عبد الحليم الرهيمي
تحل بعد أيام الذكرى الثلاثون لغزو نظام صدام الدكتاتوري لدولة الجارة الكويت في 2 آب العام 1990 والذي مثل عدواناً صارخاً على شعبها ، كما ستحل بعد شهر ، أي في أيلول القادم الذكرى الاربعون لإعلان صدام الحرب على إيران بإعلانه إلغاء وتمزيق اتفاقية آذار – مارس المذلّة لعام 1975 التي عقدها صدام نفسه مع الشاه بهدف القضاء – كما اعتقد – على الثورة الكردية أنذاك وبتنازلات مذلّة ومهينة لنظام الشاه محمد رضا بهلوي .
وفيما استطاعت إيران أن تتجاوز آثار ونتائج الحرب التي استمرت ثماني سنوات وإعادة بناء ما دمرته تلك الحرب ، كذلك استطاع الكويتيون أن يستوعبوا آثار الغزو والعدوان عليهم وإعادة بناء ما دمّره الغزو والعدوان لبناها التحتية وبأفضل مما كان .
أما العراق فأضافة الى ما دفعه وشعبه من أثمان وكلف عالية من أرواح العراقيين وخسائر مالية وإمكانات اقتصادية وبنى تحتية بقي يدفع حتى كلفاً عالية جراء القرارات الدولية التي فرضت على العراق فضلاً عن حصول المزيد من التردي والدمار في بناه التحتية ، بدلاً من إعادة البناء والإعمار أو إزالة الآثار النفسية التي نجمت عن الحربين ونتائجهما .
لم يستفد النظام الدكتاتوري ورئيسه على وجه التحديد من دروس وعبر حربه مع إيران ، ولم يستوعب دلالات هذه الحرب الاولى خلال العامين (من منتصف العام 1988 حتى منتصف العام 1995) كي لا يتورط بدخول الحرب العدوانية على الكويت دون حساب وتقدير صائبين لما سيترتب على شن حرب جديدة على الكويت بعد الحرب العراقية – الإيرانية.
والسؤال ، إذا لم يستوعب حاكم العراق الدكتاتوري دروس وعبر الحرب الأولى والثانية ، فهل استوعب العراقيون ونخبهم السياسية والفكرية تلك العبر والدروس وهم يستذكرون ذكرى الحربين كل عام ؟
الكويتيون يستعيدون الذكرى الثلاثين لغزو بلدهم مثل كل عام بموقف وطني موحد : إنه عدوان غاشم لا مبرر قانونياً أو شرعياً أو دستورياً يسوغه ويبرر القيام بأرتكابه .
اما استذكار العراقيين ونخبهم طيلة الثلاثين عاماً فكان بثلاثة اتجاهات : الأول يبرر عدوان النظام على الكويت وغزوها باعتبارها الفرع الذي يجب أن يعود للأصل حسب الرواية الصدامية ، ويرى الاتجاه الثاني أن الغزو عدوان صارخ وغير مبرر وإن قرار القيام به قرار أحمق وغير مسؤول ومضر بالمصالح الوطنية العليا للعراق وشعبه أما الاتجاه الثالث فيتماهي مع رؤية النظام الدكتاتوري وتبريراته لكنه لا يرى الوقت المناسب أو الطريقة الملائمة لتحقيق هذه الرؤية !!
إن العبر والدروس التي تنطوي عليها دلالات رؤى الستراتيجية مهمة هي أن قراري الحربين هما قراران يتصفان بالحماقة الشديدة ، وبالغباء حتى ، وبالانفعالات المزاجية والأوهام السقيمة ، اللذان لم يسفر عنهما ما شهدناه من نتائج وآثار مدمرة للعراق والعراقيين ، فضلاً عن أثارهما السلبية على إيران والكويت في آن واحد .
لا شك ، إن أي قرار ستراتيجي تاريخي تتخذه القيادة السياسية لأي بلد يتطلب الدراسة المعمقة والتأني في اتخاذه والتقدير والحساب الدقيقين لما سينتج عنه من آثار على مستقبل البلد وشعبه ، وبالطبع ، فأن ما يحدد أهمية أي قرار ستراتيجي هو المصالح الوطنية العليا للشعب العراقي والعراق قبل مصالح الآخرين ، وأن يحسب بدقة ما سيسفر عن ذلك من آثار ونتائج وتداعيات تخدم تلك المصالح أم تضربها ، وبالطبع فأن القرار الستراتيجي الذي نعنيه لا يتعلق فقط بالحرب والسلم إنما أيضاً بسائر السياسات التي تخدم مصالح العراق وشعبه .
ومثلما دمرت قرارات الحروب ذات الطابع الستراتيجي ، الخاطئة والحمقاء العراق ومتخذيها في الوقت ذاته . كذلك فإن القرارات والسياسات الستراتيجية الخاطئة في القضايا الداخلية وفي العلاقات الخارجية تلحق ضرراً كبيراً بالعراق وشعبه أذا ما اتصفت بالحماقة والمصالح الضيقة ومصالح الآخرين وبالانفعالات والمواقف الأديولوجية المسبقة .
ويواجه العراق وشعبه وحكومته الجديدة أوضاعاً صعبة وأزمات حادة وظروفاً اجتماعية وسياسية مضطربة ومعقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي بما يتطلب اتخاذ قرارات ستراتيجية تاريخية صائبة واعية تضع المصالح الوطنية العليا للعراق وشعبه نصب عيني متخذي تلك القرارات سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد علاقات العراق الخارجية لاسيما مع الدول الحليفة والصديقة وبما يؤكد سياسة العراق المستقلة للنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية والدولية التي لا مصلحة له فيها ، إن قرارات ستراتيجية بتلك المواصفات والأهداف قد لا تعجب البعض ويختارون معارضتها ، لكن ليكن لهم ذلك شرط أن لا يؤثر ذلك على اتخاذها لأنها تصب ، كما نفترض ، في المصالح الوطنية العليا للعراق ولجميع العراقيين .
اترك تعليقك