اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > في انتظار البرابرة... أعداء الإمبراطورية ورجالاتها

في انتظار البرابرة... أعداء الإمبراطورية ورجالاتها

نشر في: 6 يناير, 2021: 08:37 م

احمد ثامر جهاد

إذا وضعنا جانباً كل الجدل المثار حول إيفاء الفيلم للرواية والذي يتكرر في كل مناسبة كتابة من هذا النوع، تبقى الشخصية الإشكالية الأكثر إثارة في هذا (الفيلم-الرواية) هي شخصية القاضي أو مأمور البلدة (الممثل مارك ريلانس) كونها صورة مكثفة للعقدة الروائية.

الأهم من ذلك أنها الشخصية المفضلة في أدب ما بعد الكولونيالية. الشخصية الماثلة أمامنا أمضت زمناً طويلاً في تعاطيها مع المجتمع المحلي(بلدة حدودية ما) الذي تديره الإمبراطورية فانسجمت تدريجياً مع تقاليد الناس وتفهمت طبيعة حيواتهم ومعتقداتهم، كل ذلك أفضى الى أن تكون ببعديها النفسي والثقافي شخصية إنسانية مقبولة ومرحباً بها أكثر من غيرها. لكنها أيضاً ضحية من ضحايا الإمبراطورية، بل يمكن القول إنها أسيرة حرب دائرة، وحكايات أسرى الحرب هي جزء من حكاية الحرب ذاتها. إلا أن تلك الشخصية من ناحية أخرى تعد انموذجاً للرحالة التائه، المهووس بـ "الآخر"، قل المكتشف والباحث عن اطمئنان وتصالح داخلي في ربوع هذه الصحراء الشاسعة بغموضها وجلالها الآسر. وبسبب ذلك كله فالقاضي ليس الشخص المناسب لتأدية مهمة استعمارية.

على عكسه تماماً يبدو العقيد "جول" (الممثل جوني ديب) شخصية مؤمنة بقيم الاستعمار وأحقية مشروعه في النهب القاري الذي يحتم السيطرة التامة على هؤلاء الناس المتخلفين الذين يحتاجون من يحكمهم. شخصية قاسية ومتغرسطة هي انعكاس شكلي لحكام الإمبراطورية (أية إمبرارطورية). سلوك القاضي لا يروق للعقيد جول، ويجده الأخير غير فعال، بل إنه مضر بمصالح الامبراطورية التي تريد أن تحمي حدودها من هجمات محتملة للبرابرة. لا بد إذن من وضع خطط محكمة لترهيب الناس كي لا يفكروا مطلقا بالتعاون مع الأعداء، فضلاً عن استجواب السجناء بأشد الطرق قسوة لانتزاع المعلومات الأمنية منهم. السجناء أناس بسطاء تم إيداعهم السجن لأسباب تافهة ليست لها أدنى علاقة بالتمرد على سيطرة الإمبراطورية.

بحكم عمله يفرض العقيد "جول" طرقاً جديدة للاستجواب وانتزاع الاعترافات من المساجين. لذا فهو يعتبر أن الألم هو الحقيقة الوحيدة وأي شيء آخر هو موضع شك. من هذه الناحية ستذكرنا شخصية"جول" بالكولونيل "ماثيو" في فيلم "معركة الجزائر" للمخرج الايطالي بونتيكورفو والذي أوفدته الحكومة الفرنسية للقضاء على حركة التحرر الوطني في الجزائر بعد عجز السلطات عن مواجهة هجمات الثوار على المصالح الفرنسية. لكن عند التمعن بهذه المقارنة سنكتشف أن جول شخصية هزيلة، انتهازية، تبحث عن مجد شخصي ليس إلا، فيما كان الكولونيل ماثيو الذي عاملته الكاميرا بسخاء ملحوظ رجل دولة يعرف ماذا يريد وكيف يصل الى مبتغاه. يقول إدوارد سعيد في مقابلته الشهيرة مع بونتيكورفو "إن ماثيو في فيلم"معركة الجزائر" ووليم ووكر في فيلم "احتراق" هما بالنسبة للمخرج نمطان عقلانيان وجديان استوجبا التعامل معهما بمنطق واضح يقدرهما جيداً وإن أفضى المسار الدرامي في الفيلمين المذكورين الى نبذهما واحتقارهما كشخصيتين استعماريتين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

18-04-2024

20 يوماً في ماريوبول": شهادة بصرية صادمة

قيس قاسميَحمل المخرج والمراسل الحربي مستيسلاف تشَرنوف (1985)، خامات ما صوَّره ووثّقه في 20 يوماً، في مدينة "ماريوبول" الأوكرانية، إلى زميلته ميشال ميزنير، طالباً منها أنْ تصنع فيلماً وثائقياً من تلك الخامات.هكذا ربما يتصوّر من يُشاهد "20 يوماً في ماريوبول" (2023)، الفائز بـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي طويل (النسخة 96، 10 مارس/ آذار 2024)، ويتخيّل أيضاً […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram