أين العراق من اليوم العالمي لمكافحة الفساد؟

آراء وأفكار 2021/02/06 09:14:54 م

أين العراق من اليوم العالمي لمكافحة الفساد؟

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

حلّت مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد . مناسبة تأتي في أعقاب إنتشار جائحة كورونا وبما تحمله من تداعيات سلبية أو خطيرة . دعوة شاملة أعلنتها ووجهتها الأمم المتحدة إلى الحكومات ، مؤسسات الأعمال ، منظمات المجتمع المدني وللمجتمعات وللأفراد لتأكيد الالتزام بالعمل الجماعي المشترك من أجل إنهاء تأثيرات الفساد المدمرة لحياة الشعوب في كل أنحاء العالم ومنهم شعبنا الصابر المحتسب.

ضمن هذا المنظور ، كشفت لنا جائحة كورونا وجود فجوات ضعف في الطرق التي تبذلها الحكومات في مجالات الإنفاق من المصادر المالية مقترنة بشكل وثيق نسبياً مع حقل صناعة إتخاذ القرارات لمواجهة ظروف الأزمات الطارئة – الستراتيجية

من هنا ، لابد لنا من إعطاء نظرة تقييمية عامة ومراجعة تفسيرية خاصة للموقف الدولي والوطني من استمرار تجذر الفساد وتداعياته الخطيرة على المجتمع الدولي مع إهتمام خاص بالدور العراقي من مجابهة الفساد بإعتباره الوجه الثاني للعملة التي يجب أن تتضمن حرباً ضروس ضد مظاهر التخلف وظاهرة الارهاب الخطيرة.

إن الرؤية الستراتيجية المحددة لسمات و مخاطر الفساد حدّد إطارها العام الامين العام للامم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس في أعقاب إنتشار جائحة كورونا ، كما يلي :

" الفساد إجرامي ، غير أخلاقي وقمة الخيانة للثقة العامة ، ويعد أكثر ضرراً في وقت الازمة –كما يخبرها العالم من معايشته لجائحة كورونا -19 . إن الاستجابة للفيروس تخلق فرصا جديدة تستغل الضعف الناجم عن الاشراف الضعيف وعدم كفاية الشفافية وتحويل إتجاه النفقات بعيداً (عن أهدافها الصحيحة) في أحلك ساعة إحتياج الشعب الاعظم لها". التوجه الذي عبر عنه الامين العام للامم المتحدة يؤكد أن الفساد قد يجد مجالا حيويا إستثنائياً لانتعاشه كلما جابه العالم أزمات خطيرة كجائحة كورونا أو التغيير المناخي وغيرها. الأمر الملاحظ بصورة واضحة أن من دواعي الاهتمام العالمي - الشعبي بمكافحة الفساد تمكن مسؤولين من الدرجات العليا الحكومية في مؤسسات دول نامية عديدة من استلاب فرص شعوب تتجه أنظارها إلى مستقبل تنمية بشرية مستدامة. لذا كان لابد لدول العالم (من ضمنها العراق) أن تتخذ إجراءات مهمة هدفها معالجة حالة التدهور الصحي الطارئة تجنباً لانهيار الاقتصاد العالمي مع كل مايحمله من تداعيات سلبية مدمرة لإقتصادنا الذي يعاني أصلا من أمراض الدولة الريعية المعتمد اقتصادها بنسبة لاتقل عن 95% على النفط مدخولاً أساسيا لموازنتها ولدخلها السنوي في حين أن دولاً عدة - في منطقة الخليج العربي وفي غيرها من دول العالم المتقدم أو الأخذ في التصاعد التنموي - إتجهت صوب تقليل قيم مدخولات الدول الريعية من النفط أوغيره من موارد الدولة المهمة التي تعتمد على الوقود الاحفوري (نفط وغاز طبيعي وفحم حجري) قياساً إلى تنمية قطاعات إنتاجية أساسية أخرى . دول العالم حقيقة يفترض أن تكون نظرياً وعملياً حريصة على تحقيق حالة تعافٍ قوية من خلالها تتخذ حكومات الدول إجراءات رادعة لمنع ومجابهة حالات الفساد والرشى أو التلكؤ في إنجاز المشروعات الاستثمارية (بكل انواعها ومستوياتها الإدارية )، ترتيباً على ذلك ، نبهتنا تداعيات أزمة جائحة كورونا على ضرورة إنعاش وتنمية الحماية المستدامة للمصادر الاقتصادية – المالية العامة للدولة من خلال وضع حد للتدفقات المالية غير المشروعة باعتبارها "مسألة حياة أو موت" . وضع سلبي كهذا إن أستمر سيسمح أيضاً بقيام بعض الدول بمقايضة الالتزام ، الإشراف والمحاسبة الشديدة للفاسدين أوحتى لغير الكفوئين مقابل تحقيق إنجازات سريعة مثيرة للانتباه الدعائي أكثر منه الاعلامي السليم ، الأمر الذي يوفر بدوره فرصاً مهمة لإنتشار الفساد وتغلغله في مفاصل الدولة الحيوية . ليس الأمر بعيداً عن ما يحدث من وقائع سلبية في الدول النامية "المتخلفة" الآيلة لانهيار مؤسساتها الشرعية ومنها العراق. ترتيباً على ما تقدم ، أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أهمية تسليط الضوء على مفهومي التعافي والنزاهة بإعتبارهما لايمثلان فقط عنواناً لليوم العالمي لمكافحة الفساد بل يشكلان إجراءات فاعلة للتخفيف من حدة الفساد ما يعني بالضرورة توفر إمكانية إيجابية لإنعاش و تنمية المسار الاقتصادي توصلاً لبناء الدول على أسس رصينة. في ضوء ذلك يمكننا الإشارة إلى أتفاق تم مؤخراً بين برنامج الأمم المتحدة للتنمية Development Program - UNDP ومكتب رئيس الوزراء العراقي في تأكيد تعضيد الشراكة بينهما من أجل منع ومكافحة الفساد في العراق من خلال توقيع مذكرة للتفاهم Memorandum of Understanding –MoU (غير ملزمة لكنها التزام مهم) لتنمية المحاسبة ، الشفافية والنزاهة في القطاعين العام والخاص. تأتي مثل هذه التطورات في أعقاب جهود حثيثة سبق وإن قام بها فريق تابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لمجابهة الفساد في مؤسسات حكومية وغير حكومية على الصعيدين الفدرالي وضمن أقليم الكرد – في شمالي العراق Kurdish Region of Iraq. ضمن هذا السياق أتضح لنا من خلال متابعة وقراءة لغة الأرقام واستقراء الوقائع والتعرف على الحقائق الموضوعية أن حالات الفساد تستشري في عموم العراق ولكنها ستتقلص مستقبلاً إذا ما تم إحداث نقلة نوعية في المجالات التالية :

1. برامج دعم التنمية الإنسانية

2. تحقق درجات عالية من الشفافية والنزاهة

3. تأسيس خطط ناجعة من أجل مكافحة الفقر والفساد معاً.

4 . تمكين المرأة . . وأخيراً

5 .تدعيم واستدامة أدوارالشباب في مؤسسات المجتمع المدني .

عناوين ولاشك بارزة تسترعي الانتباه نظراً لما تحمله من إنعكاسات وتداعيات لأنجازات يتوقع أن تنجز على الأرض بصورة مشروعات تنموية– هذا إذا حسنت نوايا صناع القرار وتوفرت الإرادة السياسية القوية لتحجيم الصراعات السياسية ترسيخاً لأسس الحكم الرشيد الهادف لتقليص الفجوة المتسعة لعدم المساواة الاجتماعية – الاقتصادية بين من يملكون الكثير والذين لاينالون إلا الفتات أو ما يقارب ذلك وهم الغالبية من السكان. هذا إضافة لأهمية الاهتمام بجملة مهام منها : عجالة تحسين وصول أفضل الخدمات العامة لمستحقيها ، تدعيم استقلالية وحيادية القانون – القضاء ، وأخيراً ، خلق مجتمع الصمود والتحدي لإعادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات العامة على المستوى الستراتيجي . كما ويحسن الانتباه ونحن على أعتاب أول خطوات التعافي من الجائحة أن يركن نحو "تمكين العراق" Empowering كي يلعب دوراً حيوياً تشاركياً سياسياً – دبلوماسياً- مهنياً – صحياً - قانونياً -إلى جانب دول العالم النامي والمتقدم توصلا للعلاج المناسب والكاف من الأمصال المضادة للجائحة وغيرها من أزمات مزمنة .علماً بإن الدول المتقدمة مقارنة بالدول النامية تتمتع بإمكانات مالية وتقنية كبيرة جداً تتيح لها إمكانية تسارع واسعة للتطور التقني ولشراء الأمصال بكميات كبيرة جداً على حساب ما قد يتوفر لدول العالم النامي . مرحلة يجب أن ننبه لها مسبقاً كونها قد تشوبها عمليات فساد تمارسها جماعات أو أفراد يفتقدون للحس وللضمير الإنساني حيث قد تتم المتاجرة غير المشروعة مثلا بالامصال او الادوية وغيرها. نأمل بحق أن لايحدث ذلك في المنطقة العربية ومنها العراق من خلال إجراء مراقبة صحية – قانونية – اقتصادية –مالية وسياسية شاملة ودقيقة تقنياً . هذا وكي لاتبقى الالتزامات القانونية الدولية في مكافحة الجائحة حبراً على ورق لابد من تعبئة طاقات كل الشرائح الاجتماعية وخاصة الفئات عالية التخصص والمثقفة للقيام بإصلاحات مفتاحية يمكن إجمالها وفقاً لما يلي :

أولاً: إعتماد الشفافية في التعرف على ملكية الشركات والمؤسسات:

منذ الإعلان عن ما يعرف بأوراق بنما Panama Papers في عام 2016 ونحن نجد أشخاصاً يحتلون مراكز مرموقة في دولهم ينتهزون فرصاً ملائمة سياسياً – اقتصادياً وأمنياً لنقل أموال أو أرصدة مصرفية من مصادر مودعة في دولهم الأصلية إلى أصقاع المناطق الحرة عبر المحيطات World offshore areas ليتم إيداعها في حسابات لاتحمل واجهات استثمارية معروفة أو (وهمية) الكثير منها لا تخضع لضرائب عالية بل وتعتبر جزءاً من عمليات فساد وغسيل أموال محرمة قانوناً . من هنا، تعالت نداءات شرائح متعددة من الشعوب الفقيرة أو المغلوب على أمرها والتي تعاني أصلاً من تدهور إقتصادي بطلب تفعيل الدور القضائي المميز للقيام بمحاسبة من يمتلكون أموالاً وعقارات ضخمة في "مناطق حرة عبر المحيطات". مصادر دخل يمكن أن تضحى مشروعة وتدر منافع جمة لسكانها لو تم استثمارها وطنياً مثلاً في القطاع الصحي – الإنساني أو في قطاعات تنموية ما يخفف من الآلام الشديدة التي تعاني منها فئات ضعيفة أومعرضة للمخاطر Vulnerable Groups من شعوب العالم لاتجد ما يشد أزرها خلال فترة جائحة كورونا أو ماورائها.

ضمن هذا التصور للاصلاح ، وفرت الأمم المتحدة جلسة خاصة لمكافحة الفساد General Assembly Special Session against Corruption – UNGASS هدفها إحداث التغيير الايجابي المنشود (من خلال تعزيز أدوار القادة الاكاديميين ، وقادة المجتمع المدني إضافة الى قيادات نقابات وإتحادات العمال والمحامين والطلبة وغيرهم) بهدف التحقق من تطبيق مبدأ الشفافية Transparency للتعرف على الملكية الأصلية للشركات والمؤسسات بالتزامن مع إجراء إحصاء وتسجيل دقيقة نسبياً لإيراداتها كي تخصص للنفع العام وليس لأحتكار القوة الاقتصادية.على رأس قائمة هذه المؤسسات شركات الاتصال المعروفة عالمياً والتي تجني أرباحاً وفيرة مقارنة بدول ضعيفة – وصلت لمرحلة الفشل الاقتصادي – المالي – السياسي – الاقتصادي والجيوسياسي.

ثانيا: ضرورة الالتزام بتطبيق العدالة بدلاً من اللجوء للحصانة

إذا تمكنا من رفع الغطاء عن مَن سرق أموال مجتمعاتنا يبرز سؤال مهم : هل سيواجه هؤلاء السارقون حكم القانون ؟ من استقراء أوضاع الدول ومنها العراق يتضح أن تطبيق الأنظمة الوطنية للعدالة مازالت بعيدة كل البعد عن أن تخضع رؤوس الفساد الكبيرة ما يجعل هؤلاء يشعرون بمأمن من الملاحقة القانونية – القضائية أوحكم القانون . علماً بإن الإطار القانوني للمحاسبة رغم توفر التشريعات والأنظمة واللجان التي تلاحق الفاسدين مازالت تسير بخطى سلحفاتية بطيئة جداً مقرونة بتقنيات تقليدية لاجدوى منها . بالطبع لاينطبق الأمر مثلا على دول حققت نتائج باهرة على صعيد محاسبة المقصرين والفاسدين مثل ماليزيا ، سنغافورة ، كوريا الجنوبية ، الدول الاسكندنافية ودول منطقة الباسيفيكي الجنوبي (استراليا ونيوزلندة) وغيرها. إن توفر الإرادة السياسية الحازمة في العراق سيقلل ولاشك من حالات الفساد السياسي- الاقتصادي – المالي والاداري إلى درجة كبيرة جداً. علماً بإن القضاء على الفساد القيمي – الأخلاقي والديني أو التخفيف من حدته يحتاج لجهود فكرية وثقافية جمة كي يتحقق عملياً ، علماً بإنه وفي الجلسة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة تمت الموافقة على تشكل فريق من مجتمع الخبراء المتخصصين يعرف بقوة المهام الخاصة Special Tasksالتي يعهد إليها دراسة الخيارات المتوفرة للمضي قدماً بتحقيق العدل الاجتماعي – الاقتصادي. من ضمن المهام الموكلة لهذه القوة تقديم تعريف قانوني جامع لمايعرف بالفساد العظيمGrand Corruption أو مايعرف بالفساد الستراتيجي Strategic Corruption الذي يغطي ممتلكات وحصص مالية كبرى تقبع في مصارف مشبوهة غير موثوق بها أو لدى محطات استثمارية دولية يشوبها مناخ الفساد .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top