هادي عزيز علي
تصويت مجلس النواب على قانون انتخاباته وعلى وفق الشكل المرسوم في النظام الداخلي للمجلس ومنذ شهر كانون الأول 2019 يعني أن يد مجلس النواب قد رفعت عنه ولا يجوز التدخل في أحكامه أو الحديث عن تعديلات في نصوصه إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية .
حينئذ يجوز المطالبة بتعديل النص في هذا البند أو تلك الفقرة ومن خلال الآليات القانونية المطلوبة لتعديل القوانين ، أي أن القانون يعد نافذاً بعد نشره ، عليه يعد محظوراً الحديث عن تعديل أحكام المادة 15 منه قبل استيفائه عملية النشر المطلوبة قانوناً . ورغم تحفظنا على العديد من نصوصه وصياغاته ومنها على وجه الخصوص الاشكالية الموجودة في حكم الفقرة سادساً من المادة المذكورة التي تنص على : ( تتكون الدوائر الانتخابية وفقاً للجدول الذي الذي سيقرره مجلس النواب لاحقاً ويتم التصويت عليه ) . إذ اشعل هذا النص الجدل المصحوب بالضجيج الذي يملأ أروقة مجلس النواب ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول الموقف من القانون . ويمكن توزيع المتناشز من الأفكار المثارة بشأنه على وفق الترتيب الآتي :
أولاً – فئة تطالب العزوف عن المراكز الانتخابية المتعددة في المحافظة الواحدة والعودة الى المحافظة منطقة انتخابية واحدة ، وغالباً هذه الفئة تتشكل من الأحزاب ذات الخطاب السياسي الديني المسيطرة على المشهد السياسي منذ 3003 والى يومنا هذا ، والتي تخشى من انحسارنفوذها السياسي في حالة المراكز المتعددة ، والفوبيا من دخول دماء جديدة الى السلطة التشريعية خاصة إذا كان مصدرها سوح الاحتجاج مستعينة بالنص الجديد للمراكز المتعددة الذي يوصلها الى المقاعد التمثيلية وهذا يعني أن القادمين سوف ينحتون من جرف مواقعهم ويهددون مكتسباتهم ووضعهم الباذخ لذا أعلنوا رفضهم للمراكز المتعددة والعودة الى المحافظة منطقة انتخابية .
ثانياً - فئة ثانية تنزع نحو الدائرة الصغيرة المتمثلة في مقعد نيابي دائرة انتخابية واحدة أي لكل مائة ألف نسمة مقعد انتخابي ، عدا كوتا النساء ، وهذا المقترح يعزز من وجود هذه الفئة التي تملك اتباع ومريدين بشكل ملفت ، وتنوي زج اتباعها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وتمكنها من الإمساك بذلك المقعد التمثلي والاستحواذ عليه مستغلين الدوغمائية كمنهج في تعزيز الطاعة التي يتحلى بها هؤلاء الاتباع ، يضاف الى ذلك التوظيف المتقن للزبائنية الملتصقة بها بغية حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية لهذه الدورة . مع العلم أن هذه الفئة تعلن نفسها خصماً لكل من يخالف مشاريعها التشريعية ، ولا تتورع من الدخول في منازعات لفرض إرادتها .
ثالثاً – الدائرة المتوسطة – وأصحاب هذا المقترح يذهبون الى أن الدائرة المتوسطة لكل أربعة مقاعد برلمانية دائرة انتخابية ، ، معتبرين هذا التوجه منسجماً وحكم المادة 15 من القانون وتطبيقاً سليماً لنص القانون وتحقيق لما انصرفت إليه إرادة المشرع من الاستحقاقات التي تتطلبها العملية الانتخابية ، فضلاً – والقول لها – إنه يلبي مطالب وطموحات ساحات الاحتجاج ، ولكن بعد مراجعة هذا المقترح ومقارنته بأحكام المادة 15 من القانون تبين أنه لا ينسجم وأحكام المادة المذكورة كونه يؤدي الى أن المحافظة دائرة واحدة ولا يقدح تعدد المقاعد بوحدانية المحافظة وبذلك يتم هدر الدوائر الانتخابية المتعددة التي أوجبها واشترطها نص المادة 15 فقرة أولاً والذي يعد العمود الفقري لهذا القانون .
رابعاً – إشكاليات أخرى منتجة للاختلاف وولادة للتنازع نورد منها على سبيل المثال: ( كوتا النساء ) ونصوصه المتشابكة والمرتبكة زادها ارتباكاً وجهات النظر المختلفة للتشكيلات السياسية عند قراءتها للنصوص تلك . يضاف الى ذلك إشكالية أخرى بالنسبة للقضاء الذي لا يمتلك المائة الف نسمة وامكانية دمجه بقضاء مجاور أو قريب الذي اشعل الخلاف بين الأقضية ولم تستكين النزاعات فيه ومثال ذلك الموصل والبعاج . ووما يزيد الطين بلة أن هناك 41 قضاء لم تؤشرلدى وزارة التخطيط وهذا الأمر يربك العملية الانتخابية وقد يؤدي الى حرمان المواطنين هناك من الاشتراك في الانتخابات . وأخيراً وليس آخراً من الإشكالات الذي يتجلى في كون الترشيح الفردي إذا جرى التتافس فيه على مقعد برلماني واحد فلا بد والحالة هذه أن يكون التصويت على وفق نظام التصويت بالأغلبية وليس النسبي ، وهذا يعني هدر كبير لاصوات الناخبين وبعبارة أخرى إن الأصوات الأخرى غير الفائزة التي قد تزيد على ضعف الأصوات التي حصل عليها الفائز لم يكن لها تمثيلاً برلمانياً وهذا أمر لم يعالجه القانون .
الخلاصة – وضع القانون بهذا الشكل المنتج للخلاف والمفضي الى المنازعات وهجير الخصومة لا يعد حالة صحية ، ولا يندرج تحت أحكام حرية الرأي وحرية التعبير ، فمع الاختلاف الواضح والصريح في وجهات النظر بين الفئات المشار إليها اعلاه الذي يصل حد المنازعة في أحيان عدة إلا أنها تلقي وبتعمد ملموس عند هدف واحد قيد التحقيق المتمثل في إعاقة تطبيق القانون والحيلولة دون وضعه موضع التطبيق كونهم يضعون العصى الغليظة في عجلته بغية تعطيل إجراء انتخابات المبكرة والعبور بالتشكيلة السياسية الحالية الى نهاية دورتها النيابية ، لذا ليس من المستغرب أن تسمع العديد من السياسيين وفي وسائل إعلام عدة ينطقون وبصريح العبارة عن استحالة إجراء انتخابات مبكرة .
اترك تعليقك