خبير اقتصادي: خفض قيمة الدينار ضمن برنامج وزير المالية ومقترح من البنك الدولي
أسعار السلع والبضائع بدأت ترتفع وسنشهد غلاءً في الأيام المقبلة
بغداد/ محمد صباح
بدأت الحكومة أولى خطواتها لمواجهة الأزمة المالية الحالية بتخفيض مخصصات الموظفين نحو 18% في خطوة أثارت تحفظ الكثيرين.
كذلك سترفع قيمة الوقود بمختلف اشكاله بعدما فرضت ضريبة تصل الى 20% وسيطبق القرار مطلع العام المقبل.
تزامن ذلك مع اقرار البنك المركزي بتغيير سعر صرف الدولار إلى 1450 دينار مقابل مئة دولار.
ويعلق الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني على تغيير سعر بيع الدولار، قائلا إنه "جزء من برنامج وزير المالية والمقترح من قبل البنك الدولي الذي دعا الحكومة العراقية في أكثر من مناسبة إلى تغيير سعر الصرف، بسبب الأزمة المالية التي يمر بها العراق بعد هبوط أسعار النفط عالميا".
تغيير سعر الصرف
وابلغ محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، اللجنة المالية النيابية الخميس الماضي برفع سعر بيع الدولار إلى 1450 دينار لكل مئة دولار مطلع الأسبوع المقبل بناء على مقترح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ومنذ عدة أشهر يمر العراق بأزمة مالية خانقة أدت إلى رفع عجز الموازنة الاتحادية بسبب شحة في موارده مما دفع الحكومة الى الطلب ولمرتين تشريع قانون للاقتراض المالي والداخلي لتتمكن من تسديد مستحقات رواتب الموظفين.
جراء هذه الأزمة المالية ارتفعت ديون العراق الداخلية من 39 تريليون دينار في نهاية العام 2019 إلى 100 تريليون في نهاية العام 2020، وفقا للخبير الاقتصادي الذي يتوقع "تفاقم حجم الديون الداخلية في نهاية العام 2021".
وفي شهر حزيران الماضي حذر وزير المالية علي علاوي، من أن الاقتصاد العراقي قد يواجه "صدمات لن يكون قادرا على معالجتها" ما لم يتم تبني إجراءات إصلاحية خلال أقل من عام، مؤكدا على أنه "سيتعين على 40 مليون عراقي أن يخضعوا لسياسة تقشف مشددة قد تستمر لعامين".
تقليص وضرائب يلاحقان الرواتب
ويضيف المشهداني في تصريح لـ(المدى) أن "مبيعات النفط الحالية وعلى سعر بيع النفط بـ42 دولارا للبرميل الواحد ستكون (51) مليار دولار (سعر بيع الدولار 119)"، مضيفا أن "هذه المبيعات ستقفز إلى 67 تريليون دينار وفقا لسعر بيع الدولار الجديد في موازنة العام المقبل".
مؤخرا، حددت مسودة موازنة العام 2021 المسربة سعر صرف بيع الدولار بـ 1450 ديناراً للدولار، كما تضمنت مسودة الموازنة المسربة فقرات أخرى مثيرة للجدل من بينها تخفيض بنسب كبيرة على مخصصات الموظفين، وفرض رسوم على البنزين والسجائر.
ويتجه وزير المالية إلى فرض استقطاع 50% من مخصصات الموظفين والبالغة (28) تريليون دينار، استنادا للخبير الاقتصادي، الذي اضاف أن موازنة العام المقبل ستفرض ضرائب تصاعدية على الراتب الكلي والمتبقي تتراوح بين 10 إلى 15 بالمائة".
ويعتقد المشهداني أن "هذه الأعباء المالية سيتحملها المواطن وحده بعد تقليص ثلث الراتب وفرض ضرائب على المتبقي"، مبديا استغرابه من "بناء الموازنة على حجم يصل إلى (150) تريليون دينار، وبعجز يصل إلى (58) تريليون دينار".
ويضيف أن "أسعار السلع والبضائع بدأت ترتفع وسنشهد غلاءً في الأيام المقبلة، وبالتالي اصحاب المحال التجارية سيكونون مضطرين إلى زيادة اسعار البضائع من اجل مواكبة هذه الزيادة التي حصلت ولجأت إليها الحكومة".
رفع أسعار الوقود
ويضيف أن "الإجراءات التقشفية فرضت أيضا تغيير أسعار الوقود حيث تم تبليغ محطات الوقود باعتماد بيع اللتر الواحد من مادة البنزين العادي بسعر (650) دينار والمحسن (1000) دينار اعتبارا من بداية الشهر المقبل".
