التجارة الإلكترونية تنتعش في زمن الوباء

التجارة الإلكترونية تنتعش في زمن الوباء

 المدى / بغداد

كانت التجارة الإلكترونية في حالة نموّ قبل ظهور جائحة "كورونا"، إلا أن الجائحة منحتها دفعاً قوياً وتسارعاً لم يكونا مرتقبيْن، فازدادت مبيعات التجزئة بوتيرة مطّردة وباتت تستحوذ على حصّة سوقية أوسع من قنوات المبيع التقليدية.

فالمبيعات الأميركية ازدادت في نيسان 2020 بنسبة 14.8 % فيما ازدادت المبيعات في دول أوروبا من خلال البريد أو الإنترنت بنسبة 30 %. كذلك تبيّن أن المستهلكين الأكبر سنّاً يعتمدون أكثر على القنوات الإلكترونية في عمليات الشراء التي يقومون بها، فيما يدرس بائعو التجزئة الاستثمار في الاقتصاد الرقمي من أجل مجاراة الاتجاهات السلوكية للمستهلك

جاءت جائحة "كورونا" لتعزّز نموّ التجارة الإلكترونية. فرغم الانكماش الحادّ في القطاعات الاقتصادية، إلّا أن مبيعات التجزئة عن بُعد تزداد أكثر فأكثر. الدوافع واضحة وهي متّصلة بما فرضه فايروس "كورونا" من قيود على أنماط السلوك الاستهلاكي والاجتماعي. فالتباعد بات سمة خاصّة بالفايروس تحفّز الاستهلاك المدعوم بتريليونات إضافية ضخّتها المصارف المركزية حول العالم. لكن هذا النموّ الكبير الذي شهدته وسائط البيع عن بُعد، تثير سؤالاً مركزياً يتعلّق بمدى استدامة هذه التحوّلات في أنماط الاستهلاك. فهل هذا النموّ يعدّ حالة عابرة، أم أنه سيؤسّس لقواعد سوقية مختلفة؟

في نيسان 2020 ازدادت مبيعات تجارة التجزئة خارج المتاجر بنسبة 14.8 % في أميركا مقارنة مع الشهر نفسه من عام 2019. هذا التطوّر لم يكن حكراً على الولايات المتحدة وحدها بحسب تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي بعنوان "التجارة الإلكترونية في زمن الكورونا"، بل تبيّن أن المبيعات من خلال البريد أو الإنترنت في أوروبا زادت بنسبة 30 % في وقت كانت مبيعات التجزئة تسجّل انكماشاً بنسبة 17.9 %. كذلك الأمر تطوّرت مبيعات التجزئة عن بُعد في العديد من دول العالم، وشهدت التجارة الإلكترونية تسارعاً كبيراً في الاستحواذ على حصّص سوقية أكبر من مبيعات التجزئة.

ففي أميركا بلغت حصّة التجارة الإلكترونية من مجمل مبيعات التجزئة 16.1 % في الربع الثاني من 2020 مقارنة مع 11.6 % في الربع الأول من 2020، و9.6 % في الربع الأول من 2018. في بريطانيا، شهدت هذه التجارة تطوّراً ملحوظاً من 17.3 % في الربع الأول من 2018 إلى 20.3 % في الربع الأول من 2020، وفي الربع الثاني من 2020 ارتفعت إلى 31.3 %. وفي الصين ارتفعت حصة التجارة الإلكترونية 24.6 % في آب 2020 مقارنة مع 19.4 % في آب 2019 و17.3 % في آب 2018.

أميركا تأتي في المركز الأول في قيمة مبيعات التجارة الإلكترونية. حجم عمليات الشراء عبر القنوات الإلكترونية بلغ 8.9 تريليون دولار، أي 46 % من الناتج المحلي الأميركي. في المقابل، تستحوذ كوريا الجنوبية على المركز الأول لجهة نسبة هذه التجارة من الناتج المحلي الإجمالي والمقدرة بنحو 84 %، وتليها اليابان بـ61 %.

حجم هذه السوق واسع جداً. عدد المشترين أو المتسوّقين بواسطة الإنترنت في أكبر 20 اقتصاداً في العالم بلغ 1.19 مليار شخص في 2019. الصين وحدها تستحوذ على المركز الأول بنحو 600 مليون متسوّق، وتليها أميركا بنحو 189 مليوناً.

إذاً، التجارة الإلكترونية كانت في حالة نموّ حتى قبل جائحة "كورونا". فعلى سبيل المثال، هناك شركات مثل أمازون وعلي بابا وغيرهما من الشركات العاملة في هذا المجال، كانت قد شقّت طريقها لتصبح جزءاً أساسياً من يوميات المستهلكين حول العالم. لكن في مطلع هذه السنة، تلقّت هذه الشركات دفعة كبيرة من الوباء. فالحاجة إلى تسهيل التباعد الاجتماعي خلقت حافزاً قويّاً لدى الشركات الراغبة في الانتقال نحو قنوات بيع أقل كلفة وأكثر استهدافاً للمستهلكين. تأقلم الطرفان بسرعة مع الجائحة وبدأت النتائج تظهر بوتيرة متواصلة منذ 10 أشهر.

وانطلاقاً من هذه النقطة، فإنّ منظمة التعاون الاقتصادي، تشير إلى أثر بعيد المدى قد يظهر على نمط الاستهلاك. فالترجيح بأن يتحوّل جزء كبير من الطلب نحو النظام الرقمي مؤقتاً أمر ممكن، لكن إلى أيّ مدى وضمن أيّ سقف يمكن أن يصبح هذا التحوّل دائماً؟ فعلى سبيل المثال، في عام 2002 - 2003 ظهرت جائحة "سارس" التي كان لها أثر كبير على التحوّل الرقمي لتجارة التجزئة في الصين.

فبمثابة الاستجابة لهذه الجائحة، وبالتحديد في 2004، تحوّل موقع JD.com من المبيعات التقليدية إلى المبيعات عبر الإنترنت، وهو أصبح اليوم أحد أكبر بائعي التجزئة عبر الإنترنت في العالم. الأزمة نفسها، وفّرت قاعدة استهلاكية واسعة لفرع شركة علي بابا «Taobab» الذي أُطلق في عام 2003.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top