبي. وتقول المفوضية الأوروبية إن تلك الدول "تشكل تهديدا كبيرا على النظام المالي للاتحاد".
ويضيف موسى أن "العراق يستورد سنويا (سلعا متعددة الأغراض واغلبها استهلاكية) بحوالي (60) مليار دولار من الخارج"، لافتا إلى أن "اكثر الدول التي يتم الاستيراد منها هي تركيا نحو(19) مليار دولار، وإيران(18) مليار دولار سنويا، فضلا عن كوريا الجنوبية، والصين، والأردن، والإمارات، والسعودية". وجاء الرقم الذي وضعه الخبير موسى بشأن الاستيراد من تركيا اعلى بقليل من الرقم الذي اعلنته وزارة الخارجية العراقية. ويبين أنه "عندما تتم مقارنة هذه المبالغ مع السلع الداخلة للعراق وُجد انها (السلع المستورد) لا تساوي الاموال المرسلة"، مضيفا ان "هناك مؤشرات لدى الحكومة العراقية والجهات الرقابية بوجود تهرب ضريبي، وتهرب في الكمارك من خلال تغيير جنس السلع وتزوير بعض الوثائق، من حيث النوعية والجودة، وإجازة الاستيراد. هذه كلها تعتبر تهريبا للأموال".
وتؤكد تقارير سابقة صادرة من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية تكبد الدولة خسائر باهظة نتيجة الفساد في المنافذ الحدودية ويشتمل على تمرير بضائع غير قانونية أو تغيير نوعها لإعفائها من الرسوم أو تخفيضها والتلاعب بالكميات التي تدخل البلاد.
ويلفت إلى أن "من المؤشرات التي وضعتها المفوضية الأوروبية على العراق هي ان المنافذ البرية تشكل 80% من دخول السلع و20% من السلع تدخل عن طريق الموانئ، إضافة إلى بيئة الأعمال التي تخلو من المنافسة بين الشركات (العقود الحكومية الاستثمارية ليس فيها شفافية ومنافسة عادلة بين الشركات)".
ويتابع أن "من ضمن المؤشرات الأخرى هي أن الشركات الاستثمارية غير محمية كونها تتعرض للابتزاز (متعدد الأوجه) من قبل مجتمعات محلية (اخذ الإتاوات من الشركات) وجهات مسلحة أو ابتزاز إداري أو سياسي (استحصال بعض المنافع والنسب)"، مشيرا الى أن "هذا النوع من الابتزاز يعطي صورة أن العراق بيئة غير آمنة على حركة رؤوس الاموال والإنتاج والعقود".
وبسبب ضغوطات البنك الدولي على الحكومةِ في 2015، وتلويحه بوضعِ العراقِ على القائمةِ السوداء صادق البرلمان على اقرار لتشريع قانون "غسيل الاموال ومكافحة تمويل الارهاب".
ويكمل الخبير في مكافحة الفساد حديثه قائلا ان "بيئة حقوق الإنسان أيضا تعد مؤشرا على المخاطر المقيدة من قبل المفوضية الأوروبية، والمتمثلة باندلاع التظاهرات والتي تؤكد على تخلف قطاع الأعمال والخدمات مما أدى إلى وجود مطالب شعبية جوبهت بالقتل"، مبينا أن "عدم تقديم الجناة (قتلة المتظاهرين لا يوفر بيئة آمنة لحرية الرأي والتعبير والمطالبة بالحقوق، فكيف اذا كانت شركة أجنبية؟".
ويشير إلى ان "هناك تراجعا كبيرا في سيادة القانون وخصوصا عندما تكون مؤسسات الدولة غير مسيطرة بشكل كامل لحماية امن المواطنين وجزء منها حصر السلاح بيد الدولة"، مؤكدا أن "العراق لديه تعامل مع الاتحاد الأوروبي والناتو على التقييم الذاتي وتحليل بيئة القطاع الأمني والدفاع والتسلح". ويوضح أن "سبب تراجع الأمن والدفاع يعود جزء كبير منه لاستيراد السلاح وعقوده وجودته. هذه كلها مؤشرات وضعتها مفوضية الاتحاد الاوروبي قبل إدراج العراق ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية، بسبب قصور في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".
ويؤدي إدراج العراق في القائمة الأوروبية إلى احتمال فرض مزيد من القيود على التحويلات المالية من العراق وإليه، مما يصعب على المستثمرين العراقيين والأوروبيين العمل في البلاد التي تعاني أصلا من أزمة مالية خانقة.
وتسعى أوروبا حسب هذه القائمة الى تجفيف مصادر تمويل الإرهاب وفرض عقوبات، كما وتدعو إلى التعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين وإشراك القطاع الخاص من أجل تحديد الجهات المانحة والممولين والوسطاء المتورطين في دعم المنظمات الإرهابية.
ويلفت المراقب موسى إلى أن "من ضمن المؤشرات الأخرى مزاد العملة حيث تدور شبهات الفساد حول كميات الأموال التي يتم تداولها في المزاد من خلال الجهات المحددة، وآلية التحويل المالي، والشراء، والجهات التي تستورد السلع يتم منحها فواتير بيع النقد الأجنبي (الدولار)، الموارد المتأتية من هذه الفواتير، تخلف القطاع الصناعي والزراعي".
وبموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن البنوك والشركات المالية الأخرى وشركات الضرائب، ملزمة بتدقيق أكثر تأنيا تجاه زبائنها الذين لهم تعاملات مع الدول المدرجة في القائمة.
ووضع العراق في قائمة "الدول التي لديها أنظمة مالية ضعيفة تجاه مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب" في شباط من عام 2019، وأكد الاتحاد عزمه وضع العراق في نفس القائمة في ايار الماضي.
وتمكن مجلس مكافحة الفساد من تدقيق ومراجعة 900 ملف بشأن غسيل الأموال عرض أمامه من أصل 2500، وأصدر مذكرات قبض بحق عدد كبير من المسؤولين العراقيين بينهم هاربون خارج العراق.
وأجرى وزير المالية علي علاوي اجتماعات مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي في العراق بداية الشهر الحالي، وقالت الوزارة حينها إن الاجتماع كان إيجابيا.
وأعلن علاوي عن خطة مالية لـ"إصلاح الاقتصاد العراقي بشكل كامل" يفترض أن "تقدم إلى البرلمان لإقرارها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة".
من جهته دعا وزير الخارجية فؤاد حسين، نظراءه الأوروبيين إلى رفض قرار مُفوّضيّة الاتحاد الأوروبيّ إدراج العراق ضمن قائمة الدول عالية المخاطر بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وقال وزير الخارجيّة في رسالة بعثها لهم: "العراق حقّق تقدُّمًا كبيرًا أدّى في عام 2019 إلى شطبه من القائمة العالميّة لفرقة العمل المعنيّة بالإجراءات الماليّة الدوليّة (FATF) للبلدان التي تُعاني من أوجُه قُصُور ستراتيجيّ في عمليّات مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب".
وأعرب الوزير، عن "خيبة أمل العراق إزاء قرار مُفوّضيّة الاتحاد الأوروبيّ إدراج العراق في القائمة المُنقّحة للدول عالية المخاطر بشأن غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب".
وأشار إلى، أن "العراق اتخذ عِدّة تدابير لتعزيز إطاره القانونيّ؛ ممّا أدّى إلى زيادة التعاون مع نظرائه، وأنّ العراق شارَكَ بشكل كامل، وعمل عن كثب مع اللجنة منذ اعتماده اللائحة السابقة المُفوَّضة من قبل مُفوّضيّة الاتحاد الأوروبيّ 1675/2016 في عام 2016".
في هذه الاثناء رد مكتب مكافحة غسيل الاموال ومكافحة تمويل الارهاب في بيان تلقته (المدى) أنه في "عام ٢٠١٨ وبعد استيفاء العديد من المتطلبات والتقدم الواضح في ملف العراق في مجال مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب فقد تم رفع اسم العراق من القائمة الدولية لمجموعة (FATF) لتتصاعد على اثر ذلك الجهود وتتظافر من اجل التعجيل في رفع اسمه من القائمة الاوروبية من خلال الامتثال الكامل للمعايير الاوروبية في هذا المجال".
ويتابع البيان أن "العراق استمر ومن خلال تنسيق عالي المستوى بين جهاته الحكومية لتطوير تدابير مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب من خلال اصدار انظمة وتعليمات تُنظم هذا القطاع واقتناء اجهزة وبرامج تساهم في كشف هذا النوع من العمليات بالاضافة الى الدخول في معاهدات ثنائية ومتعددة الاطراف تعنى بالتعاون الدولي بمكافحة هذه الجرائم".
ويضيف مكافحة غسيل الاموال ومكافحة تمويل الارهاب التابع للبنك المركزي إن "استمرار ادراج العراق في قائمة الاتحاد الاوروبي لم يكن بسبب تأشير وجود قصور في ملف العراق وانما كان تحت ذريعة أن الوضع الامني في العراق لم يُمكن مفوضية الاتحاد الاوروبي من الوقوف على وضع العراق ميدانيًا او التواصل مع العراق بشكل مباشر".
ويبين أنه "لكون هذا السبب لم يكن سببًا فنيًا او مقبولًا لاستمرار ادراج العراق في هذه القائمة فقد بادرت وزارة الخارجية ووزارة المالية بارسال رسائل احتجاج على توصية المفوضية الأوروبية الأخيرة بعدم رفع اسم العراق من القائمة، كما استمر مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بعقد الاجتماعات مع الجهة المعنية في المفوضية لشرح وتقديم الادلة التي تثبت استيفاء العراق لمتطلبات ومعايير الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".
ويرى البيان أن "من المهم الإشارة إلى ان التوصية الأخيرة للمفوضية الأوروبية لم تدخل حيز التنفيذ بعد وأنها لا تعني منع التعامل مع العراق وإنما تقتصر على تطبيق العناية الواجبة تجاه التعاملات المالية التي تكون المؤسسات العراقية جزءًا منها". ويؤكد ان "الجهود الاستثنائية التي بذلتها عديد الجهات الحكومية مؤخرًا أسهم في إيصال صوت العراق وجهوده الحقيقية في هذا المجال ومن المؤمل ان تتم مراجعة القائمة الأوروبية بالقريب العاجل ويتم رفع اسم العراق منها".
اترك تعليقك