علي لفتة سعيد
تبدو المناسبات المختلفة لدى الشعوب مناسبة لتوليد طاقات جديدة سواء كانت هذه المناسبة دينية أم اجتماعية أم سياسية أم حتى اجتماعية.. ولأن هذه المناسبات مختلفةٌ فإن الاستفادة منها لها طرقٌ أيضا مختلفةٌ وسبلٌ متعدّدةٌ لاختراق ما هو غير مألوفٍ وجعله مألوفاً،
لأنها أي هذه الشعوب تبغي من هذه ممارسة الحقّ في تكثيف الاتجاه العام لهذه المناسبات لأنها تريد أن تبقي الممارسة في حدود الانطلاق نحو مدياتٍ أوسع وأكبر وأفضل من الناحية الاجتماعية، فكيف إذا كانت هذه المناسبات لها ارتباطات روحيةٌ ودينية أو طقسية عقائدية.
وبهذا يمكن القول أن لا شيء في الحياة لا يمكن الاستفادة منه.. مثلما لا شيء يداخل العقل والعاطفة لا يكون فيه فائدة تثوير العقل مع الاحتفاظ بالعاطفة الى أكبر قدرٍ ممكنٍ من ضبط النفس.. الاحتفالات الدينية نوعٌ ثقافيٌّ أيضا وهي وإن كانت بحاجةٍ الى تنظيمٍ من أجل استغلال الوعي المنتج لما بعد الاحتفالات.. ولكن الأهم من كلّ ذلك هو الإجابة على السؤال الأكثر حميمية في هذه الظاهرة التي باتت مألوفةً في المشهد العراقي، وهو: هل هناك فائدةٌ ثقافية من ممارسة هذه الاحتفالات؟ وهل هناك ارتباطٌ روحيٌّ ما بين الإنسان وهذه الاحتفالات؟ وهل حقاً إن مثل هذه الاحتفالات سواء ما كان منها مفرحاً أو حزيناً يرتبط فقط بالجهة العاطفية لدى الانسان؟
إن الإجابة هنا لا تكمن فقط في التأشير والتسليم الكلي بوجود فائدةٍ فحسب بل بتأشير معنى هذه الفائدة على الحقل الجمعي لمجتمعٍ، مثلما نحتاج الإشارة الى الجوانب الأخرى المعاكسة لهذه النتائج التي يراد لها أن تكون مهمّةً على المستوى المجتمعي، وكذلك نحتاج الى إدراك إن الفعل الممارَس لمثل هذه الاحتفالات قد ركّز على الجانب العقائدي وهو جانب مهم للممارسة الثقافة من وجهتها البنائية مثلما هو مرتكز مهم من الناحية التوعوية في ضرورة الإحاطة بمثل هذه الاحتفالات واستغلالها، ليس في جانبها العقائدي الذي يرتبط ارتباطاً كلياً بماهية الدين في المحصلة النهائية بعيداً عن النظرات الضيقة للأفكار المعارضة والمعاكسة لها والتي تتّهم ممارسي هذه الاحتفالات على إنهم يمارسون التجهيل أو إنهم يزيحون الوعي الديني الى منطقةٍ أخرى، يكون بسببها الإغراق في الاتجاه الآخر المخالف للتعاليم والدين بحسب وجهة النظر الأخرى.
إن ثقافة الاحتفالات يجب أن تكون مهمّتها تثوير العقل والاستفادة من المناسبة بأكبر قدرٍ ممكن لتصحيح الأخطاء المجتمعية خاصة وإن هذه الاحتفالات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب الديني وبرجالات الدين العظماء سواء مناسبة الاحتفالات بولادة الرسول الأعظم ( ص ) أم بولادة الأئمة الأطهار أم بالأعياد والمناسبات الدينية المختلفة.. ومن هنا فان العقلانية تعني ممارسة الطقوس والشعائر على إنها مرحلةٌ أولى لإعادة ترميم البيت الديني بكلّ مسمياته وإعادة عملية البناء لترصين البيت الداخلي الديني من الشوائب التي علقت بها والتي تسيء الى الدين برمّته كما هو حاصل من التكوينات الجديدة الى طرأت وطفحت على الساحة الدينية الإسلامية على الأخص فظهرت لدينا تنظيمات إسلامية تريد محاربة ما تعتقد إنه مخالفٌ للدينـ فأساءت للدين نفسه لأنها آمنت بقتل الآخر الذي لم يكن مؤذياً بممارسة الطقوس والشعائر سواء ما يمكن تأشيره على إنها ممارسات سنّية أو شيعية فكلّ مذهب له احتفالاته وله طقوسه وله شعائره ولأن المنطقة التي تشتغل عليها هذه الطقوس يعتقد المناهض لها إنها مخالفةٌ بسبب جنوح الممارسة الى اعتقادات غير ملائمة حتى لعلماء ومجتهدي وفقهاء الممارسة نفسها، لأن هناك الكثير من المخيالات الشعبية التي طرأت على ممارسة الاحتفال لتتحوّل من طريقةٍ ثقافيةٍ الى طريقةٍ اجتماعيةٍ لها عاداتٌ تم ربطها بالدين والعقيدة وتحوّلت من كونها ممارسات فردية الى ممارسةٍ ممنهجةٍ في الاحتفالات نفسها، وهذا الأمر يعود على كل المذاهب وليس لمذهبٍ دون آخر.. أن الحاجة باتت واضحةً لكي ندعم الممارسة الفعلية في أيام المناسبات الى ممارسة عقلانية ثقافية يممكن من خلالها تثوير العقل للبناء وترميم البيت لترصين الواقع وعدم هدر الوقت الذي يستنزف في الاعتماد على ما جاء من ربط الممارسات الأخرى بالاحتفال وبهذا يكون الرابح هو الفرد كونه يمارس ما يريد ممارسته في وقتٍ علميٍّ وثقافيٍّ وتوعويٍّ وكذلك الرابح الجهة التي يرتبط بها الاحتفال لأنها أخذت على عاتقها مهمة رعاية الاحتفال واستنتاج دروسه وعبره، من أجل بناء واقع جديد يعتمد على ممارسة فرد لحريته وأيضا ممارسة المجتمع لطقوسه وبالنتيجة الحصول على كمٍّ هائلٍ من الممارسات الثقافية التي تنتج واقعاً جديداً يكون قابلاً لصناعة الجمال ودحض كل الممارسات العدائية لهذا الطقس أو ذاك من هذا التنظيم أو ذاك.. لأن الجميع واقعٌ تحت سوط هذه التنظيمات التي تبحث عن السلبيات لمقاتلتها.
اترك تعليقك