رأي بالاجنبي: الحاجة إلى مبدأ (أوبونتو) الإنساني لمواجهة تحديات البشرية

آراء وأفكار 2020/08/23 06:58:35 م

رأي بالاجنبي: الحاجة إلى مبدأ (أوبونتو) الإنساني لمواجهة تحديات البشرية

 روجر كوديه

ترجمة : عدوية الهلالي

هنالك حدثان تركا أثراً متميزاً هذا العام ، وهما : في المقام الاول ، التأثير الكوني لأزمة كوفيد -19 التي كشفت نقاط الضعف لجميع المجتمعات ، حتى المتطورة منها ، وفي المقام الثاني ،

كان الغضب العالمي بشأن جريمة قتل جورج فلويد الشنيعة ، التي أثارت أسئلة كان يتم التغاضي عنها وعما يتعلق بها من الذكريات المثيرة للنزاع المتعلقة بمسألة العبودية والاستعمار ..ويمكن القول إن هذين الحدثين يمثلان حقبة جديدة يجب البدء بها بذكاء جماعي .. 

بعد فترة التمييز العنصري ، ومن أجل إرساء أسس مجتمع ديمقراطي يتسم بالمساواة والأمن للجميع ، تبنى نيلسون مانديلا وديزموند توتو مبدأ ( أوبونتو) المستمد من التقاليد الإنسانية الأفريقية لاستعادة الإنسانية للجميع ، الضحايا منهم والجلادون ، فبالنسبة لديزموند توتو ، كان الخيار الأنسب مابين الحلول العقابية والعفو العام هو الخيار الإصلاحي لأنه يجمع بين مطالب العدالة والمسؤولية والسلام والمصالحة ..

في الواقع ، يعبر مبدأ أوبونتو عن حقيقة كونك إنساناً تجاه الآخرين :" إنسانيتي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإنسانيتك "و" نحن ننتمي الى نفس مجموعات الحياة " حيث يوضح ديزموند توتو قائلاً :" إن الكائن البشري لايكون موجوداً إلا من خلال علاقته مع البشر الآخرين " والذي يختلف تماما عن مبدأ " أنا أفكر إذن أنا موجود" ويدل ذلك في الأساس على حقيقة أنه " أنا إنسان لأني أمثل جزءاً من كل ، لأنني أشارك ، وأتقاسم " وهذه العلاقة بالآخرين تجعل من الممكن التعرف بشكل مستمر على إنسانية الفرد الخاصة ..

ويقدم مبدأ أوبونتو الذي يدعو الى جمع البشرية وسائل يمكن الوثوق بها لمواجهة تحديات العالم المعاصر ،ذلك إن جعل البشرية معاً يعني الاعتراف بأننا جميعاً ننتمي الى نفس مجاميع الحياة وإن مستقبل العالم يعتمد على قدرة المجتمعات على الحفاظ على إنسانيتها المشتركة ، من خلال احترام كرامة وقيمة الإنسان ..هل كان الغضب الذي أثاره مقتل جورج فلويد مثلاً دليلاً على الانزعاج الحضاري العالمي ؟!

في الواقع ، تثبت هذه الصدمة الكونية بأن الظلم ، وأينما يحدث ، يمثل تهديداً للعدالة في كل مكان آخر ، لأننا جميعاً عالقون في نسيج من العلاقات المتبادلة " على حد تعبير مارتن لوثر كينج ، كما أن فكرة جمع البشرية معاً ليست جديدة ، إذ تم تطويرها في عصور مختلفة ، خاصة عند التعاطف مع الرواقية أو الأخوّة العالمية التي تدعو إليها الأديان والروحانيات الأخرى ..وعليها أيضاً يدل معنى ميثاق الأمم المتحدة الذي ينادي بـ" الإيمان بكرامة وقيمة الإنسان " في كل مكان في العالم ، وتنعكس هذه الرؤية أيضاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والذي يعد بمثابة ميثاق أخلاقي عالمي .

بالنسبة لرينيه كاسان ، فأن هذا الإعلان ليس مجرد احتجاج ضروري للضمير البشري رداً على الفظائع الرهيبة في الحرب العالمية الثانية ، بل إنه تعبير عن التطلعات الدائمة للبشرية ، تلك التي وصلت بلاشك الى مستوى معين من الحياة والثقافة والمتطلبات ، ولكن أيضاً لمئات الملايين من الكائنات البشرية التي مازالت غارقة في القهر والبؤس والجهل ، والشروع في تحقيق الشروط اللازمة لكرامتهم الجماعية والفردية ..

إن جمع البشرية معاً يعني إدراك حقيقة بأننا نعيش مجموعة من المخاطر ، التي تدعو الى تضامن عالمي فاعل ودائم ، سواء في مايخص الإرهاب أو الجريمة أو مايسمى بالحروب الأهلية ذات العواقب المتعددة وأزمة الهجرة والأوبئة مثل كوفيد - 19 ، والفقر والبؤس ، فكل تلك التحديات هي التي تولد العنف المستشري وهي التي تظهر دائما أنه يمكننا العمل بفاعلية ..

ويلخص قرار الأمم المتحدة ( اتحاد حفظ السلام / 377)هذا النهج جيداً ، ويرى أن السلام العالمي لايمكن اختزاله في غياب الحرب ..فمن المؤكد بأن السلام العادل والدائم يعتمد على مراعاة جميع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة ، ولاسيما " الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ، وكذلك تهيئة الظروف المؤاتية للصالح العام والحفاظ عليها في جميع البلدان "..

وبالتالي ، تواصل الأمم المتحدة دعوة الدول الى العمل المشترك والتعاون الدولي " لتكثيف جهودها الفردية والجماعية لضمان ظروف الاستقرار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي ، ولاسيما عن طريق تنمية البلدان والمناطق المتخلفة ، وتقود هذه الرؤية في النهاية الى تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ومسؤولة وموحدة من أجل رفاهية الجميع ..وإن جمع البشرية معاً يقوم على حقيقة أننا أيضاً مجتمع (أقدار) مدعو الى مسؤولية جماعية للحفاظ على كوكبنا كمكان آمن ..

في الواقع ، ليست الأرض غنائم حرب بل هي بيتنا المشترك الذي نتشارك فيه بشكل جماعي ، كما أن هذه المسؤولية الجماعية تمنحنا " واجب مراقبة حياتنا " بسبب إنسانيتنا ذاتها التي تلزمنا بالقيام بذلك ..

* أستاذ القانون الدولي في جامعة ليون

أستاذ الذاكرة والثقافات في منظمة اليونسكو

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top