وقررت وزارة النفط، في شهر تشرين الاول الماضي تخفيض سعر لتر البنزين المحسن الى 750 دينارا (كان 900 دينار)، عازية سبب ذلك الى انخفاض الكلف الاستيرادية، فيما اشارت الى ان المحطات المجهزة لهذا النوع من البنزين ستباشر بالتسعيرة الجديدة قريبا.
تراكمات عقد ونصف
واستدعت الأزمة المالية خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام، اجراء مداولات مكثفة بين رئيس الوزراء ووزير المالية والسلطة التشريعية، بشأن الوضع الاقتصادي عموماً، وفقا لبيان صادر من البنك المركزي.
واكد البنك في بيان امس، أن "هذه المداولات ناقشت الأزمة المالية التي تمر بها المالية العامة بسبب انخفاض أسعار النفط وإنتاجه والتحديات الاقتصادية والصحية".
ويوضح أن "التشوهات الهيكلية في الاقتصاد العراقي هي التي أفقرت المالية العامة وقيدّت قدرة الإصلاح التي تسعى إليها الحكومة ووزارة المالية. فليس مصادفة أن يكون الوضع المالي بهذا السوء، ولا هو وليد السنة الحالية أو التي قبلها".
ويستدرك، "لكن المشكلة تأصلت للأسف منذ أكثر من عقد ونصف بسبب قيادة السياسة للاقتصاد وتغليب التفكير السياسي وأولويات السياسيين على الفكر الاقتصادي وأولويات التنمية وقواعد العلاقة بين السياسة الاقتصادية من جهة والسياستين المالية والنقدية من جهة أخرى".
ويعتقد البنك في بيانه أن "السياسة المالية تخلفت عن أداء أدوارها، وانشغلت السياسة النقدية بترميم مخرجات السياسة المالية المرتبكة"، مضيفا أن "تبعية السياسة الاقتصادية والمالية لطموحات السياسيين ومشاغلهم، أودت بآخر النماذج المقبولة للإدارة المالية في العراق، وحصرت دور تلك الإدارة بتوزيع الموارد النفطية على متطلبات إدامة الحياة كالرواتب والمتطلبات التشغيلية".
ويضيف أن "وزارة المالية لم تتصدَ لأدوارها وموقعها الريادي في الشأن الاقتصادي. فضلا عن كونها افتقرت إلى العديد من المعلومات الاقتصادية والمالية التي يمكن أن تسّهل عليها وعلى متخذ القرار في الدولة توجيه الأهداف قصيرة ومتوسطة الأمد. الأمر الذي يستدعي التوجه الفاعل لبناء قواعد بيانات اقتصادية ومالية تسهل اتخاذ القرارات وتخدم التنبؤات".
ويرى انه "بسبب هذهِ الأحوال مجتمعة، لم يكن أمام البنك المركزي إلا التدخل في أكثر من مناسبة، لدعم المالية العامة وإنقاذ متطلبات الانفاق العام الحرجة، غير أن ذلك لا يعني أن هذهِ التدخلات تبقى مفتوحة بلا ضوابط ولا نهايات".
ترشيق الإنفاق وتفعيل الجباية
ويشدد البنك المركزي على انه يتفهم المصاعب التي تواجه نوايا الإصلاح التي تتجه الحكومة للقيام بها، ولكن ذلك لا يمنع من رهن أية خطوات يمكن أن تقوم بها السلطة النقدية بخطوات فاعلة لإجراء الإصلاحات التي تمس حتماً مؤسسات السلطة المالية، وخصوصاً مؤسسات الجباية الفاعلة، الكمارك والضرائب، ومؤسسات الجباية العامة الأخرى، وأن يجري ترشيق الانفاق وترشيده، وكل ذلك يعتمد على الإرادة السياسية لمؤسسات الدولة العليا التي تدعم توجهات السلطة المالية لتحقيق ذلك. ويؤكد ان تنفيذ هذا الأمر يتطلب توجه الحكومة لدعم الفئات الهشة التي ستتأثر حتماً بشكل مباشر خصوصاً بأي إجراء لتغيير سعر الصرف، مشيرا إلى ان دور السلطة التشريعية سيكون مهما في دعم توجه البنك المركزي لتعديل سعر صرف العملة الأجنبية، إذ أن عدم اتخاذ مثل هذا القرار قد يجعلنا مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة قد تضع العراق في حالة مشابهة لما تعرضت إليه دول مجاورة.
