اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > إلى روح الممثل مهدي الحسيني

إلى روح الممثل مهدي الحسيني

نشر في: 20 يوليو, 2020: 07:00 م

عبد الخالق كيطان

أكتب لك هذه الرسالة بعد أن يكون قد مرّ على رحيلك المباغت أسبوع كامل. أمضيت هذا الأسبوع في محاولة الإفاقة من "الصدمة". حقيقة أنني لم أعد قادراً على الرثاء.

لقد خسرت الكثير من الأصدقاء، وأنت تعرف أكثر مني أن الصديق في هذا القحط هو ثروة لا تتمنى أن تخسرها بكبسة زر.

لقد تعبت بالفعل. غيابك عقد لساني. ولم أرد على رسائل التعزية الكثيرة التي وصلتني منذ رحيلك، ليس من العدل أن أتلقى التعزية بك. كنت أكثرنا صبراً، فمن أين لي بالصبر بعدك؟

هذه الرسالة، التي لن تصلك، لا أريدها أن تجرح عائلتك أو محبيك.. ولكن كيف أفعل ذلك وأنا محزون ومنفعل؟ إنني أجرب الكتابة بشكل هادئ، وأحاول جاهداً أن أزيح وجهك من أمامي في هذه اللحظات بحثاً عن الموضوعية... ولكن، أي موضوعية في فقدك المباغت؟

لقد كتبت سطور رسالتي هذه بشكل متقطع، وهذا ليس من عادتي، تعرف أنني في عجلة مستمرة، ولكنك كنت عجولاً أكثر مني هذه المرّة. لا بأس أن أذكرك بالعلامات. لقد جاءتك علامة الموت قبل ساعتك بأيام قليلة، ويبدو أنك أهملت العلامة فاستعجلت رحيلك الأبدي، ما كان عليك أن تستعجل يا أخي، حفيدتك في القارة النائية تبعث بصورها إليك فتضحك وتضحك حتى تدمع عيناك فرحاً وألماً. كان عليك أن تكون معها، ربما سيندهش الرسول من فرحك بها فيؤخر مهمته العاجلة. 

لقد قلت لك مرات كثيرة جداً أننا في لحظة الخلاص الفردي، حتى لو نعتنا بالأنانية، لا بأس في ذلك. وكنت تدرك ذلك جيداً. لقد لابت روحك الطيبة بين المدن بحثاً عن خلاص، ولكنها في النهاية طارت الى حيث نعشق كلنا: بغداد. وبغداد لم تكن بغداد يا أخي. لقد اختلف كل شيء. حتى خطواتك أجبرت فيها على الانحناء للموجة العاتية، أنت بين نيران شتى، ولهذا أقفلت المشافي أبوابها عنك، هل كنت ممداً في سيارة أجرة؟ هل كان معك ولدك؟ هل تذكرت لحظتها، زوجتك التي تنتظرك في عمان؟ كيف قلت: أنا موجوع؟ لم تقلها من قبل. هل رأيت الرسول جاثماً على رأسك يقرأ تراتيله؟ هل سقطت علبة سجائرك لحظتها؟

أخي الحبيب…. إنها لوعة مضاعفة وأنا تعبت… قلت لك أنني تعبت، أليس كذلك؟ هذه السلسلة من الفقد موجعة، لا أعرف كيف أعبر عنها. تخونني الكلمات والمشاعر. صحيح أنك الآن جوار أصدقاء رائعين كنا نفتقدهم باستمرار، ولكن الصحيح أيضاً هو أنك لن تتحدث معي أبداً. عليّ الآن أن لا أنتظر فيديوهات فكاهية أو جمالية تصلني منك عبر الواتس آب. هل عليّ في هذه الحالة أن أقوم بحذف رقمك من تليفوني؟ صورتك، ضاحكاً، تزين رقمك فكيف أفعل؟ وإذا فعلت، هل يعد ذلك خيانة لأكثر من ثلاثين عاماً من صداقتنا؟ 

أخي الكبير… 

من حسن حظي أنك تعرف كم أحببت فيك خصال الندرة في زمن اليوم، وهي الخصال التي ستظل عالقة في رأسي إلى الأبد، ومن حسن الحظ أيضا أن أرى موجات المحبة التي غمر جسدك النبيل بها أصدقاء ومحبون كثر.

أرقد بسلام أيها الإنسان الطيب.

أرقد بسلام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مثنى السامرائي

    الله يرحمهُ الصبر والسلوان لجميع محبيه

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

16-04-2024

مثقفون: الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي

علاء المفرجي تحرص الجامعات الكبرى في العالم على منح قيمة كبيرة للمنجز الثقافي في بلدانها، مثلما تحرص الى تضييف كبار الرموز الثقافية في البلد لإلقاء محاضرات على الطلبة كل في اختصاصه، ولإغناء تجربتهم معرفتهم واكسابهم خبرات مضافة، فضلا على خلق نموذج يستحق ان يقتدى من قبل هؤلاء الطلبة في المستقبل.السؤال الذي توجهنا به لعدد من […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram