اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نافذة من موسـكو .. صورة ترامب في الذاكرة العراقية

نافذة من موسـكو .. صورة ترامب في الذاكرة العراقية

نشر في: 17 يناير, 2021: 06:59 م

 د. فالح الحمـراني

يغادر الرئيس الاميركي دوالد ترامب عتبة الأبيض وقد خلّف وراءه تركة ثقيلة لبلاده على أصعدة السياسة الداخلية والخارجية والنظام الدولي ككل.

يغادر البيت الأبيض قبل أن يتم برنامجه المميت، الذي كان يخطط لاستكماله لو سمح الناخب الأميركي له بالبقاء في السلطة لأربع سنوات أخرى، وكان آخر مشهد مأساوي لولايته هو دعوته لأنصاره للهجوم على مقر الكونغرس الأميركي للحيلولة دون تصويت مجلس النواب على إقرار لائحة المحلفين بفوز خلفه جو بايدن، وبذلك يكون قد أحدث شرخاً عميقاً في النظام الأميركي الذي يتباهى بالديمقراطية، وقسّم الأمة وشوّه سمعة بلاده، التي تدعي بقيادة العالم المعاصر.

وعكر ترامب خلال ولايته أجواء العلاقات الدولية، وهدم جسور العلاقات مع العديد من الدول، وأثار الغبار في العلاقات مع الصين وروسيا وأوروبا، وكثّف سياسة العقوبات على كل طرف ( دولة أو شركة أو أشخاص) لا ينحني أمام الإرادة الأميركية، حتى لو كانت ( الاملاءات الأميركية) تلحق الضرر بالطرف المستهدف. وأضعف نظام الأمن الدولي والمنظمات العالمية الإنسانية. عموماً لا يبالي ترامب بالشعوب وحقوقها ولا بالدول وسيادتها. وأشاد الأسوار على الحدود الأميركية مع جيرانه، وأجج الروح العنصرية، وضيق على الهجرة التي كانت تفتخر بها الولايات المتحدة باعتبارها دولة مهاجرين. 

وربما أن الشرق الأوسط كان المتضرر الأكبر من سياسة ترامب تجاه دولة والمنطقة ككل. لقد عمل بخبث مفضوح على تعميق الخلافات بين بعض الدول العربية وإيران، بل ومهد الأجواء لإشعال الحرب بينهما، على أمل أن تدمر بعضها الآخر، وبالتالي ستكون بحاجة للسلاح الأميركي. فهو الذي ردد " انهم (العرب) يشترون السلاح الأميركي بالمليارات، ولا اهتم بشيء آخر" أو قوله لزعيم عربي: اشتروا (سلاح) أكثر...أكثر". 

وبضغوطه الهائلة ذهبت بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، على أسس غير متكافئة، وانتهاكاً للمبادرة العربية الشهيرة " الأرض مقابل السلام". وتمكن من إغراء هذه الدول بالوعود ببيعها أسلحة متطورة، أو دعمها في نزاعات داخلية إو إقليمية. وقدم الجولان السورية هدية لإسرائيل وفسح المجال لها المجال للهيمنة على المنطقة، ووصف كل الأحزاب والشخصيات التي ترفض انتهاك إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني أوسياستها التوسعية، بالإرهابية.

وستكون صفحة ترامب في الذاكرة العراقية سوداء. فترامب تجاسر على العراق وسيادته وحرمة أراضيه، واستخف بحكومته متناسياً كافة المعاهدات والتفاهمات بين البلدين. لقد أثارت زيارته للقوات الأميركية في العراق في كانون الأول 2018 غضباً عراقياً عاماً، فالحكومة حينها اعترفت بانها لم تكن على علم بالزيارة. وانتقدت الكتل السياسية زيارة ترامب إلى قاعدة عين الأسد الجوية في صحراء الأنبار، لتهنئة القوات الأميركية بأعياد الميلاد. وحتى أن الرئيس الأميركي، الذي يتميز بضربه الحائط القانون الدولي وكرامة الدول المستقلة، سمح لنفسه بالقول إن "الجيش الأميركي قد يتخذ العراق قاعدة لشن عمليات داخل الأراضي السورية"، وهذا انتهاك صارخ للسيادة العراقية، وتدخل في شؤون البلاد الداخلية. وفي 3 كانون الأول 2020، ، شنت الولايات المتحدة غارة بطائرة مسيرة بدون طيار على قافلة كانت تسير بالقرب من مطار بغداد الدولي، مما أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، كما قتل تسعة أشخاص آخرين وكان من بينهم نائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. ولا يمكن تصنيف العملية سوى إنها عدوان سافر على دولة مستقلة وذات سيادة.

