المجتمع الإيزيدي يبدأ مغادرة  قيود العزلة  بمشاركة نسوية 

المجتمع الإيزيدي يبدأ مغادرة قيود العزلة بمشاركة نسوية 

 متابعة/ المدى

مع كل صباح تمدُّ فيه تركيا شمو (22 عامًا) خطواتها خارج المخيّم متجهة نحو الجامعة، تتجدد في ذهنها قائمة أحلامها الطويلة، ويدفعها إصرارها على تحقيقها إلى مواجهة مصاعب لا تنتهي في حياتها والتغاضي ولو مؤقتًا عن واقع التشظي بين النزوح ومحاولة التكيّف معه وأمل العودة إلى مدينتها سنجار.

شمو التي تدرس في الكلية التقنية بقسم الصحافة، في جامعة دهوك، وتقدّم برنامج "يوم كردستان" على قناة وار الكردية، تقول إنها "تكافح مثل الكثيرات غيرها من بنات جلدتها لـكسر القيود الاجتماعية التي كبّلت المجتمع الإيزيدي لقرون وعرقلت تطوره وإيصال صوته للعالم". 

بعد ست سنوات قضتها تركيا شمو مع عائلتها في مخيم أيسيان، في محافظة دهوك، تلاحظ أن انفتاحًا كبيرًا طرأ على مجتمعها، إذ تتنافس الفتيات على إكمال دراستهن الإعدادية والجامعية، وتثقيف أنفسهن وامتلاك خبرات تمكّنهن من الحصول على فرص عملٍ خارج حدود المنزل أو خيمة النزوح.

وتقول شمو ــ لشبكة (نيريج) ــ إنها التي تقضي أكثر من 10 ساعات يوميًا من وقتها بين الدراسة والعمل: "فصول المأساة لم تنتهِ ويتوجب علينا كإيزيديين بدء مراحل جديدة تفتح أمامنا آفاق حياة مختلفة عن التي كنا نحياها سابقًا. إنه السبيل الوحيد لإنهاء معاناتنا وبناء ما تهدّم".

وتشير شمو إلى كُتبها المنهجية، وتعلّق: "لا يمكن الانتصار في معركتنا من دون عِلم، القلم سلاحنا وليس البندقية. نحن شعبٌ نُحب الحياة والسلام وعلينا أن نوصل صوتنا للعالم بأسره ويستلزم هذا استثمار ما حصلنا عليه من علوم ومعارف وخبرات".

مثل شمو، تُواصل المئات من الإيزيديات المقيمات في دهوك دراستهن في الجامعات والمعاهد وفي العمل بقطاعات مختلفة. وبذات حماستها، تربط فريال جتو (19 عامًا) ثمرة الانفتاح الإيزيدي والإقبال على التعلّم والعمل بتضحيات باهظة قدّمها أقرباء لها وأصدقاء وجيران.

وتعتقد جتو التي تستعد للدخول إلى الجامعة أن المجتمع الإيزيدي لن يُعاد ترميمه إلا بمشاركة فاعلة من المرأة. لذا فلا بد أن تكون متعلمة ومثقفة، لكي تمارس دورها كما يجب.

تشاطرها الرأي دلفين خلف (28 عامًا)، وهي ناشطة مدنية، مبيّنة أن المرأة "باتت أكثر تحررًا من السابق وتعمل جاهدةً لإيصال القضية الإيزيدية إلى أبعد مدى بعد نزوحها إلى إقليم كردستان".

وتعزو دلفين التي تعمل في سكرتارية اتحاد نساء كردستان ما كانت تعانيه النساء من إهمال في سنوات ما قبل النزوح إلى ظروف اقتصادية واجتماعية، وتقول: "المرأة الإيزيدية كانت منشغلة بعائلتها وتدبّر أمورها اليومية. اليوم هي منشغلة بالحصول على شهادة أو عمل يؤمّن لها ولعائلتها المعيشة. ويومًا بعد آخر، أصبحت جزءًا من مصدر القرار سواء على النطاق الاجتماعي أو السياسي".

غزال كارص دربو، معلّمة تعيش في منطقة ديربون التابعة لقضاء زاخو. تقول إنه "ورغم صعوبة الحياة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، خلال الحرب مع إيران وبعدها فترة الحصار الاقتصادي، شجّعني والدي كثيرًا على إكمال دراستي الجامعية بعد حصولي على الإعدادية في ناحية سنوني شمال سنجار".

توضح أنه "في تحدٍّ نادر أكملت دراستي في الموصل فيما تركت زميلاتي الدراسة بسبب العادات والتقاليد المتبعة والتي كان تأثيرها كبيرًا على المرأة في مجتمعنا المحافظ ولا سيما في ظل الوضع الاقتصادي والفقر السائد آنذاك".

لازمة يوسف (38 عامًا) التي تخرجت من كلية الآداب في جامعة الموصل سنة 2006 ترجع سبب عدم إكمال الطالبات الإيزيديات من سنجار دراستهن في السابق إلى "عدم وجود الوعي الثقافي الكافي، والفقر الذي يعيشه معظم الإيزيديين، فضلًا عن العزلة التي أحاطوا أنفسهم بها".

تقول إن اكثر الفتيات "يُجبرن بعد وصولهن للمرحلة المتوسطة والإعدادية على ترك المدرسة للزواج أو العمل في المزرعة".

وتضيف أن الشهادة في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة "لم تكن ذات قيمة نتيجة عدم توفر فرص عمل للخريجين والخريجات، كما أن رواتب الموظفين لم تكن تكفي لشيء".

وتعتقد لازمة أن موقع سنجار الجغرافي وخلوّها من أي جامعة وبُعدِها عن المدن الكبيرة التي فيها جامعات ومعاهد "قتل طموح الكثيرات في إكمال التعليم، فليس سهلًا في بيئة محافظة كالمجتمع الإيزيدي السماح لفتاة بالوجود بمفردها في مكان بعيد عن نطاق العائلة".

يرى ناشطون مدنيون ومثقفون إيزيديون أن النزوح إلى مدن إقليم كردستان العراق فيه جوانبَ إيجابية في ظل التعامل اليومي للفرد الإيزيدي مع السكان والاحتكاك المتواصل بهم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top