بعبارة أخرى: بيلسا وريهاغل .. وحمد!

علي رياح 2020/10/05 06:25:03 م

بعبارة أخرى: بيلسا وريهاغل .. وحمد!

 علي رياح

إنه حاد المزاج، صعب المراس، لا يتعاطى كثيراً مع رجال الصحافة، ويبدو لي أنه يتعمد (إظهار) طبيعة الغموض فيه!

كنت بذلك أردُّ على سؤال الصديق المدرب الكبير عدنان حمد ونحن نتناول غداءنا في مطعم القرية الأولمبية في أثينا ، عن إمكانية قراءة أفكار المدرب مارسيلو بيلسا الذي كان يجلس منزوياً بعيداً عن الجميع ، وذلك في استباق لاحتمال – أقول احتمال - أن نلتقي منتخب الأرجنتين في الدور ربع النهائي لدورة 2004 الأولمبية!

لكن (حمد) أصرّ بلطف على أن أحاول بصفتي الصحفية ، فدنوت من المدرب الصامت والذي لا يتحدث إلا لماماً ، وعرّفته بنفسي وتخطـّيت التعريف بهويتي العراقية ، وطلبت إجراء حوار معه .. اكتفى الرجل بأن رفع حاجبيه تعبيراً عن الرفض والاعتذار .. وحين استدرت عائداً إلى الطاولة البعيدة التي كنت وعدنان حمد نجلس عندها ، نطق (أبو الهول) الأرجنتيني وسمعت صوته للمرة الأولى : مؤكد أنك من العراق!

أدرك الرجل الذي أحرز للأرجنتين - فيما بعد - الوسام الذهبي في هذه الدورة ، أنني أريد قراءة ما يمكن الوصول إليه من أفكاره ، وأنا الآن اعترف بأن بيلسا كان مُحصّـناً منيعاً منذ اللحظة الأولى ، كيف لا وهو أكثر المدربين في العالم قدرة في التجسس على الفرق الغريمة التي يلاعبها لاحقاً ، وربما يكمن في ذلك سر هروبه المزمن من الإعلام إلا ما ندر ، وهو ما نشهده اليوم وهو يقود ليدز يونايتد العريق إلى الدوري الإنكليزي الممتاز بعد غياب دام ست عشرة سنة عن المسابقة!

وخلافاً لما كان عليه بيلسا الذي يؤمن بالمثل العربي الشهير (سوء الظن من حُسن الفطن!!) ، كان الملك الألماني أوتو ريهاغل في منتهى الوضوح والصراحة والأدب أيضاً وأنا أجري معه حواراً لمجلة (الصقر) القطرية في مطعم القرية الأولمبية نفسه!

(الملك) لقب أطلقه اليونانيون - في منتهى الاعتزاز- على هذا المدرب الكبير الذي نقل (الإغريق) في يورو 2004 من مجاهل التأخر أوروبياً إلى واجهة الكرة العجوز!

في الحوار الطويل الذي عرفت فيه صبر الرجل ودماثة خلقه ، امتدح ريهاغل منتخب العراق وأشاد كثيراً بالمدرب عدنان حمد ، لكنه قال :(المنتخب الأولمبي العراقي كان في إمكانه السير على نفس الخطوات التي قطعناها في نهائيات أوروبا لو أن أخطاءه الدفاعية كانت محدودة أو معقولة ، ولو أن المدافعين رفضوا تسليم ما يناله المهاجمون العراقيون بصعوبة)!

بعد فوز الأرجنتين بذهبية كرة القدم في أثينا 2004 ، كان السعي مجدّداً للقاء بيلسا ، وكنت اتصور أن الرجل لا يملك مبرراً واحداً للاعتذار ، فقد انتهت الدورة وأحرز الذهب ، كما أن احتمال اللقاء مع الأولمبي العراقي لم يتحقق في أي من مراحل المسابقة!

لكن هذا المدرب الأرجنتيني الذي يُعـِدُّ مواطنه المدرب الفذ سيزار مينوتي (بطل كاس العالم 1978) مثلا أعلى له حتى في تحاشي الإعلاميين ، شكرني بجملة واحدة فقط على التهنئة بالفوز ، وقال لي : شكراً ، ليس عندي ما أقوله ، وأحالني إلى مهاجم المنتخب الواعد خافيير سافيولا نجم برشلونة الواعد في ذلك الوقت ، فتمّ اللقاء على أكمل وجه وفي حضور بيلسا نفسه .. وكنت ألمح في عيني سافيولا اعتذاراً خفيّاً عن طريقة المدرب في التعامل مع الإعلام وهو ما تسبب له في الكثير من المطبات وأوجد له خصوماً داخل الأرجنتين!

تطلق الصحافة الإنكليزية الآن على بيلسا لقب (المنقذ) ، وتتحدث عن تاريخه الطويل وبعض الجوانب التي تكرّسه مدرباً يعمل على إعادة ترميم الفرق المتأخرة! 

هذه ميزة تـُحسب للرجل بالفعل بعد كل الذي فعله ويفعله مع ليدز .. إنه المدرب الذي يتخفـّى وراء أفكار يُصرّ عليها منذ مواسم بعيدة ، منها اللعب بثلاثة مدافعين في توليفة الفريق مع التحوير المستمر لها خلال مجريات اللعب ، وله في هذا المجال قصص وحكايات لا يسعها مثل هذا الحيّز! 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top