هذه هي أفكارهم

آراء وأفكار 2021/02/13 09:47:27 م

هذه هي أفكارهم

 د. أثير ناظم الجاسور

ما من كلمات وخطب تملؤها المواعظ بقدر تلك التي تطلقها حناجر أحزاب الإسلام السياسي بمختلف انتماءاتها وتبنياتها التي ما انفكت أن تعظ وتحدد وتقرر وترشد وتخطط وتلغي وتنفي، فبين الأرض والسماء تعلو مقدساتهم السياسية والمالية فلا هم ممن اكتفى بما حصلوا عليه ولا هم من ترك الإنسان ينعم بحقوقه،

فقد تحولت تلك المبادئ والمعتقدات مع أول تجربة لهم في السلطة إلى أفكار مصلحية ضيقة بعيدة كل البعد عن تلك النصائح والمواعظ بعيدة حتى عن الشرع والشريعة حتى باتت الأنانية جزءاً أساسياً من سياساتهم العبثية، وبعد أن تبدلت قناعاتهم لتصبح رهينة لمغريات السياسة ومكاسبها بعد أن تحولت جلسات العبادة والذكر الى جلسات صفقات ومناقصات تدر عليهم المليارات من الدنانير بعد أن أصبح المليون رقماً هامشياً في حساباتهم، فلم تكتفِ هذه الأحزاب وشخصياتها بما جنته من مال الدولة بل راحت تؤسس الشركات التي تضمن استمرارية التدفقات المالية وإنشاء إمبراطوريات اقتصادية ضخمة داخل العراق وخارجه، بالإضافة الى دعم الدول الإقليمية والعالمية التي عززت من سلطات هذه الأحزاب بعد أن جعلت الأخيرة أرض العراق ساحة للتدخلات والهيمنة على قراراته.

اختلفت مفاهيمهم أيضاً فيما يخص علاقة الله بالإنسان فهم الخلفاء في الأرض والوسطاء بين الله وعبده بعد أن ألغوا بكل جرأة النص الذي يؤكد على أن الله أقرب للإنسان من حبل الوريد، فهؤلاء الوسطاء هم من سيكونون شفعاء لهذا الإنسان الفقير بعد أن أصروا على أن من الضروري أن يكون الأخير فقيراً في الدنيا حتى يغتني في الآخرة، فصارت كل حروبهم وصراعاتهم مقدسة باسم الله، وتعاليمهم خطوط حمر لا يمكن لهذا الإنسان العاجز أن يتعداها، وهم بهذا الفعل لم ينطلقوا من عدم فهم أو جهل أو عدم دراية لكن أساس عملهم هذا واحدٌ من أدوات ترسيخ سلطتهم وسيطرتهم على الناس العابثين التائهين غير المسترشدين الطريق إلى الله، بذلوا جهداً كبيراً في محاربة العقل وتحجيره وإخراجه عن سياق التفكير والتفسير والتحليل، من خلال تحويل الجمهور إلى جمهور طاعة بعيد جداً عن مساحة القناعة، واستمرت محاولاتهم في إيقاف عمل العقل ليكون الجميع يسير وفق مفاهيمهم هم عن الحياة والآخرة ومن خلال مبدأ الطاعة، فقد أسسوا لفكرة القداسة التي أيضاً ساهمت في تعزيز سلطتهم التي داعبت وما زالت عواطف الناس قبل عقولهم، فعملية التقسيم الدينية والطائفية التي مارسوها ساعدتهم على أن يكونوا قادة يحيط بهم المؤيدون من الذين استشعروا بذلك الخطر المحدق بهم مستلهمين من خطب هذه الأحزاب وفق فكرة الطائفة السياسية.

لم تؤمن هذه الأحزاب بفكرة التعددية وراحت مسرعة صوب الانغلاق وعدم الاكتراث لقضية أساسية كانت ولا زالت تجمل المشهد الاجتماعي العراقي (الأديان والقوميات) التي بالأساس هي مصدر قوة لهذا البلد، وراحت تصنف المواطن حسب هويته وانتماءاته وألغت فكرة المواطنة التي تُعد صمام الأمان في مواجهة الفتن والاحتقان المجتمعي، فلم تكن مفردة الوحدة الوطنية موجودة إلا في تلك الخطب والاجتماعات التي ما أن تنتهي حتى يشتعل الشارع ترقباً وخوفاً من القادم الذي يحمل أكثر من حدث مجهول أقلها ضرراً تهميش، فهم بعيدون عن مفاهيم التعددية الثقافية والقضايا المتصلة بالهوية وبناء سياسات الاندماج والتسامح والمواطنة، بل راحوا يؤسسون لدولة يجب أن تكون ملكاً لجماعة ضيقة لا ملكاً للجميع وابتعدوا عن قضية أن تعمل الدولة على اعتبارها الراعي لهذه الهويات والثقافات على أساس قاعدة المساواة.

إن الأحزاب الحاكمة والداعمة والمؤيدة كلها مارست على المواطن مختلف الوسائل التي ساعدتهم على ترسيخ مفاهيمهم وسلطتهم التي بالضرورة تستمر على استغفال العقول من خلال السيطرة عليها وجعلها تخشى الآخر المتربص لكل شاردة وواردة، فما عملته هذه الأحزاب هو نشر أفكار ليس إلا ساعدتهم على البقاء ويحاولون التشبث بها من أجل الاستمرار.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top