وفي هذا الصدد قالت خبيرة منظمة الأمم المتحدة في تقرير لها حول عمليات القتل باستخدام طائرات مسيرة، إن قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في ضربة أميركية بطائرة من نفس النوع في بغداد، "غير قانوني"، معتبرة أن واشنطن لم تقدم الأدلة الكافية التي تبرر عملها. واعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كالامارد، المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء، أن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في ضربة نفذتها طائرة أميركية مسيرة "غير قانوني. وأشارت الخبيرة الأممية إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم أدلة على أن التخطيط كان جارياً لاعتداء وشيك على مصالحها، الذي استخدمته واشنطن مبرراً لاغتيال سليماني. وقالت كالامارد في تقريرها إنه "في ضوء الأدلة التي قدمتها الولايات المتحدة حتى اليوم، فإن استهداف الجنرال سليماني ومقتل مرافقيه يعد عملية قتل تعسفية تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي". ورأت أن الضربة شكلت انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة في ظل "عدم تقديم أدلة كافية على هجوم مستمر أو وشيك". وأوضحت كالامارد أن واشنطن "لم تقدم أدلة على أن الجنرال سليماني كان يخطط على وجه الخصوص لهجوم وشيك على المصالح الأميركية خصوصاً في العراق.

ورد العراقيون كما قالت صحيفة الغارديان كما جاء على موقع البي بي سي، بغضب على قرار العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب بحق أربعة حراس أمن من شركة بلاك ووتر الأمنية الذين سُجنوا لارتكابهم مذبحة في العراق عام 2007، كانت قد أثارت الغضب على استخدام المرتزقة في الحرب. معيدة الأذهان إلى إطلاق الحراس الأربعة - بول سلاو وإيفان ليبرتي وداستن هيرد ونيكولاس سلاتن - الذين كانوا ضمن قافلة أمنية، النار بشكل عشوائي بالبنادق الآلية وقنابل يدوية على حشد من مواطنين غير مسلحين في وسط بغداد، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً مدنياً بينهم طفل في التاسعة من العمر وإصابة الكثيرين. وكانت عمليات القتل، بحسب التقرير، واحدة من أسوأ الممارسات، في الغزو الأميركي للعراق، ورأى العديد من العراقيين الإدانات التي تعرض لها الحراس حينها على أنها أمر نادر، حيث تم محاسبة المواطنين الأميركيين على الفظائع التي ارتكبت في أعقاب ذلك. لكنهم سرعان ما وصفوا قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بأنه "صفعة قاسية" وإهانة

وكان قرار محكمة تحقيق منطقة الرصافة ببغداد، مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ‏ترامب‎، بتهمة اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، ورفاق، وبغض النظر فيما إذا سيجد طريق للتنفيذ أم لا، تعبيراً للشعور الوطني العراقي. وذلك في بيان لمجلس القضاء الأعلى في العراق.

في الوقت نفسه ، ينبغي ألا يغيب عن البال أن الشرق الأوسط ، لن يكون الأولوية الرئيسية في مقاربات إدارة الرئيس الجديد جو بايدن للسياسة الخارجية: فقد ورث ترامب إرثًا ثقيلًا للغاية في البلاد وفي دول أجنبية أخرى . 

ورشح الرئيس المنتخب سياسيين ناضجين ومحنكين لكن معتدلين على دراية بالوضع في الشرق الأوسط ، لأهم المناصب في إدارته يمكن أن تكون مؤشراً على أن إجراء واشنطن تغيرات في سياستها إزاء المنطقة. فمثلاً. عمل المرشح لمنصب وزير الخارجية توني بلينكين في إدارات الرئيسين الديمقراطيين بيل كلينتون (1994-2001) وباراك أوباما (2009-2017) - وهو مؤيد قوي للاتفاق النووي الدولي الذي تم التوصل إليه في عهد أوباما بشأن البرنامج النووي الإيراني - خطة العمل الشاملة المشتركة. ومرشح وزير الدفاع لويد أوستن هو جنرال متقاعد من فئة الأربع نجوم (جنرال عسكري) خدم في الجيش لمدة أربعة عقود ، من 2013 إلى 2016. ترأس القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية - القيادة المركزية (منطقة المسؤولية - الشرق الأوسط). لعب دوراً مهماً في مكافحة الإرهاب في سوريا وانسحاب القوات الأميركية من العراق. والمرشح لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز هو دبلوماسي محترف يعرف الشرق الأوسط وروسيا جيداً ، وعمل سفيراً في الأردن وروسيا ، وشارك في تطوير خطة العمل الشاملة المشتركة.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

كيف يتصوَّر العقل الشيعي (الشعبي) الوجود؟

غالب حسن الشابندر الكون كما نفهمه ظاهراً هو هذا العالَم الذي يحيط بنا، شمس وأرض وبحر وجبال وصحراء وحيوانات ونباتات… كائنات ومخلوقات وظواهر شتى، هذا هو البادي للعيان، وفيما رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أكثر من مستوى نظري للكون، فهو قد يكون هذه الاشياء الظاهرة والخفية، أو هو العلاقات التي تربط بين هذه الاشياء، أو […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram