هادي عزيز علي
اعتبر قرار مجلس الامن المرقم 833 لسنة 1993 تخطيط الحدود العراقية الكويتية نهائية ، والزم العراق والكويت باحترام الحدود الدولية كما خططتها اللجنة المشكلة بموجب القرار 687 \1991 ، وباحترام حق المرور الملاحي وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة .
ولا ينكر والحالة هذه ان المؤسسة الدولية وخاصة مجلس الامن فيها تعامل تحت مشاعرالتعاطف مع دولة الكويت بسبب جسامة الضرر الذي سببه الغزو لها . وان النتائج التي توصلت اليها لجنة ترسيم الحدود اشعرت الجانب العراقي بالغبن اذ وصفها البعض بأنها شبيهة بعقود الاذعان لذهاب الكثير من الاراضي العراقية الى الكويت . الا ان هذا الوضع لم يمنع العراق من تقديم الاعتراضات والدفوع وحجج مهمة خاصة وانه أستعان بكفاءات وكوادرعراقية مشهود لها بالجانب المهني والحرفي ، ومما قدم منها وقتئذ :
اولا – ان المستند الذي اعتمده مجلس الامن ومن ثم اللجنة هو المحضر المؤرخ 4 / 11 / 1963 الموقع في حينه من قبل رئيس وزاراء العراق احمد حسن البكر، وعن الجانب الكويتي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صباح السالم الصباح المؤيد للرسالة المؤرخة 21 / 7 / 1932 المرسلة من قبل نوري السعيد الى الحاكم البريطاني في الكويت ( ف همفرين ) . وان ذلك المحضر لم يرتق الى مستوى المعاهدة او الاتفاقية التي اشترطتها المادة 102 من ميثاق الامم المتحدة للتسجيل لديها كون ذلك المحضر لم يصادق عليه من قبل السلطة التشريعية في العراق لذا فهو ليس باتفاقية او معاهدة لعدم حيازته على شروطهما واسبابهما وأركانهما .
ثانيا – ان المهمة التي كلفت بها اللجنة هي ترسيم الحدود البرية فقط ، وهذا ماقامت به اللجنة وانهت عملها عند نقطة تلاقي خور الزبير بخور عبد الله . الا انه طلب منها الاستمرار بتخطيط الحدود البحرية من تلك النقطة ، رفض رئيس اللجنة والخبيران المستقلان ذلك وقالوا : ( ان اللجنة لا تستطيع ان تمنح صلاحيات لنفسها من دون مسوغ قانوني ) ، كما ان القرار 687 \ 1991 لم يتطرق الى الحدود البحرية . وامام الاصرار على الرفض اصدر مجلس الان الدولي قراره المرقم 773 لسنة 1992 المتضمن الايعاز لترسيم الحدود البحرية . وفي هذا الموقف قدم رئيس اللجنة استقالته مع رسالة اخرى تفصيلية للمستشار القانوني للامم المتحدة الذي قال بعد قراءة الرسالة : ( ان اي تغيير في تفويض اللجنة من قبل مجلس الامن غير وارد اطلاقا ) ، الا ان الترسيم البحري استمر رغم صرامة الرأي القانوني للمستشار .
ثالثا – ومع الاصرار على التخطيط البحري وعدم الاعتداد بالرأي العراقي ومع ذلك فقد اوضح العراق ان منطقة خور عبد الله لا ينطبق عليها وصف البحر الاقليمي لكي يصار الى ترسيم الحدود وفق خط الوسط لاعتبارات عديدة منها عدم تحقق المسافة البحرية المطلوبة دوليا اعتبارا من نقطة الشاطيء وسواها من الشروط الاخرى ، ولكن مع الاصرار على ذلك فقد طلب الجانب العراقي الاخذ بمصطلح ( الظروف الخاصة ) التي اوصى بها الخبيران المستقلان بالقول: ( ولا يصار الى اعتماد خط الوسط بموجب اتفاقية قانون البحار لسنة 1982 بل يجب اعتماد طريقة تخالف خط الوسط ) . وخلافا لهذا الرأي تم اعتماد خط الوسط في خور عبدالله ليكون العميق منه في الجرف الكويتي والضحل في الجانب العراقي .
رابعا – ان مجلس الامن واستنادا لميثاق الامم المتحدة غير مخول قانونا بان يفرض حدودا معينة لهذه الدولة او تلك لكون تحديد الحدود قد فصل فيه القانون الدولي من خلال خضوعه لقاعدة الاتفاق بين الدول المتجاورة ولا يندرج هذا الموضوع تحت احكام الفصل السابع من الميثاق لكون الاختلاف على الحدود لايشكل خطرا على السلم والامن الدوليين لنجاعة الحلول التي تضمنها القانون الدولي من خلال التفاوض والاتفاق .
خامسا – ان ما قام به مندوب المملكة المتحدة من حشر خريطة بريطانية في ملف لجنة الترسيم امر لا سند له من القانون خاصة وان المستشار القانوني للامم المتحدة قد وصفها بانها خريطة بريطانية اي انها ليس خريطة عراقية ولا خريطة كويتية فهي لا تعد والحالة هذه مستندا يخدم ترسيم الحدود بين البلدين بشكل عادل مع وضوح النوايا من تقديمها .
هذه الامور الرئيسة التي قدمها العراق ولا مجال هنا لذكر الاعتراضات الاخرى . ويلاحظ ان مجلس الامن لم يكتف بألزام العراق بالقرار 833 \ 1993 بل فرض عليه ان يكون ذلك الالزام خطيا من قبل المجلس الوطني العراقي ( السلطة التشريعية في وقتها ) ومجلس قيادة الثورة وتنفيذا لذلك اصدر كل منهما قراره بالالتزام بالقرار 833/ 1993 وتنفيذه ونشرا في الوقائع العراقية اذ سلمها السفيرنزار حمدون الى الامين العام للامم المتحدة .
للكويت الحق في استغلال جرفها الممتد لمسافات طويلة وبناء ما تشاء من موانيء الا انها تركت الشواطيء الطويلة تلك وقررت انشاء ميناء مبارك على خور عبد الله وفي النقطة التي تضيق من عرض الخور وتسبب الحرج للناقلات الكبيرة التي يتوجب عليها القيام بمناورات معقدة للعبور الى الجانب العراقي ، ولم تكتف بذلك فقد اصطنعت جزيرة فيشت العيج وعندما تم الاعتراض عليها قالوا انها جزيرة طبيعية وهي ليست كذلك لعدم وجودها على الخارطة البريطانية المقدمة للجنة الترسيم . كل ذلك من اجل خنق المجال الحيوي البحري للعراق وابعاده من الاطلالة على الخليج هذه النية المبيتة ثبتت عندما قال احد اعضاء الوفد الكويتي في اللقاء الاخير للدول المتشاطئة على الخليج عن سبب غياب الوفد العراقي ، اذ قال ان العراق ليس طرفا في مفاوضات لانه ليس من الدول المطلة على شمال الخليج . ويندرج الموقف الكويتي هذا تحت مصطلح : ( التعسف في استعمال الحق) . وامام هذا الاصرار الكويتى والذي لا يخلوا من الثأرية والوضع الحقوقي الذي خلفته الامم المتحدة الذي فرض على العراق جغرافية واقع الحال وباساليب القسر ، هذا الواقع يجعل تنفيذ ميناء الفاو الكبير استحقاقا وطنيا ملحا ، لان اكماله يجعل ميناء مبارك وفشت العيج مجرد اكوام من الحجارة . اما القرار 833 \ 1991 الذي اوجدته الدبلوماسية الاممية ، فالدبلوماسية ذاتها قادرة على تفكيكه .
اترك تعليقك