تأثيرات وجذور موسيقى الجاز  في الموسيقى العراقية

تأثيرات وجذور موسيقى الجاز في الموسيقى العراقية

عباس الحسيني

تعود الإطــلالة الموسيقية ، بلمحتها الغربية في الموسيقى العراقية الى مطلع الخمسينيات، حيث بدأت بوادر العزف الغربي،

وضمن ما يعرف بالباند الغربي، وهي التركيبة الرباعية لآلة الطبول – Drums والبيــز كيتار: Bass Guitar والصولو كيتار أو ما يعرف أحياناً باللــيد – Solo Guitar ، ويضيف أهل الصنعه الغربية نمطاً آخر للكيتار ، وهو الكيتار الايقاعي Rhythm ومع الاسناد الخلفي لآلــة الاورغ keyboard، وقد أبدع رواد الفن الغربي في العراق، ومن أبرزهم فــؤاد مسعود وفرقة شيراك وهرانت وفرقة آرمين، وكروب المطربة سيتا هاكوبيان والرائد المجدد إلهام المدفعي، غير ان الاسم الأكثر لمعاناً ووعياً في المزج بين اللونين الموسيقـيين، هو الفنان إلهام المدفعي، والذي عمل على زج المقامات الشرقية بتوليفاتها العراقية ضمن قوالب النغم الغربي، وباجتهاد ساحر. وقد يتساءل عدد من المتتبــعين عن ماهية وجوهر هذا الدمج بين مقامات شرقية، كانت قد أديت على آلاتها الشرقية ، وبروحيتها الشرقية، وعن جدوى هذا التداخل النغمي، وهناك أيضاً من يذهب الى أن تأدية الأنغام والمقامات الشرقية على الآلات الغربية، قد يفقدها بريقها وروحيتها الشرقية، وجمالها المؤصل، كما يشدّد على ذلك الملحن العراقي المبدع، طالب القره غولي، وفي أكثر من مناسبة، وهو من جيل الرواد في التلحين الموسيقي العراقي، ويشاطره الرأي في ذلك الملحن: المبدع، فاروق هلال. حيث أكد الاستاذ الملحن سرور ماجد ، أيضاً على أن طرائق الاداء في الموسيقى الغربية ، أو ما يعرف بالجاز ميوزيك ، لا تحتاج الى صوت غنائي متمكن وكامل الدرجات، وهو الأمر الذي فسره شيخ النقاد الموسيقــيين: الاستاذ عادل الهاشمي، والذي يؤكد على شاعرية الاداء بديلاً عن اكتمال الدرجات الصوتية، أو ما يعرف بالصول فيج، لدى المؤدي، وإذا كان عادل الهاشمي يحتكم الى التدريج الكلاسيكي المثبت لدى أهل الموسيقى، من أن أعلى درجات التقييم: هو الطرب في صفة المطرب ومن ثم الغناء في صفة المغـني وحيث يقف المؤدي في الدرجة الثالثة والاخيرة، وقد يكون المؤدي كإلهام المدفعي أكثر إقناعاً في الاداء من مطرب متمكن، بسبب من العذوبة والشاعرية في الاداء، وهي الإشكالية التي جعلت البعض يحتج على اطلاق صفة: مغن على الفنان الكبير ناظم الغزالي، لكن البعض من الملحنين العراقية يذهب الى رأي مغاير، حيث إن تأدية الاغنية أو المقطوعة الموسيقية المؤلفة أصلاً على آلتها الشرقية وضمن مساحات المقام الشرقي، لا تتــأثــر بطريقة الأداء، وذلك لأصالتها واحتفاظها بالجوهر النغمي الخالص. ومن الممكن إعادة تأدية هذه المقطوعات والأغاني بعدة طرائق، وبما يعمق مفهوم التواصل الحضاري. حيث ظهرت في الأفق الموسيقى العراقي، وفي نهاية السبعينيات تقريباً عدة فرق موسيقية انتجت ألحاناً ، لا بل وأعادت غناء أغان عراقية ضمن قوالبها اللحنية – وبتجسيد للــربع تــون – الكــار بيمــول – ومنها فرقة الأجراس الغنائية ومطربها ماجــد كاكــا، في تأديتهم لنغم البيات. وإذا كان إلهام المدفعي قد برز على موسيقى الأداء الغنائي والتفــنن على آلة الكيتار بصوتها الأكوستيك، الشبيه بروحية النقر الشرقي، فان طابع موسيقى الجاز، قد تجسد قبل هذا الوقت ضمن الألحان التي أداها المطرب والملحن رضــــا علي ، وبالخصوص أغنيته – الردته سويته شعندك بعد قول ؟– وقد استخدم فيها ايقاع الرومـــبا – ومن يستمع الى المقدمة الموسيقية، وهي تدور حول مقام الكــرد، وكيف يضع لوازم الاستقرار الموسيقي، وهو اجتهاد ذكي لتطريب أذن المتلقي المستمع لهذا اللون من التحاور الفني الخلاق، حيث أعاد التجربة بلحن آخر للمطربة فائزة أحمد وفي أغنية، "شبيك شبيك يا قلبي"، من مقام النهاونــد، مستخدماً إيقاع السوينغ غير المتسارع، وهناك أكثر من رأي الى أن المطرب والملحن الكبير رضا علي نجح أيضاً بادخال إيقاع الروك 1 ، في أغنية سلمنا يريح الهاب – وهي من مقام الصبا، وهو ما يطور ضمن النغم الشرقي ويعرف بالهجع. وقد يكون اختيار الفنان الكبير رضا علي لهذه الإيقاعات بسبب عذوبتها وسهولتها على أذن المتلقي، حيث لشجن مقام الصبا سطوة حزن حين يؤدى على الايقاع الشرقي، وهو ما لم يرده رضا علي، لكي يؤكد على رومانسية الأداء. وفي العودة الى الفريق الغنائي الأجــراس – الذي أبدع في إخراج الاغاني العراقية الشرقية الملامح برداء غربي آخاذ ، وكما في اغنتي: الليلة اسافر للهند واغنية مشكورة، من مقام البيات، مستخدماً ذات الكاربيمول – الربع درجة – وعلى ايقاع الجورجيـنا، الذي ينفرد به العراق ضمن الموسيقى الشرقية العربية، وهو تحوير أيضاً للعمل على توليفات الجاز الشرقي، ففي أغنية تمشي وتصد لعداء – يقدم الفريق الأغنية على ذات الايقاع ولكن بالاعتماد على نغمات الكيتار ، وهي من مقام النهاوند ، ومن الجدير بالذكر أن المقامات الشرقية التي يمكن تأديتها على الآلات الغربية، هي: مقام الحجـــاز الطبيعي والعجـــم والكــــورد والنهاونـــد والصبا زمزم.

مع بعض الأجزاء من بقية المقامات، وقد انفرد في مطلع الثمانينيات الفريق العراقي ديـــفــلـــز ، فقدموا على قاعة نادي الصيد تحويراً رائعاً للأغاني العراقية، فصدحوا بأغنية "تانيني صحت عمي يجمال"، من كلمات وألحان وغناء المطرب العراقي عبد الجبار الدراجي، وهي من مقام الحجاز، غير أن الفريق أدخل وبإبداع ، آلة الكيتار الكهربائي، ليدخل ضم نمنطقة جديدة من التأدية، أعقبها باغنية – غالي والنبي غالي للفنان العراقي الراحل حمدان الساحر ، وهي من مقام الحجاز العذب، حيث التقليد الناجح لجهود إلهام المدفعي، الذي قدم عدة أغان على آلة الكيتار الكهربائي، ضمن ما يعرف بالفرانكو ، والجدير بالذكر أن فرقاً غنائية مثل شيراك باند – وفائي باند – بروذرز باند – كينغ باند – دريم باند – أدونيس باند – وكذلك جهود الفنان المطرب والعازف رعد بركات، وطارق كنار ومثنى كنار – وعازف الهافي ميتال هافال – بالإضافة الى جهود العازف البصري الكبير المرحوم بيرج ، والذي عمل مع فرقة النجم كاظم الساهر، ومع السحر الذي قدمه فريق – سكير كرو scare crew العراقي – مطلع الثمانينيات وبالعازف المتفرد رافي ، والعازف حكمت والموزع البارع غزوان القيسي في أغنية "وينه حبيبي": التي أداها باتقان المطرب قاسم السلطاني، وذات الأداء لأغنية يلوموني ، حيث النثيث الجميل لصوت الڤالز كيتار الكهربائي. والذي تعمل على جزء منه الفنانه اللبنانية رشا رزق، ضمن توليفات الجاز العربي. ورب سائل يسأل ، إين يقف هؤلاء من تخوم النغم الشرقي؟ وهل هم امتداد للنغم الشرقي العرقي الخالص، أم إنهم يطوعون موسيقى دخيلة؟ والإجابة تكمن في مسارات الإمتداد الثقافي ، حيث تصبح الموسيقى أكثر وعياً حين تنتج صوراً متعددة لذات الجوهر ولنفس المضمون. مع التأكيد على الحقيقة الماثلة في أن الآلة الغربية هي وسيلة إيصال عالمية، وهناك الكثير من الأغاني العراقية والعربية التي تم تأديتها وتوزيعها ضمن آفاق التوزيع الاوكسترالي: كجهود الفنان الموسيقار رائد جورج ، والتحليق الى آفاق جميلة في أغنيته – لا ترحلين، وكذلك في جهود الموزع المتفرد الموسيقار: فتح الله أحمد ، في توزيعه لبعض من أغاني النجم كاظم الساهر.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top