خفض قيمة الدينار
ويلفت إلى أن هذا التغيير (التخفيض) في قيمة الدينار العراقي سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر، وسيدافع البنك المركزي عن هذا السعر واستقراره بدعم من احتياطاته الأجنبية التي لم تزل بمستويات رصينة تمكنه من ذلك. وينوه البيان إلى أن "الأزمة المالية التي تعرض لها العراق بسبب جائحة كورونا وما أسفرت عنه من تدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية، أدى ذلك إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة واضطرار وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف وإعادة خصمها لدى البنك المركزي وبمبالغ كبيرة، لغرض دفع الرواتب وتلبية الاحتياجات الإنفاقية الأخرى المتعلقة بالخدمات المقدمة للمواطنين".
ويعتقد البنك المركزي أن الاستمرار بسعر الصرف الحالي، الذي لا يتناسب بجميع الأحوال مع معدلات أسعار الصرف لدى الدول الأخرى أصبح يشكل عائقا كبيرا لإجراء التنمية الحقيقية وتعزيز التنافسية للإنتاج المحلي الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى التفكير الجدّي بالاستجابة لمتطلبات تمويل الموازنة بسعر الصرف الذي يتيح توفير الموارد الكافية لتغطية هذه الاحتياجات وضمان انسيابية دفع الرواتب والمتطلبات الحرجة للإنفاق الحكومي.
وينبه إلى ان اجراءات البنك المركزي الحالية تسعى إلى تفادي استنزاف احتياطياته الأجنبية، والتي تمثل الرافعة المالية الأساسية للاستقرار النقدي في العراق، وحرصه على اسناد المالية العامة، باعتباره مستشار الحكومة والمسؤول عن مسك حساباتها.
ويوضح انه "بسبب هذه المشاكل قررنا تعديل سعر صرف العملة الأجنبية وكما يلي: 1450 دينار لكل دولار سعر شراء العملة الأجنبية من وزارة المالية، 1460 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للمصارف، 1470 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للجمهور".
وقرر مجلس الوزراء، تأجيل التصويت على الموازنة الاتحادية للعام المقبل 2021، الى يوم (اليوم) الاحد.
كارثة اقتصادية محتملة
من جهته، عبر رئيس كتلة النهج الوطني عمار طعمة، عن صدمته الشديدة جراء الأرقام المتداولة والمسربة عن موازنة عام ٢٠٢١، التي اشارت الى تقدير النفقات بمبلغ (١٥٠) تريليون، مبينا انه إن صحّت هذه التسريبات فانها تنذر بوقوع كارثة اقتصادية واجتماعية حقيقية.
ويبين طعمة في بيان اطلعت عليه (المدى) أنه في ظل الظروف السابقة التي شهدت موازنات انفجارية اعتمدت على سعر النفط الذي وصل الى ما يقارب (١٠٠) دولار ولم تبلغ الموازنات تلك 75% من تقديرات هذه الموازنة المسربة.
ويعتقد أن "موازنة ٢٠٢١ لابد من ان تعتمد على ارقام فعلية كأساس لها وهي انفاق سنة ٢٠٢٠ الفعلي ومجموع الإنفاق للأشهر الثمانية الأولى كان ٤٦ تريليون ونضيف لها ما تم تخصيصه بقانون الاقتراض ٢٦ تريليون فمجموعها ٧٢ تريليون وقد يتبقى منها فائض أيضا".
خفض 18 % من إيرادات الموظفين
ويضيف طعمة ان "اعتماد الموازنة المسربة سعر صرف (١٤٥٠) دينار للدولار يعني تخفيض رواتب الموظفين واقعيًا بنسبة 18%، وهو يعني تقليل جزء من النفقات التشغيلية عما كان ينفق في سنة ٢٠٢٠"، مضيفا ان "الموازنة المسربة تضمنت تخفيضا لكافة المخصصات الممنوحة لمنتسبي دوائر الدولة الممولة مركزيًا وذاتيًا بنسب تتراوح من 20% الى 60٪ من أصناف تلك المخصصات، وهذا الإجراء يعني أيضا انه خفض النفقات التشغيلية عما كانت عليه في موازنة ٢٠٢٠.
ويتابع ان الموازنة المسربة "تضمنت ايضا فرض ضرائب جديدة ومنها ضريبة بنسبة ٢٠٪ على بيع الوقود"، مشددا على ان موقفه رافض لهذه التقديرات المبالغ بها جدا، كما يرفض الإجراءات التي تخفض رواتب عامة الموظفين او التي تثقل كاهل محدودي الدخل.
اترك تعليقك