قناديل: شاشي ثارور وبغداده المتخيلة

لطفية الدليمي 2020/08/22 07:30:23 م

قناديل: شاشي ثارور  وبغداده المتخيلة

 لطفية الدليمي

ربما لم يسمع الكثير من القراء بإسم الدبلوماسي والكاتب الهندي البريطاني المولد (شاشي ثارور Shashi Tharoor ، 1956- .....) ، وهو سياسي وصحفي عرف بمقالاته السياسية والأدبية التي كان ينشرها في ابرز الصحف الهندية ، ومن أشهر رواياته (رواية الهند العظمى The Great Indian Novel) التي استلهم بنيتها الفنية من الملحمة الهندية الشهيرة (المهابهارتا) وأسقط وقائع الملحمة على مجريات حركة استقلال الهند والعقود الثلاثة التي تلت الاستقلال .

عمل ثارور - وهو عضو في حزب المؤتمر الهندي - في بعثات الأمم المتحدة حول العالم منذ 1979 وتقلد مناصب عدة ، ورشحته الهند سنة 2006 لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة وخسر أمام الكوري الجنوبي (بان كي مون) . 

إثر غزو الكويت وحرب الخليج الثانية زار (شاشي ثارور) العراق مبعوثا أممياً ممثلاً لكوفي عنان ولبث فترة في بغداد ، سمع خلالها نتفاً عن الحياة العراقية كما قدمها له مرافقوه الرسميون وتعامل مع تلك المعلومات بمزاج سائح مسكون بالمحمولات الفولكلورية عن بغداد الأساطير وبطر دبلوماسي هندي مترف إعتاد التمتع بامتيازات المناصب الرفيعة . زار الرجل شارع المتنبي صحبة بعض الصحفيين ولفتوا نظره إلى ظاهرة بيع الأدباء مكتباتهم لإدامة حياتهم ، وقد أمست تلك الظاهرة حينها ثيمة فولكلورية متداولة إختزلت المشهد الإنساني العراقي وحجبت الحقائق اليومية المروعة والأهوال التي عاناها العراقيون تحت وطأة مفاعيل الحروب البشعة والحصار الدولي ، وجعل شاشي ثارور الذي أصبح وزير الشؤون الخارجية الهندية في 2009 هذا الموضوع عنواناً جذاباً لكتابه (محرومٌ من الكتاب في بغداد Bookless in Baghdad) ، ويضم الكتاب مقالات في النقد ومراجعات لكتب وأعمدة صحفية وانطباعات عن الكتابة والكتب والتأملات الأدبية .

كتب ثارور عن تجربته بكيفية تنم عن جهل بطبيعة المجتمع العراقي وتركيبته وتحولاته ، وقدّم رؤيته المحملة بمؤثرات فولكلورية عتيقة عن المدينة كما خبِرها في المتخيل الأسطوري وكما جرى تقديم صورتها المشوشة له بروتوكولياً باعتباره كاتباً ومبعوثاً أممياً من جانب آخر .

يتخذ الكاتب من الكتب المبذولة على أرصفة شارع المتنبي مدخلاً للبؤس الذي عاناه العراقيون و اضطرار الكُتّاب لبيع مكتباتهم متخلّين عن الترف الفكري لصالح لقمة تقيم أودهم ، وعمد إلى تطعيم معلوماته المبتسرة باستطرادات من مخزون أسطوري عن بغداد ألف ليلة وليلة ، وهو يتحدث عن معلومة عابرة سمعها من أحد أصدقائه المطلعين على العالم العربي يخبره فيها أن (بوسعك العثور على تمثال لشخصية شهرزاد الشهيرة في بغداد وحدها) ، وهكذا يؤخذ الرجل إلى شارع أبي نؤاس ليشاهد نصب شهرزاد وشهريار ، ويكشف عن رؤية سطحية منمطة عن شهرزاد ويسهب في وصف ردائها وقسماتها المفتقرة للجمال وتسليطها سحر الحكي على شهريار ، وأذكر هنا أنني تعاملت مع موضوعة الحكي على نحو مغاير في قصتي الطويلة (مالم يقله الرواة) ووظفتُ تنازع المعرفة والوعي مع العجز والتسلط بين شخصيتي شهرزاد وشهريار .

يربط شاشي ثارور بطريقة مفتعلة بين غياب إسم شهرزاد عن التمثال وبين فقدان العراقيين لهويتهم وأسمائهم وكتبهم ! ، ويتحدث بنبرة رثاء فوقية وبمنطق ألف ليلة وليلة ذاته وهو يعاين آثار حروب معاصرة عند مشارف القرن الحادي والعشرين متحسراً على عاصمة الرشيد وألف ليلة وليلة الراسخة في مخيلة تسكنها الأسطورة والتي ماعاد بوسعها أن تتلمس عزاءً لعذاباتها في أساطير أمسها وأصبحت عاجزة عن تدوين حكاياتها .

لاأدري من أي مصدر إستقى ثارور فكرته عن هذا العقم المفترض الذي أصاب بغداد وأدباءها حتى عجزت وعجزوا عن تدوين حكاياتها !! .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top