لطفي حاتم
أفضى انهيار التطور الاشتراكي وسيادة وحدانية التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية الى تراجع كثرة من موضوعات الفكر السياسي المعاصر.
- لقد تراجع الحديث عن الثورة الاجتماعية والبناء الاشتراكي للتطور الاجتماعي وحلت رؤى سياسية عن وحدة اليسار الديمقراطي، وشرعية الأساليب السلمية للوصول الى السلطة السياسية، ونهضت مقولة الانتقال من الدولة الاشتراكية الى دولة العدالة الاجتماعية عبر تحولات سياسية تدريجية وبذات المسار انتشرت أفكار جديدة منها أهمية الحوار بين القوى السياسية، وتعزيز وحدة قوى اليسار الاشتراكي، وبناء نظم سياسية ديمقراطية للدولة الوطنية وأخيراً اعتماد المنافسة الانتخابية.
استناداً على الموضوعات المثارة نحاول التعرض الى المهام الجديدة للقوى اليسارية برؤية تواكب طبيعة العلاقات الدولية وتناقضات بنيتها السياسية.
1
تطور وتناقض العلاقات الدولية
- تتطور العلاقات الدولية بشكل متناقض تشترطها قوانين الرأسمالية المعولمة وترابط مسارها بوحدة دولية تشدها وحدة المصالح الدولية المشتركة.
-- رغم تناقضات دول العالم وتضارب مصالحها الوطنية الا انها مترابطة بمستوياتها الدولية الثلاث المتمثلة بدول الرأسمالية المعولمة، الدول الرأسمالية المتطور التي تشده الروح القومية والدول الوطنية المترابطة ومفاهيم الاستقلال والسيادة الوطنية.
-- تضفي المستويات الثلاثة على العلاقات الدولية طابع الوحدة والتناقض وتتبدى النزاعات الدولية بنهوج الهيمنة والتبعية والإلحاق وما تنتجه من خراب لبنى الدول الوطنية وقواها الاجتماعية المنتجة.
- خلاصة القول إن تناقضات السياسية الدولية تتطلب من قوى اليسار الديمقراطي دراسة التغيرات الدولية الجديدة التي تشترطها وحدانية التطور الرأسمالي استناداً على دراسة وتعليل الأسئلة التالية -
– ما هو موقع الدول الوطنية في التشكيلة الرأسمالية المعولمة؟ ماهي طبيعة القوى الطبقية القادرة على مناهضة التبعية والتهميش؟ ماهي طبيعة الدولة المزمع بناؤها؟ وأخيراً ما هي السبل الكفيلة بالوصول الى السلطة السياسية؟
-- استناداً الى الأسئلة الشائكة أحاول التقرب منها بتكثيف بالغ-
- بداية وكما أرى أن مركز الحركة العامة للتغييرات السياسية في التشكيلة الرأسمالية العالمية انتقل بعد انهيار خيار التطور الاشتراكي الى الدول الوطنية ليس بمعنى إقامة نظم سياسية اشتراكية ولكن بمعنى مكافحة التهميش الذي يفرضه الطور الجديد من التوسع الرأسمالي وما يعنيه ذلك من أن الحركة اليسارية – الديمقراطية في الدول الوطنية أصبحت قوى اجتماعية سياسية فاعلة في التصدي لعمليات الهيمنة والتهميش في العلاقات الدولية.
-- الرؤية الفكرية – السياسية المشار إليها تشترط بناء وحدة يسارية – ديمقراطية ترتكز على برنامج وطني – ديمقراطي يتحدد بصيانة الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية من التبعية والإلحاق.
- الإشارة الى انتقال مركز الثقل المناهض للتبعية والإلحاق الى الدول الوطنية ينطلق من مسلمتين إحداهما السيادة العالمية للنمط الرأسمالي وما يحمله من ديناميكية التوسع والتهميش. وثانيتهما النزاعات الدولية الرأسمالية على الأسواق، مصادر الطاقة، والثروات الطبيعية.
- إن الرؤى المشار إليها تتطلب تحصين الدولة الوطنية من نهوج العولمة الرأسمالية المتسمة بالتهميش والإلحاق.
2
الدولة والوطنية والشرعية الانتخابية
- أفضى التطور الرأسمالي وسيادته في العلاقات الدولية الى تحجيم هامش الثورة الاجتماعية بمفهومها الوطني فاتحاً الطريق أمام المنافسة الرأسمالية بين القوى الاجتماعية واعتماد الشرعية الديمقراطية في بناء سلطة الدولة الوطنية.
عليه يتحتم على قوى اليسار الديمقراطي استثمار التناقضات السياسية للطور الجديد من التوسع الرأسمالي المتمثلة بكثرة من القضايا الفكرية - السياسية أهمها -
- بناء حركة جماهيرية مناهضة للتهميش والوكالة الأجنبية تتشكل من القوى والتيارات السياسية الممثلة لطبقات التشكيلة الاجتماعية الوطنية.
- اعتماد برنامج وطني ديمقراطي للكفاح الوطني الجماهيري مناهض للتبعية والتهميش.
- مكافحة سياسة التحالفات التي تعتمدها الطبقات الفرعية في العلاقات مع الخارج الرأسمالي المعولم.
إن المهام الوطنية - الديمقراطية المتجاوبة وطبيعة الهيمنة الرأسمالية تتطلب البحث عن إجراءات اقتصادية – اجتماعية تعتمدها قوى اليسار الديمقراطي لغرض صيانة وتطور الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية.
-- اعتماد برنامج الوطنية - الديمقراطية باعتبارها حلاً وطنياً يتجاوب ومصالح تشكيلة البلاد الاجتماعية فضلاً عن كونه سياجاً وطنياً لصيانة الدولة من التبعية والتهميش.
- مناهضة ميول الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتبعية والإلحاق والتصدي لحركتها الدولية المرتكزة على التوسع والنهب الاقتصادي.
- اعتماد الشرعية الانتخابية للوصول الى السلطة السياسية لغرض صيانة الدولة ودورها السيادي في التشكيلات الوطنية.
3
التطور الرأسمالي ووحدة اليسار الديمقراطي
انتقال مركز التغيرات الدولية من الدول الاشتراكية السابقة الى الدول الوطنية تشترطه أسباب كثيرة أهمها--
-- وحدانية التطور الرأسمالي وغياب المركز القيادي العالمي المحرك للتطور الاجتماعي.
- سيادة التعارضات بين دول الرأسمالية المعولمة ومستويات دول التشكيلة الرأسمالية الأخرى حول المساواة في السيادة الوطنية وضمان التطور الاقتصادي المستقل.
- استبدال الأساليب العنفية في الثورة الاجتماعية بسيادة الشرعية الديمقراطية في الحكم المرتكزة على الشرعية الانتخابية.
- الروح الكسموبوليتية للرأسمال المعولم وتنكره لمفهوم الوطنية التي أصبحت محركاً كفاحياً للدول الرأسمالية المتطورة في نزاعاتها الدولية.
- تشجع التعارضات المشار إليها قوى اليسار الديمقراطي على بناء دول وطنية ديمقراطية قادرة على مواجهة نهوج التبعية والإلحاق.
اعتماداً على الأفكار المشار إليها لابد من صياغة بعض الملاحظات الضرورية التي أجدها ضرورية منها--
أولاً- تشترط وحدانية التطور الرأسمالي قيادة اليسار الديمقراطي للكفاح الوطني المناهض للهيمنة والتبعية والتهميش.
ثانياً- الدفاع عن مصالح الطبقات الاجتماعية المنتجة العاملة على مناهضة ميول التبعية والإلحاق.
ثالثاً— تشكل الطبقة العاملة بسبب كونها فصيلاً وطنياً أساسياً ركيزة في الكفاح المناهض للروح الكسموبولوتية التي يحملها رأس المال المعولم.
رابعاً- خوض الانتخابات الوطنية باعتبارها وسيلة وطنية شرعية انطلاقاً من تشكيل جبهات وطنية.
خامساً- الحفاظ على مصالح البلاد الوطنية ومكافحة ميول الطبقات الفرعية وتحالفاتها الدولية المرتكزة على التبعية والتهميش.
إن الموضوعات المثارة تشكل قراءة سياسية مناهضة لميول التبعية والتهميش التي يحملها الطور المعاصر من التوسع الرأسمالي وما يشترطه ذلك من بناء جبهة وطنية مناهضة للتبعية والتهميش.
اترك تعليقك